عبدالفتاح “سيسي” رئيس جمهورية الأمر الواقع، رئيس مصر بقوة السلاح، رئيس جمهورية مصر العربية بمنطق الغلبة، يشتاق للشرعية ولا يجدها، يتنازل كل يوم من أجل أن يحصل عليها ولا تأتي.
يخطط ويخطط، ثم تنقلب الخطط كلها ضده، يرتب المؤامرات مع حلفائه؛ وبسبب انعدام خبرته السياسية تنهار الخطط ليصبح في وضع لا يحسد عليه.
تُرفع إليه تقارير المخابرات (شعبيتك في انهيار)، فيخطط لاستعادتها بخطاب تلفزيوني، وهو لا يعلم أن سكوته أفضل، وأن حديثه (مع إجراءات الغلاء وأحكام القضاء) تستفز الناس أكثر وأكثر.
تقض مضجعه خزينة الدولة الخاوية بسبب فساده وفساد نظامه، فيضطر المانحون أن يمنحوه فرصة أخيرة بمليارات لا تفيده سوى بمد أجل نظامه عدة أشهر.
تتآمر عليه دعوات الذين توسموا فيه خيرًا في يوم من الأيام، ودعوات الأمهات الثكالى، ودموع العائلات المقهورة في انتظار خروج المعتقلين بعد أن ينتهي عهده الأسود، ونحيب الأطفال القصَّر المحتجزين في الإصلاحيات والسجون، الذين انتحر بعضهم لهول ما رأوه، وصراخ الطلاب المفصولين فصلًا نهائًيا، بفضل ما أصدره من قوانين للغابة التي يحكمها بمنطق البقاء للأوسخ، وهتافات الثوار في الشوارع الذين لا يبالون برصاصات جنوده.
فشله الفاضح في سيناء يظهره عاجزًا مقهورًا! تنهال عليه المواقف المخزية أمام الكاميرات، حتى رأينا عاملًا إثيوبيًا بسيطًا يتعالى عن السلام عليه، يبدو أنه يعلم تاريخه!
عبدالفتاح “سيسي” يتظاهر – مرغمًا – بأنه رئيس ديمقراطي، ولكنه ينسى شروط الديمقراطية، ويتناسى المظهر العام للحكم الديمقراطي.
بعض الأنظمة المستبدة حين تتحدث عن الحرية والديمقراطية تصبح راقصةً ببدلة رقص شرقي خليعة، ولكنها تصر على أن تعظ الرهبان في ديرهم، وتريدهم أن يصدقوا إخلاصها لسلك الرهبنة، برغم ملابسها الفاضحة، وبرغم ضحكاتها الخليعة وإيحاءات ألفاظها، وبرغم تاريخها الذي يعلمه القاصي والداني! هل يمكن للراقصة أن تتظاهر بأنها راهبة وهي تلبس بدلة الرقص؟ لا بد من مراعاة بعض الشكليات، لا بد أن ترتدي ملابس الراهبات في اللحظة التي تقول فيها إنها راهبة (على الأقل!).
“سيسي” لا يريد، أو لا يستطيع بمعنى أدق، أن يراعي شكليات الحكم الديمقراطي، وبالتالي لا يمكن أن يستمر العالم في تأييد وجودك في قمة الحكم، وأنت تظهر يوميًا وبدلتك الإيطالية غارقة بدماء الضحايا، حتى إن المرء ليختلط عليه الأمر؛ هل نحن أمام رئيس يقف في الاتحادية؟ أم أمام جزار في المدبح؟
أقسم بالله العظيم أنني أعرف مئات المصريين وهم على استعداد لتصديق “سيسي” الديمقراطي حين يقسم بأنه أحرص الناس على حقوق الإنسان، أو حين يطلب من الشعب أن يجوع لأجل الوطن، ولكنهم يشترطون شرطًا واحدًا لكي يصدقوه، وهو أن يجيبهم عن أسئلة: قل لنا كم معتقلًا في سجونك، وكم فتاة اغتُصِبَتْ عقابًا لها على سيرها في مظاهرة، قل لنا كم كان مرتبك حين كنت رئيسًا للمخابرات؟ أو عضوًا في المجلس العسكري؟ أو وزيرًا للدفاع؟ أو حين رقيت نفسك لرتبة المشير؟!
أنا شخصيًا على استعداد لإعلان دعمي الكامل للسيد “سيسي” الديمقراطي بشرط واحد؛ فليقل لي أي إنسان “بالدليل”، ما هي مخصصات السيد “سيسي” الديمقراطي المالية التي حصل عليها من الدولة المصرية منذ 30 يونيو 2013 إلى 30 يونيو 2014 فقط!
شريطة أن يتاح لي أن أتأكد بنفسي من المعلومات التي سوف تُقدم، اسمحوا لي أن أنظر في سجلات وأوراق الدولة، كما ينص على ذلك دستور “سيسي” الديمقراطي العظيم في المادة رقم (68)، التي تقول “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية”.
