تلجأ قوات الأمن المصرية إلى حصار واقتحام قرى بأكملها منذ انقلاب الثالث من يوليو؛ علها تصل إلى بغيتها، بإخماد الحراك المناهض لها بتلك المناطق، غالبًا ما تبدأ الاقتحامات بمداهمات لمنازل أهالي القرية بشكل عشوائي دون سابق إنذار، وتحطيم كافة محتويات تلك المنازل، بهدف التحطيم والتنكيل بالأهالي لا أكثر، كما تتم اعتقالات عشوائية بالعشرات، فكل من تقابله قوات الشرطة والجيش وقتها تعتقله دون حتى التعرف على هويته.
فضلًا عن التهديدات التي تتلقاها النساء في المنازل المقتحمة، واحتجاز واعتقال بعضهن لتسليم أزواجهن وأولادهن للشرطة، ربما يتلو الاقتحامات أو يسبقها إطلاق غاز ورصاص كثيف على الأهالي، الذي يوقع ضحايا في غالب الأحيان ما بين إصابات وقتلى، وتصعيد تلك الانتهاكات في بعض القرى يتم بحصارها عدة أيام أو أسابيع، وتزداد وتيرة تلك الانتهاكات في أماكن عن غيرها حسب صمود كل قرية وأهلها.
اقتحام قرى البصارطة والخياطة بدمياط
قرية “البصارطة” التابعة لمركز دمياط شهدت اقتحامًا عنيفًا لقوات الشرطة، أمس السبت، أوقع ما لا يقل عن 5 شهداء بالإضافة إلى مقتل خفير نظامي بطلقٍ ناري، أكد شهود عيان من القرية أن رجال الشرطة كانوا قد اعتقلوا الشهداء أحياءً، وقاموا بتصفيتهم بالرصاص الحي بعد ذلك، ثم اختطفت عدد من جثامين الشهداء إلى مدرعات القوات المحاصرة للقرية، كما أسفر الاقتحام كذلك عن اعتقال ما لا يقل عن 15 شخصًا وإصابة العشرات من الأهالي، يأتي هذا بعد حصارالقرية من قِبل القوات الأمنية عدة أيام سابقة للاقتحام، مُنع خلالها الطلبة من الخروج للامتحانات بجميع مدارس القرية، والموظفون من الذهاب لأعمالهم، كما مُنع الخروج والدخول من وإلى القرية وذلك منذ الأربعاء بتاريخ 4 مايو.
وكانت قوات الشرطة قد اعتقلت 13 فتاة بينهم 5 فتيات من القرية ذاتها و3 شبان آخرين، وذلك أثناء مشاركتهم في تظاهرة معارضة للنظام العسكري بمدينة دمياط، الثلاثاء الماضي الموافق 5 مايو، تم ترحيل الفتيات مؤخرًا من معسكر فرق الأمن بدمياط الجديدة إلى سجن بورسعيد بعد يوم من قرار النيابة الصادر أول أمس الجمعة بحبسهن 15 يومًا على ذمة التحقيقات، وأكد أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلات تعرضهن للإيذاء الجسدي والنفسي والتهديد بالاغتصاب، الذي أجبر الفتيات المتراوحة أعمارهن من 29:17 عامًا على الرضوخ بتسجيل اعترافات بتهمٍ ملفقة.
التظاهرة المعارضة للحكم العسكري التي خرجت من ميدان سرور باتجاه ميدان البوسطة بمدينة دمياط بتاريخ 5 مايو، شهدت اشتباكات واسعة بعد تعد قوات الشرطة عليها محاولةً فضها بطلقات الخرطوش، الأمر الذي أسفر عن وقوع عدة إصابات في صفوف المتظاهرين واعتقال 16 آخرين بينهم الـ 13 فتاة، من جانبها قالت وزارة الصحة إن عدد الإصابات بلغ 22 شخصًا، وكان من بين المصابين 3 جنود أمن مركزي تواردت أنباء عن وفاة أحدهم؛ الأمر الذي يبدو أنه دفع قوات الشرطة إلى محاصرة قرى دمياط، خاصةً مع خروج تظاهرات غاضبة وبيانات تهدد بالتصعيد للإفراج عن الفتيات.
هذه ليست المرة الأولى التي تقتحم قوات الأمن قرية البطارطة، ففي أواخر سبتمبر من العام 2013 حوصرت القرية يومين، شهدت خلالهما انقطاعًا تامًا للكهرباء، ومداهمات لمنازل الأهالي، وأسفرت أيضًا عن عدد من الاعتقالات، سبق هذا الاقتحام وتلاه عدة مداهمات أخرى وحملات أمنية لاعتقال مواطني القرية، كما شهدت قرى أخرى بالمحافظة عنفًا شرطيًا للتنكيل بمعارضي النظام العسكري بها.
