ترجمة وتحرير نون بوست
لم يكن من الضروري اتباع هذه الطريقة، فقبل أقل من عام، واجهت المملكة المتحدة مخاطر تفككها مع وصول القوميين الإسكتلنديين إلى أقرب مما كان متوقعًا لهم للفوز في الاستفتاء على الاستقلال؛ مما دفع كبار الشخصيات في ويستمنستر للاتجاه نحو الشمال، مطلقين وعودهم للإسكتلنديين بأن جميع الأمور ستكون جيدة إذا ما اختاروا البقاء ضمن المملكة.
إسكتلندا تمتلك برلمانها الخاص، الذي يقع في أدنبرة، وهذا البرلمان هو الذي يبت بمعظم المسائل التي تؤثر على الناخبين مثل الصحة والتعليم، واختيار الأمة الإسكتلندية البقاء كجزء من المملكة المتحدة تم الاحتفال به من قِبل الطبقات السياسية رفيعة المستوى، وبذات الوقت كان يُنظر إليه من قِبل العديد من الأشخاص – خاصة ضمن بقية المملكة المتحدة -، كدليل على أن الإسكتلنديين كانوا سعداء بحصتهم من الكعكة، لا بل وسعداء بتناول هذه الحصة أيضًا.
بعد خسارته بالاستفتاء، كان ينبغي على الحزب الوطني الإسكتلندي أن يصبح قوة سياسية متهالكة ومنزوية في ويستمنستر، يسعى فقط لحفظ ماء وجهه، وإبعاد نفسه عن الأضواء، والحكم للفترة التي تبقت له ضمن البرلمان الإسكتلندي للمملكة المتحدة، وترك الحزبين الحقيقيين لمتابعة حكمهم لجنوب المملكة، كما أن زعيم الحزب التاريخي أليكس سالموند، استقال في يوم الإعلان عن نتائج الاستفتاء، بعد أن سُحق حلمه بتأسيس دولة مستقلة لمدة جيل كامل على الأقل.
اختلاف المشهد السياسي
ولكن ما الفرق الذي حدث خلال ثمانية أشهر؟ اليوم، استيقظت المملكة المتحدة على مشهد سياسي مختلف جذريًا، مع تحقيق الحزب الوطني الإسكتلندي لاكتساح شبه نظيف، بفوزه بـ 56 من أصل 59 مقعدًا إسكتلنديًا، ليصبح ثالث أكبر حزب في ويستمنستر.
أكبر مخاوف الإنجليزيين – التي روجت لها سابقًا عناوين الصحافة اليمينية في بريطانيا الأكثر تعصبًا وشوفينية – هو أن يضطر الإنجليز للخضوع لسياسات الحزب الوطني الإسكتلندي ضمن الحكومة الائتلافية، وأن يملي الإسكتلنديون – أصحاب التناتير الغريبة – مستقبل هذه البلاد، هذه المخاوف تفاداها حزب المحافظين عند حصوله على الأغلبية المطلقة بفارق ضئيل.
وعلى الرغم من اغتنام حزب المحافظين للأكثرية المطلقة وقدرته على تشكيل حكومة بمفرده، بيد أن فوز الحزب الوطني الإسكتلندي لايزال يحمل في طياته تأثير مزلزلًا على المشهد السياسي في البلاد، وفي حين أن حزب العمال لن يستجدي الإسكتلنديين للحصول على الدعم في حكومة الأقلية، بيد أن حزب العمال والحزب الوطني الإسكتلندي سيشكلون كتلة معارضة غير رسمية، ستجعل التحكم بالأمور صعبًا للغاية على أرض الواقع بالنسبة لديفيد كاميرون.
