لم تكد المفوضية القومية للانتخابات تعلن نتيجة الاقتراع وفوز مرشح المؤتمر الوطني بدورة رئاسية جديدة حتى أطلق البشير نفير الحرب وأطلق صيحاتها سريعًا من داخل المركز العام للمؤتمر الوطني عبر احتفال متعجل، لكنه خلال كلمته بدأ يتهكم من قوى المعارضة السودانية والحركات المسلحة التي تخوض حربًا ضد المؤتمر الوطني في أطراف البلاد، خلال كلمته عبّر عمر البشير عن بهجته بمعركة دارت جنوبي دارفور وقال إن قواته كسبتها وألحقت بحركة العدل والمساواة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، واعتبر أن تلك العملية كانت هي المفاجأة التي قال إن المعارضة أعلنت عنها وهو يقول: “بعض أبناء السودان المغشوشين قالوا عندهم مفاجأة سارة وعندهم هدية للمؤتمر الوطني نقول لهم شكرًا على الهدية”، من بعد كلمته تلك بساعات طار البشير إلى ولاية جنوب دارفور برفقة وزير الدفاع ومدير جهاز الأمن والمخابرات حيث خاطبوا هناك قوات الدعم السريع بمنطقة (قوز دنقو).
إلى ذلك اعترف قائد حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل إبراهيم، بخسارة قواته لمعركة “النخارة” بجنوب دارفور، أمام القوات الحكومية، الأحد الماضي، لكنه اعتبرها جولة من جولات القتال وقال الدكتور جبريل، في بيان بثه يوم الخميس: “تعترف الحركة بأنها لم تكسب معركة النخارة بمقاييس الكسب عندها أو بالصورة التي عهد الشعب السوداني كسبها للمعارك طوال سنوات الثورة، كما تعترف بأن بعضًا من رجالها وقعوا في الأسر، وفريقًا منهم نال الشهادة، وأنها خسرت بعض الآليات والعتاد التي اغتنمتها في الأصل من النظام لكن خسائرها لا تتجاوز ربع ما يتشدَق به رأس النظام وزبانيته من المرتزقة المأجورين، وأنهم وإن رقصوا اليوم فرحًا بنتائج المعركة فسيبكون قريبًا في معارك فاصلة قادمة”، واستطرد رئيس حركة العدل والمساواة قائلًا: “تؤكد الحركة أن عدم كسبها للمعركة بالصورة المرجوّة لا يعني أبدًا خسارتها للحرب أو القضية، بل ستزيدها نتائج المعركة عزمًا على المضي قدمًا في تحقيق أهدافها بإزالة العصابة المجرمة الجاثمة على صدر الشعب لأكثر من ربع قرن من الزمان”.
في الخرطوم بدت أول انعكاسات معركة “النخارة” من بعد كلمة البشير عقب إعلانه رئيسًا فائزًا فأعلن نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم غندور أنهم سيدرسون أي دعوة جديدة للتفاوض مع الحركات المسلحة وبالرغم من أن غندور لم يقفل الباب بالتمام أمام التفاوض فإنه ألمح إن إمكانية التحفظ على الحوار مع الحركات وهو يقول: “لن نغلق الباب أمام التفاوض لكننا سندرس أي دعوة للتفاوض مع الحركات”، وقال غندور لبرنامج مؤتمر إذاعي: “هناك من يتمنع عن الحوار ويعتقد بأن البندقية كما حدث في جنوب دارفور يمكنها أن توصله إلى ما يريد، فسينتظر طويلاً”.
على ذات المنوال سار مدير قوات الأمن وهو يقول: “إن الحركات المسلحة لا تستحق الحوار والتفاوض”، وقال محمد عطا المولى عباس خلال احتفال نظمه جهاز الأمن: “إن قوات الدعم السريع بعد تدميرها لحركة العدل والمساواة اتجهت لولاية جنوب كردفان لمساندة القوات المسلحة في دحر المتمردين وللقضاء على القائد عبد العزيز الحلو وستتوجه من هناك لولاية النيل الأزرق”، وكشف عطا عن بدء مرحلة جديدة في التعامل مع التمرد وهو يقول: “إنهم لا يستحقون الحوار والتفاوض”.
من بعد المعارك الأخيرة في دارفور – كذلك – طوّرت الخرطوم خطابها تجاه الحركات المسلحة شيئًا ما فأضحت رائجة عبارات جديدة تصفها بـ”الإرهابية”، وكان البشير قد بدأ ذلك لأول مرة خلال مخاطبته لقوات الدعم السريع في خور دنقو وهو يقول: “لا نريد أن نسمع حركة اسمها عدل ومساواة، لأنهم مرتزقة وإرهابيون ولا نريد أن نسمع حركة تحرير السودان، فأنتم من حررتم السودان من العملاء والإرهابيين والمارقين، كما وتحدث نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم غندور عن إمكانية إصدار الاتحاد الأفريقي لتصنيف يضع الحركات المسلحة السودانية في قائمة المنظمات الإرهابية.
لكن الانعكاس والتطور الأهم لتلك الأحداث على الساحة السياسية في الخرطوم هو ذهاب رئيس البرلمان الفاتح عز الدين إلى إمكانية إجراء تعديلات جديدة على الدستور تمكّن قوات الأمن من أداء مهامها، ترافق ذلك مع دعوة مدير الأمن القيادة السياسية لتبني خطط جديدة لا تعتمد فيها التفاوض مع المتمردين واعتبارهم “إرهابيين”.
وأكد رئيس البرلمان الفاتح عز الدين لدى احتفالات جهاز الأمن بالخرطوم – الخميس 30 أبريل 2015 – على نية البرلمان سن عدد من القوانين في مقبل الأيام، وهو يقول “سنعمل علي تعديل الدستور لتحقيق مظلة قانونية لقوات الأمن حتى تمكنهم من الانطلاق وهم مرفوعي الرأس للدفاع عن بلدهم”، وكان البرلمان قد أدخل تعديلات سابقة على الدستور في يناير مطلع هذا العام طالت المادة 151 المتعلقة باختصاصات جهاز الأمن نصت على أن: “يكون جهاز الأمن قوة نظامية مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي، كما يعمل جهاز الأمن على مكافحة المهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية كافة والإرهاب والجرائم العابرة للوطنية”، وقرن عزالدين حديثه عن تعديل الدستور بالقول: “أؤكد أننا أعضاء في البرلمان القادم وبذات العزم وبذات الحسم واليقين والقوة الضاربة”.
هنا ما يزال الخطاب في تشكلاته الأولى لكنه يعطي إشارات واضحة للتصورات والرؤى التي يمكن أن ينبني عليها الموقف السياسي الأخير تجاه قضايا الحرب والسلام لكنها الآن أقرب إلى رسم واعتماد خطط جديدة لا تقوم على التفاوض مع حركات المقاومة بل تعتبرها حركات إرهابية، إلى جانب إجراء تعديلات دستورية تعضد تدابير جهاز الأمن وتتسق مع هذه التوجهات وهذا هو الموقف الذي حاول الرجل الثاني في الحزب الوطني مجاراته مهما حاول التحلي بقدر من اللباقة وهو يقول إنهم سيخضعون أي دعوة للتفاوض مع الحركات للدراسة.