“الخياطة” قرية دمياطية أخرى كان لها من العنف نصيب، حيث اقتحمتها قوات الأمن في 26 من فبراير الماضي وقامت بمداهمة نحو 30 منزلًا، بينهم منازل لأعضاء برلمانيين سابقين، وحُطمت جل محتويات تلك المنازل، ولم يقتصر الأمر على تحطيم ممتلكات الأهالي الشخصية وترويعهم فحسب، بل قامت القوات بإضرام النيران في عدة منازل، ومنعت كذلك أي مواطن من التدخل لإخمادها.
وقامت الحملة ذاتها بالتوسع إلى قرية “طبل” المجاورة للخياطة التابعتين لمركز دمياط، وتم اعتقال العشرات حينها وتحطيم منازل ومقار عمل عدد ليس بالقليل من أهالي القريتين حينها، وذلك تحت ذريعة بحث رجال الأمن عن قاتل خفير نظامي، رغم تأكيدات شهود العيان أنه قتل على يد مسجل خطر.
اقتُحمت قرية الخياطة عدة مرات سابقة، كان أبرزها الاقتحام الذي تم في يوليو من العام 2014 بواسطة قوة أمنية مكثفة من الشرطة والجيش، حيث فرضت القوة الأمنية سيطرتها على مداخل ومخارج القرية التي تحولت لثكنة عسكرية، إبان الاقتحام الذي أسفر عن اعتقال العشرات بسبب خروج تظاهرات معارضة للنظام العسكري.
واقتُحمت كذلك في أبريل من العام نفسه بعد اعتداء الشرطة على تشييع جنازة أحد شهداء القرية برصاص الأمن، وحوصرت من اتجاه دمياط وعزبة البرج، منع وقتها أي مواطن من دخول القرية أو الخروج منها، حيث يحدها من الجانبين الآخرين غير المحاصرين نهر النيل وبحيرة المنزلة، كما انقطع التيار الكهربي عنها لساعات إحكامًا للحصار.
حصار الميمون هو الأشهر بين قرى بني سويف
فيما يستمر حتى اللحظة حصار قرية “الميمون” التابعة لمركز الواسطي ببني سويف للشهر الثالث على التوالي، بعد أن تم اقتحامها لفض تظاهرة خرجت في 20 فبراير الماضي بعدد 50 مدرعة تابعة للجيش والشرطة، بدأ الحصار بفض التظاهرة بطلقات الخرطوش، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، وإصابة أكثر من 15 من الأهالي، تلاها إقامة سرادق وتعليق أنوار لإقامة رجال الشرطة وقوات الجيش الأمر الذي مهد لاستمرار الحصار كل هذه الفترة.
أسفرت أيام الحصار الـ 79 عن اعتقال ما يزيد عن 150 من أهالي القرية ومداهمة قرابة 100 منزل حُطمت كامل محتوياتهم، وتوقفت حركة البيع والشراء بالقرية بسبب إغلاق المحال التجارية والمطاعم والمخابز التي يسرقها رجال الشرطة والجيش، بالإضافة إلى إحراق عشرات الأفدنة من المحاصيل الزراعية، وسرقة آلاف الجنيهات، وعشرات الجرامات من ذهب نساء القرية، وفرض حظر التجوال من الـ 10 مساءً حتى الـ 7 من صباح اليوم التالي، وتفتيش كامل لكل من يخرج ويدخل من وإلى القرية.
بالإضافة إلى تحليق الطائرات الحربية في سماء القرية، ومحاصرة الزوارق البحرية لها من جهة النيل، وزيارة عدد من القيادات الأمنية بين فترة وآخرى، وكذلك وصول التعزيزات الأمنية للقوة المحاصرة، ورغم الحصار البري والجوي والبحري المفروض على القرية؛ إلا أن خروج شباب وأهالي القرية في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المناهضة للنظام ما زال مستمرًا، رغم الحصار المضروب عليها من القوات الأمنية.
قرى “أشمنت” و”بني حدير”المجاورتان للميمون لم تسلما كذلك من الاقتحامات التي تكررت مرارًا، خاصةً مع استمرار الحصار الحالي المفروض على جارتهما الميمون، التي اُقتحمت مراتٍ عديدة في 16 من ديسمبر من العام 2014 فرض خلالها طوقًا أمنيًا مماثلًا للحالي، سبقها حصار آخر مطلع نوفمبر، أسفر عن استشهاد شخص وإصابة 3 آخرين من الأهالي، وكذلك اقتحمت بعشرات الجنود والمدرعات في يوليو وأبريل من نفس العام أسفر الاقتحام عن اعتقال وإصابة العشرات.
اقتحام قرى الجيزة: كرادسة وناهيا نالتا النصيب الأكبر
كذلك كان الحال لقريتي “ناهيا” و”كرداسة” بمحافظة الجيزة الذين كان لهما النصيب الأكبر من اقتحامات ومداهمات قوات الأمن المصرية للمحافظة والتي طالت قرى “ناهيا”، “كرداسة”، “المنصورية”، “بني مجدول” و”صفط اللبن”، حيث تم اقتحام قرية “كرداسة” 19 سبتمبر من العام 2013، بحجة البحث عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين المختبئين بالقرية، وفرض حصار على القرية من الظهير الصحراوي والمدخل الزراعي للقرية بنحو 15 مدرعة ومصفحة تابعة لقوات الشرطة والجيش، فضلًا عن انتشار عربات الشرطة بالشوارع لتفتيش المارة، ودوهمت وقتها عشرات المنازل، وتم اعتقال أكثر من 40 شخصًا.
فرض الحصار أكثر من 3 أشهر على قرية كرداسة، وطال كذلك قرية ناهيا، دوهمت بتلك الفترة عشرات المنازل واُعتقل مئات المواطنين، أحيلت أوراق العشرات منهم إلى المفتي لإعدامهم لاتهامهم بقتل اللواء نبيل فراج، الذي لقى حتفه في الاقتحام الأول لقرية كرداسة، وآخرين بتهم باقتحام أقسام الشرطة والشروع في أعمال شغب، وتواصلت الحملات الأمنية والمداهمات على القرية والقرى المجاورة لها كناهيا منذ ذلك الحين، لتتم كل فترة اعتقال للأهالي، ومحاولة إيقاف الحراك المعارض للسلطة.
أيضًا، اُقتحمت قرى ناهيا، كرداسة، بني مجدول وصفط اللبن في أواخر يناير من العام الجاري بعدد 14 سيارة ومدرعة شرطة، وعشرات من رجال الشرطة والأمن المركزي، بدأ الاقتحام بقطع الكهرباء بشكل كامل عن القرى، وإطلاق الخرطوش وقنابل الغاز بشكل عشوائي على المارة بالشوارع، واقتحام نحو 20 منزلًا، واعتقال ما يزيد عن 25 شخصًا.
وفي 9 مارس، اقتحمت قوة أمنية قريتيي ناهيا وكرداسة بما يزيد عن 35 مدرعة شرطة وعدد من الكلاب البوليسية، وأطلقت القوة الغاز المسيل للدموع على الأهالي، واقتحمت عشرات المنازل مشهرة السلاح في وجه ساكنيها، واعتقلت نحو 10 مواطنين، كما قامت بتصفية المواطن سيد شعراوي داخل منزله بقرية ناهيا بعد إطلاق 13 رصاصة حية عليه في فراش نومه، وقامت بسرقة جثمانه لإجبار أسرته على التوقيع بانتحاره.
دلجا تحت الحصار الأمني بمحافظة المنيا
قرية “دلجا” التابعة لمركز ديرمواس في محافظة المنيا، حاصرتها قوات الأمن هي الأخرى عدة أيام في سبتمبر من العام 2013، تحت زعم البحث عن قيادات الجماعة الإسلامية، حيث أقامت طوقًا أمنيًا على القرية بفرض حظر التجوال وتفتيش كل وافد وخارج إليها ومنها، واعتقال ما يزيد عن مئتي مواطن عشوائيًا، وأُصيب العشرات جراء إطلاق نار وغاز كثيف أثناء مداهمة المنازل، كما مُنعت صلاة الجمعة بـ 26 منزلًا بالقرية، بالإضافة إلى تحليق الطائرات العسكرية في سماء القرية، لإرهاب الأهالي، وإثنائهم عن التظاهر، الأمر الذي كان مجرد أمان للقيادات الأمنية.
قرى محافظة سوهاج تحت الحصار
سوهاج طالها من بطش الحصار جزءًا، ففي يوم 27 أكتوبر اقتحمت قرابة 15 سيارة ومدرعة شرطة وجيش قرية “العتامنة” بمركز طما بمحافظة سوهاج، وحاصرها عدد من اللانشات العسكرية من جهة النيل، داهمت القوات نحو 50 منزلًا وحرقت أكثر من 15 منزلًا منها، كما قتلت اثنين من الأهالي، فيما كان يعيش مواطنو القرية تحت وابل من الرصاص بشكل يومي، لاتهامهم بتفجير قسم شرطة.