الأحزاب الوطنية الإسكتلندية ليست في حالة من الفوضى، بل هي في حالة من الإبادة العارمة، فزعيم حزب العمال الإسكتلندي جيم مورفي كانت حملته كارثية بكل ما للكلمة من معنى، وبلغت ذروتها في خسارته المذلة لمقعده الخاص، كما أن حزب الليبراليين الديمقراطيين حقق أعلى نسبة خسائر مع خسارة الأمين العام السابق لوزارة الخزانة داني ألكسندر وزعيم الحزب السابق تشارلز كينيدي لمقعديهما لصالح الحزب الوطني الإسكتلندي، أما حزب المحافظين الإسكتلندي فقد أدار في الواقع حملة جيدة، وخرج روث ديفيدسون كقوة سياسية ناشئة ومنعشة لهذا الحزب، ولكن المقعد الوحيد الذي ظفر به الحزب في الانتخابات، يعزز من بعده عن جو المنافسة.
ولكن كيف وصل الأمر إلى هنا؟ وكيف يمكن لحزب كان ينبغي أن يكون في وضع سياسي حرج قبل أقل من سنة أن يحوز على شبه كامل المقاعد الإسكتلندية في الانتخابات؟ الجواب ببساطة هو أن الأحزاب السياسية القومية الإسكتلندية، لم تفز بالاستفتاء، ولكنها زرعت بذور الانفصال المحتم في البلاد.
الانفصال المحتم
مع اقتراب موعد الاستفتاء الماضي، وتوقع استطلاعات الرأي فوز حملة المطالبة بالاستقلال عن المملكة المتحدة، شنت الأحزاب الكبرى حينها حملة واسعة لكسب قلوب وعقول الإسكتلنديين؛ ففي استعراض نادر للتوحد هرع قادة حزب العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطيين شمالًا، للتعهد بحبهم المكتوم لجيرانهم الشماليين، وأطلقوا وعودًا رنانة للإسكتلنديين شريطة أن يحافظوا على وحدة المملكة، ولكن الوعود التي تم قطعها على عجل – كما يقال – تم تجاهلها بسرعة أكبر من السرعة التي قُطعت بها، والإسكتلنديون سيعاقبون هذه الأحزاب على خداعها الفاضح لهم.
التحيز إلى الحزب الوطني الإسكتلندي هو سياسة براغماتية بأفضل حالاتها، فالسياسيون الإسكتلنديون يسعون ببساطة لضمان أفضل تمثيل لهم في ويستمنستر، وكتلة الحزب الوطني من شأنها الكفاح من أجل الظفر بما كانوا يعدون به أنفسهم في الاستفتاء الماضي، أي الاستقلال.
إسكتلندا المستقلة
مبدئيًا يصر دهاة الحزب الوطني الإسكتلندي على أنه لن يتم إجراء استفتاء آخر، ولكن بالطبع لا أحد يستطيع التصور لثانية أن يتخلى الحزب عن “إسكتلندا المستقلة” باعتبار هذا المبدأ هو سبب وجود الحزب، ونيكولا ستورجيون زعيمة الحزب الوطني الإسكتلندي، تتعامل مع الناخبين بطريقة لم يكن يحلم بها سلفها؛ فالإسكتلنديون، يشعرون حاليًا بالاشمئزاز من الطريقة التي يتم التجريح بهم فيها على وسائل الإعلام الوطني، ويشعرون بالحنق تجاه خيانتهم من قِبل الأحزاب الرئيسية، وحماسهم الناجم عن “تأثير ستورجيون” سيؤدي إلى الفوز بالاستفتاء القادم في غضون الـ 5 إلى 10 سنوات المقبلة.
الأحزاب الكبرى في إسكتلندا والتي أُبعدت بالفعل عن المشهد السياسي الإسكتلندي، لن يكون لها مصلحة حقيقية في محاربة حملة الاستفتاء بذات الطريقة التي اتبعتها عام 2014، كما أن الناخبين الإنجليزيين الغاضبين من التأثير الإسكتلندي على شؤونهم، سوف يكونون سعداء بالتخلص من الاتحاد مع أبناء عمومتهم.
ما يسمى بمسألة لوثيان الغربية – الوضع الذي يسمح لنواب إسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية بالتصويت في ويستمنستر على قضايا تخص إنجلترا، في حين أن النواب الإنجليز لا يمكنهم التصويت على القضايا نفسها في هذه البلدان – سيتم وضع نهاية لها، الآن وإلى الأبد، عن طريق تفكيك المملكة المتحدة.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية