أثار المشروع التركي لبناء حاملة طائرات (سفينه إنزال) في البحر المتوسط، قلق إسرائيل وحلفائها في المتوسط (قبرص واليونان)، هذا المشرع الضخم ستقوم بتنفيذه شركة “سيديف” التركية للصناعات الدفاعية، وقد تم اختيار النموذج الإسباني “خوان كالروس” لمحاكاته، هذا وقد تم التخطيط لتصميم نسخه خاصة تركية للسفينة تدعى وفق متطلبات واحتياجات البحرية التركية، وسوف تتمكن من تشغيل 12 طائرة من طراز “F-35” من الجيل الخامس على متنها، بالإضافة لمروحيات مقاتلة من طراز “سي هوك”، “بلاك هوك”.
حاملة الطائرات التركية المزمع إنشاؤها سوف تحمل أيضًا قوة هجومية تتألف من 1200 جندي بكامل عتادهم ومعداتهم، بالإضافة لـ 100 مدرعة تتضمن 30 دبابة و30 مدرعة أخرى برمائية هجومية، مما يعطي تصورًا عن ضخامة المشروع الذي أقلق إسرائيل وتحالفها في المتوسط الذي تسعى لإنشائه، حيث أبدت كل من إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية قلقهم لأن هذا المشروع من شأنه أن يغير التوازن الأمني الدفاعي في البحر المتوسط.
هذا ليس الرد التركي الأول على تهديدات التحالفات الأخيرة بين دول المتوسط للتنسيق فيما بينهم لاستخراج الغاز من المناطق المتنازع عليها في البحر المتوسط، حيث عُقدت قمتين بين اليونان وقبرص ومصر في أقل من ستة أشهر برعاية إسرائيلية، لمحاولة إقامة حلف يستبعد تركيا من هذه المنطقة الإستراتيجية، فقبل ذلك أعلنت تركيا تحريك بعض سفنها الحربية، تجاه مياه شرق البحر المتوسط، والتي أثارت حالة من الجدل واللغط، داخل هذا الحلف الذي يشهد توترًا في العلاقات مع أنقرة.
المتابعون لما يجري في منطقة شرق البحر المتوسط يرون في هذه الخطوات التركية ردًا مباشرًا على هذه المبادرات التي تراها تركيا تهديدًا لأمنها ومصالحها في هذه المنطقة، وذلك بعد عقد قمة في القاهرة منذ شهور وأخرى في نيقوسيا منذ أيام، للتنسيق ضد تركيا برعاية إسرائيلية، على خلفية مشروعات تنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.
فالحكومة التركية تؤكد بذلك قدرتها على منع أي تحالف ضدها في هذه المنطقة التي تشهد توترات بين الدولة الساحلية المشتركة فيها، فعقب اللقاء الأول الذي عقد في مصر بين رؤوساء مصر وقبرص واليونان، أعطت تركيا أوامر مباشرة لا لبس فيها لقواتها البحرية بالتطبيق الكامل لقواعد الاشتباك التي تم تعديلها مؤخرًا، في مواجهة التوتر المتصاعد بين الدول الساحلية التي تشمل قبرص اليونانية ومصر وإسرائيل، وهو ما أكده قائد القوات البحرية التركية بولنت بوسطان أوغلو في تعقيبه على هذا اللقاء.
فدائمًا ما تؤكد تركيا أنها تتابع هذه الاتفاقات واللقاءات باهتمام شديد، وكل ما يتعلق بالوضع شرق البحر المتوسط، مع إبداء الاستعداد دائمًا لمواجهة أي اختراقات بحرية أو تدخلات يونانية أو إسرائيلية قد تحدث في الفترات المقبلة.
وقد قامت تركيا مؤخرًا أيضًا بعمليات مسح سيزمي للمناطق البحرية لها في مياه البحر المتوسط، في إطار خطوات تمهيدية لبدء طرح هذه المناطق للتنقيب عن الغاز، لضمان حقوقها ردًا على التحركات الإسرائيلية المشبوهة بين دول هذه المنطقة، فقد سبق وأن أعلنت إسرائيل وقبرص اكتشافات للغاز الطبيعي تعدت 1.5 تريليون متر مكعب، تقدر قيمتها الحالية بنحو 240 مليار دولارًا، بالتزامن مع محاولات إقامة تحالفات ضد تركيا لاستبعادها من المنطقة وهو ما اعترفت به الصحافة العبرية مؤخرًا بعد قمة نقوسيا.
الجدير بالذكر أن حجم احتياطي الغاز في حوض شرق البحر المتوسط، يقدر بنحو 345 تريليون قدم مكعبة، كما تحتوي المنطقة على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية تبلغ 3.4 مليار برميل، وذلك وفقًا لدراسة أعدتها هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية في عام 2010، ما يفسر النزاع بين هذه الدول.
تركيا بمثل هذه التحركات العسكرية لا تنفي نيتها الدخول في هذا الصراع عقب الاستفزازات المصرية اليونانية القبرصية، حيث يتضح إصرار أنقرة على عدم ترسيم الحدود البحرية من طرف واحد، والشروع في بناء مثل هذه البارجة العملاقة هو فتح للخيار العسكري وسباق التسلح في هذه المنطقة لحسم الصراع بها كأحد الحلول المطروحة، وهو ما أكده الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي السابق أجمان باجيش الذي صرح بقوله “فمن أجل هذا لدينا قوة بحرية”.
فتركيا لا تعترف مطلقًا بالاتفاقيات الخاصة بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي وقعتها قبرص مع مصر ولبنان وإسرائيل، حيث أكدت أن قبرص مازالت جزيرة مقسمة، ولا يمكن أن يوقع اتفاق كهذا مع استبعاد تمثيل مصالح قبرص الشمالية، كما أن مطالب تركيا غير مقتصرة على ذلك فقط، فهي تنظر أيضًا إلى الجرف القاري، الذي يقع غرب قبرص إلى خط الوسط بين تركيا ومصر، والمتداخل جزئيًا مع المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها.
فتركيا لن تسمح بأي نشاطات تنقيب بعيدًا عنها وهو ما أوردته وكالة الأناضول للأنباء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أوضح أن تركيا لن تسمح بأية أنشطة أو خطوات تطبق في شرقي البحر الأبيض المتوسط دون التنسيق مع الجمهورية التركية، مشددًا على أن تركيا متمسكة بذلك.
فالقرارات الواردة في القمة الثلاثية بنقوسيا من شأنها إشعال منطقة شرق المتوسط، حيث إنها لم تترك لتركيا سوى خيار المواجهة، لحماية حقوقها المائية في المياه الإقليمية، وقد دفع أردوغان للتعبير عن ذلك بقوله سوف نري شرق البحر المتوسط بوارجنا في كثير من الأحيان.
فتركيا إما أن تلجأ إلى المحكمة الدولية وهو أمر سيحتاج الكثير من الوقت ولن يُجدي أمام سياسة الأمر الواقع التي تتخذها دول شرق البحر المتوسط، وإما أن تستمر في تحصين دفاعاتها العسكرية البحرية لمواجهة أي خطر محتمل، فاتفاق نيقوسيا كشف عن النوايا السيئة للدول المشاركة فيه باتجاه تركيا بوازع إسرائيلي، فكل هذه التصرفت التركية الأخيرة تفيد عدم تفريطها في حقوقها بشرق المتوسط مهما كلفها ذلك من نتائج.