محافظة الفيوم وقراها عانت ويلات البطش الأمني
أما بالفيوم كان لقريتي “دار السلام” و”دفنو” نصيب الأسد في اقتحامات الأمن للمحافظة، حيث اقتحمت ما يزيد عن 60 سيارة ومدرعة تابعة للشرطة ومئات الجنود قرية دار السلام، التابعة لمركز الطامية، في 25 ديسمبر من العام الماضي، حاصرت القوات مداخل ومخارج القرية، فيما انتشرت البوكسات بالشوارع، واعتقلت عددًا من الأهالي، كما طاردت عددًا آخر منهم في الأراضي الزراعية، وأغلقت مسجد القرية.
وفي جمعة 14 نوفمبر من نفس العام، اقتحمت 100 سيارة ومدرعة شرطة قرية “دفنو” التابعة لمركز إطسا، واعتقلت ما يزيد عن 17 مواطنًا، فيما اقتحمت 30 منزلًا، كما فرضت حظر التجوال على الأهالي، ومنعت أداء شعائر صلاة الجمعة بمساجد القرية، واستمرت حالة المداهمات الأمنية على قرى المحافظة مرات عديدة، حتى عاودت حصار عدد من قرى ومراكز المحافظة في 10 من أبريل من العام الجاري.
ففي الحصار الأخير للفيوم فُرض حظر التجوال على الأهالي، وطُوقت قرى المحافظة بعشرات المدرعات وسيارات الشرطة، حيث تم اقتحام منازل أهالي قرية “مطرطاس” التابعة لمركز سنورس، واستمرت في حصارها للقرية 5 أيام، روعت خلالها أطفال المدارس باقتحامها، كما داهمت القوات الأسواق والمحال التجارية، وفي 15 أبريل من نفس الشهر دوهمت قرية دار السلام واعتقال 8 أطفال قصّر، على خلفية خروج تظاهرات معارضة للانقلاب، كما أغلقت القوات كافة مداخل ومخارج القرية.
حصار واقتحامات متكررة في الدقهلية
أما الدقهلية التي خرجت بها عدة تظاهرات مناهضة للنظام منذ انقلاب الثالث من يوليو، ما أدى إلى سقوط العشرات من أبنائها خلال فض تشكيلات الأمن لهذه التظاهرات، فقد أخذت قسطًا من انتهاكات الأمن بالحصار، فقرية “أويش الحجر”، التابعة لمركز المنصورة، حوصرت بواسطة 3 تشكيلات أمنية في 22 من أغسطس من العام 2014 واعتقال 5 من مواطنيها، لتعاود القوات الأمنية كرتها في 27 ديسمبر من نفس العام، باقتحام القرية بـ 50 عربة شرطة و4 مدرعات تابعة للجيش، بحضور قيادات أمنية تشرف بنفسها على الاقتحام.
وبعدها بأيام تم اقتحام أويش الحجر في 2 يناير من العام الجاري بأكثر من 70 مدرعة وعربة شرطة، بالتزامن مع تحليق مروحيات في سماء القرية، واعتقلت القوات 13 سيدة وطفلًا من تظاهرة خرجت تنديدًا بالحصار، وأنهت القوات حصارها للقرية قبلما تعود قبيل ذكرى ثورة يناير لتحاصر القرية عدة أيام آخرى، كما حاصرت القوات الأمنية القرية مطلع مارس الماضي طيلة أكثر من أسبوع اعتقلت خلالها العشرات.
حصار قرية البصارطة الدمياطية لم يكن الأول الذي تقوم به قوات الشرطة والجيش ويبدو أنه لن يكون الأخير، بسبب تصاعد وتيرة الانتهاكات والبطش الممارس من قِبل القوات الأمنية في مصر، بالتأكيد كل تلك الأحداث لا تبعد عن الانتهاكات الحادثة في سيناء منذ انقلاب الثالث من يوليو التي يطول الحديث عنها، حيث المعنى الحقيقي للحصار، فهذا الحصار القاتل أودى بحياة ما يزيد عن 1100 مواطن وأكثر من 1700 معتقل، فضلًا عن تدمير مئات المنازل لأهالي رفح والشيخ زويد، طبقًا لإحصائيات مواقع إلكترونية من خلال إعلانات المتحدث العسكري فقط، وبالطبع حصار القرى والمدن المصرية لا يشمل الحملات الأمنية، التي تتم بشكلٍ يومي في مختلف المحافظات لاعتقال المعارضين؛ لمحاولة السيطرة على الحراك المناهض للنظام في الشارع المصري.