{ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}.. صدق الله العظيم
مصر التاريخ والحضارة هي لليمن كجارة محبوبة بعيدة عن العين قريبة من القلب، فهي الخيار الأول لليمنيين للسياحة بشقيها الترفيهي والعلاجي، وإن كان الشق الثاني يغلب على الأول في كثير من الأحيان، والعلاقات اليمنية المصرية لها تاريخ طويل بدأ منذ مئات السنين، حيث تشير كتب التاريخ إلى أن الإمبراطور تحتمس الثاني تلقى هدايا من تجار سبئيين زاروا أرض مصر في تلك الفترة.
وفي اليمن مقبرة مهيبة في موقع إستراتيجي يعتبر مزارًا تشريفيًا، تضم في داخلها جثامين الضباط والجنود الذين استشهدوا إبان تدخل الجيش المصري لمساندة تنظيم الضباط الأحرار خلال ثورة 26 سبتمبر ضد المملكة المتوكلية ودعم جمال عبد الناصر لثورة 14 أكتوبر في جنوب اليمن ضد الاستعمار الإنجليزي لعدن، وملايين الدولارات تصرف بين الدولتين ما بين صادر ووارد كإحدى الدول الصديقة تجاريًا وصناعيًا.
كل هذه الشواهد لا تفيد إلا بشيء واحد وهو أن العلاقة اليمنية المصرية علاقة متينة ووطيدة، وفيها من الروابط ما قد يجعل من الصعب أن تبتكر مشكلة لتفرق بينهما.
غير أن المشكلة ابتكرت نفسها وأبرزت فجوة تتسع يومًا بعد يوم في هذه العلاقة، مشكلة هي الأعمق من بين كل المشكلات، فهي ليست سياسية ولا اقتصادية ولا ثقافية ولا رياضية، بل إنسانية بحتة.
مسافرون كانوا في مصر وأوشكوا على وداعها، فبدأت عاصفة الحزم وما تلاها من حيث لم يحتسبوا، وكان الحظر الجوي الذي فُرض على اليمن من قِبل قيادة التحالف العربي هو ضربتهم الموجعة، فهم في الأغلب أسر متوسطة الحال استطاعت أن تسافر إلى مصر للعلاج – غالبًا – بعد أن أخذت مبلغًا كبيرًا من مدخراتها المستقبلية وربما كلها، فليس لها هناك من ملجأ بعد ان استنفدت نقودها هناك.
بدا الأمر في البداية كظرف مؤقت سيزول قريبًا أو يعالج بشكل أقرب من قِبل الحكومة المصرية أو السفارة اليمنية، غير أن الأمر طال في اليمن والسفارة أغلقت أبوابها في وجه من كانوا في أمس الحاجة إليها في ظرف صعب كهذا، وكما أن تحويل النقود غير ممكن فالأمر هنا معقد بشكل كافٍ ليضع المسافرين من حالة “مسافر” إلى حالة “لاجئ”.
لم يكن هناك حلول متاحة إلا تلك التي بادر بها بعض المقيمين في مصر من الطلاب والعاملين هناك، ولكنها بدت متواضعة جدًا وكانت بالكاد تغطي الاحتياج المطلوب نسبة للإمكانيات المتوفرة والعدد الضخم للعالقين من نساء وأطفال وكبار في السن كانوا هم السواد الأعظم الذين طالتهم يد الأذى وهم في المهجر، ولم يجدوا من يضع لمشكلتهم حل سوى تلك الشائعات التي تطلق هنا وهناك.
ناشدوا الرئيس عبد ربه والملك سلمان والحوثيين بل وناشدوا السيسي نفسه، ولم يجدوا من مستمع.
يتحدث “مرتضى. ك” أنه وبعد أن لم يجد بد من ذلك رهن جوازه في أحد المطاعم ليتسنى له إسكات جوع أبنائه، أما “أماني. ن” فقد اضطرها الحال وبعض مثيلاتها إلى بيع بعض الحلي الخاصة بهن لعله كان حلاً ليتسنى لهن العيش بما تبقى من كرامة، يشكو آخر باكيًا – فضل عدم ذكر اسمه – أن عزة نفسه دفعته ليفترش الأرض في بعض حواري القاهرة كي لا تمتد يده للناس.
وكانت بعض العوائل المقربة لبعضها قد ابتكرت حلاً يقيهم الجلوس في الشارع وهو بقاءهم في الحدائق العامة واعتبارها ملجأ مؤقت لهم عله يكون أفضل الحلول الموجودة والتي تحتفظ بماء الوجه الذي بدأ يراق، حتى جاء الأمن المصري ليطردهم من تلك الحدائق ويضعهم ضمن من لا ملجأ لهم في أرض كانت زيارتها يومًا ما بالنسبة لهم حلمًا.
من جاؤوا للعلاج من مرض صغير عُمقت جراحهم وبشده، ومن جاء سائحًا استُبدلت ذكرياته الجميلة بأخرى سيئة.
فرج الله هذه الأزمة عاجلاً غير آجل.