أتحداكم جميعًا يا أنصار “سيسي” الديمقراطي أمام الشعب المصري كله، وأتحدى السيد “سيسي” معكم .. أنا معارض له تمامًا، وعلى استعداد أن أعلن تأييدي له، تأييدًا كاملًا مطلقًا، وأن أنزل إلى الميادين مع شَمَّامي الكُلَّةِ الذين تستأجرونهم، وأن أنضم لكل المخبرين الذين يمدحونه على الشاشات (وسأمدح مجانًا)، وعلى استعداد أن أتبرع لصندوق “تحيا مصر” الذي لا نعلم أي شيء عنه، وأن أقبل بكل الانتهاكات التي تمارسها قوات الأمن وأجهزة التخابر، وأبررها للناس باسم الحرب على الإرهاب، وأن استشهد بالآيات والأحاديث التي تثبت أن “سيسي” مذكور في القرآن، مثل النار، الشياطين، الجن، الثوم، والبصل.
بل إنني أقول بملء فمي وليشهد الثقلان على ذلك:
(أعلن أنا الشاعر عبدالرحمن يوسف أنني على استعداد لكتابة قصيدة مدح في السيد “سيسي” الديمقراطي تمدحه، ولكن ببلاغة حقيقية، أقسم أن أمدحه بما ليس فيه (حاتصرف)، ووالله العظيم لو كان فيه شيء يُمدح لمدحته بما فيه، ولكن هذا حكم الضرورة)، سأفعل كل ذلك ولكن بشرط واحد: (قولوا لي كم بلغت مخصصات السيد “سيسي” الديمقراطي في تلك الفترة فقط).
سؤال صعب؟
طيب … سأحاول أن أجعله أسهل، سأطرح سؤالًا مباشرًا، هل تجاوز مجموع مخصصات السيد “سيسي” من أموال الدولة في الفترة المذكورة مائة مليون جنيه؟
أريد أن أعرف فقط .. هل كانت أكثر أم أقل من مائة مليون من الجنيهات المصرية، مع أي دليل يثبت ذلك، أنا أتحدث عن مجموع المخصصات وليس عن الراتب الرسمي فقط.
هذه ضريبة الديمقراطية، لا بد أن نعرف كم بلغت مخصصات رئيس الدولة الديمقراطية تلك.
على سبيل المثال :
يبلغ راتب السيد باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية 395.000 دولارًا سنويًا (32.916 شهريًا).
راتب السيد نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن 230.700 دولارًا سنويًا (19.225 شهريًا)
راتب السيد جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي 199.700 دولار سنويًا (16.641 شهريًا).
راتب السيد جايمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) 178.700 دولار سنويًا (14.891 شهريًا).
راتب السيد جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) 199.700 دولار سنويًا (16.641 شهريًا).
راتب السيد إريك هولدر، النائب العام الأمريكي 199.700 دولار سنويًا (16.641 شهريًا).
راتب السيد آشتون كارتر، وزير الدفاع الأمريكي 199.700 دولار سنويًا (16.641 شهريًا)
السادة أعضاء الكونجرس الأمريكي 174.000 دولارًا سنويًا.
كل هذا عرفته بضغطة زر، وبإمكاني أن أعرف كل هذه المعلومات عن سائر قيادات الدول الديمقراطية، أما السيد “سيسي” الديمقراطي، فلا أحد من المصريين قد عرف عن ذمته المالية شيئًا، ولا أحد من المصريين رأى إقرار ذمته المالية قبل ترشحه للرئاسة، ومازلت أتحدى أن نعرف أي شيء عن ثروته، أو عن مخصصاته المالية من أموال المصريين في عام واحد.
في خضم كل هذه المسخرة، وفي خضم هذا الغموض المتعلق بذمته “سيسي” المالية، نراه بكل صفاقة يصادر أموال الآخرين، وهم أشرف منه، وأطهر منه، ولم يحصلوا على مليم من أموال الدولة، يصادر أموال أناس لم يتجرأ أحد أن يدعي عليهم برزق حرام، ومصادر ثرواتهم معروفة للقاصي والداني، فيأتي هذا الذي لا يستطيع أن يعلن لنا مخصصاته ليتهم هؤلاء بالإرهاب ويصادر أموالهم.
في النهاية … أحب أن أقول إن السيد “سيسي” الديمقراطي قد انتهت قصته بالفشل الذريع، ومركبه غارق لا محالة، والكل يحاول القفز، خاصة أن مركبه فيه مشكلتان؛ الأولى: أنه مركب ليس فيه زوارق إنقاذ، والثانية: أنه مركب ليس عليه أطواق نجاة، وجميع من هم على متن هذا المركب الغارق بدأوا بإعداد خطط بديلة، فهذا منافق يصرخ “مش حانبقى قد الدنيا”، وآخر يهدد بالحرب الأهلية، وثالث يعترض بأنه “مافيش قانون ولا دولة بمصر في ظل السيسي”، وغيرهم.
بل إن المرشحين المنافسين بدأوا حملاتهم الانتخابية بالفعل، فترى تافهًا منهم في مشهد مزيف عند الأهرامات، وهذا أحمق يلصق ملصقات تبشر بعودته، وثالث “لابد في الذرة” يشرف على تسريبات هنا وهناك … وإلخ.
يا معشر الثوار، استعدوا للحظة الحسم، لأنها قد اقتربت، واعلموا أن لله سبحانه في دهره آيات، وسوف نرى آية من آيات الله قريبًا جدًا، إذا لم نتوحد خلف راية واحدة، بقيادة شبابية واعية، فتأكدوا أننا سنكون قد تآمرنا على أنفسنا، فلنتعلم من خصومنا، وكيف يتناسون خلافاتهم في لحظات الحسم.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين.
نُشر هذا المقال لأول مرة على موقع عربي 21