اندلعت الاشتباكات بمنطقتي “الجبة” و”عسال الورد” بين عناصر مسلحة تابعة لحزب الله اللبناني بجوار قوات تابعة لنظام الأسد من جهة, وبين مقاتلي “جيش الفتح” التابع للمعارضة السورية المسلحة بعدما تم الإعلان عن تشكيله بمنطقة “القلمون” بريف دمشق أسوة بجيش الفتح الذي حرر مؤخرًا مدينتي إدلب وجسر الشغور بشمال سوريا من قوات النظام السوري.
هذه المواجهات المسلحة أسفرت في بدايتها عن مقتل ثلاثة من عناصر حزب الله اللبناني المشتركين في القتال على الأراضي السورية بينهم قياديان بارزان، هما “علي عليان” و”توفيق النجار” في مواجهات القلمون، الأمر الذي أخرج حسن نصر الله متوعدًا في كلمة متلفزة، معلنًا إطلاق عملية لمعالجة الوضع بمنطقة القلمون السورية، دونما تحديد تفاصيل.
عقب هذا الإعلان انطلق جيش الفتح التابع للمعارضة السورية في معركة أطلق عليها “الفتح المبين” بالقلمون استباقًا لهجوم حزب الله الذي أعلن عنه حسن نصر الله، حيث تمكنت قوات المعارضة من إحراز تقدم كبير على جبهات القتال هناك، فالمعارك امتدت من منطقة “جرود فليطة” إلى بلدة “عسال الورد” بالقلمون، وقد تمكن مقاتلو المعارضة خلالها من إحكام سيطرتهم على أربع نقاط في محيط بلدة “الجبة” في القلمون، واغتنام آليات عسكرية كانت موجودة في نقاط حزب الله، بعد الهجوم عليها، في حين فر عناصر الحزب باتجاه بعض القرى في المنطقة.
وكان جيش الفتح الذي يضم فصائل سورية مسلحة أبرزها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام قد أعلن في السابق أنه نفذ ما أسماه “انسحابًا تكتيكيًا” من بعض المواقع في محيط جبال القلمون، إثر هجوم مباغت لحزب الله والقوات النظامية السورية، لتندلع مواجهات أخرى بين الطرفين تجري من خلالها المعارضة السورية المسلحة محاولات لاستعادة النقاط التي انسحبت منها مسبقًا.
يؤكد ناشطون ميدانيون أن العشرات من جنود النظام السوري ومقاتلي حزب الله قتلوا في هذه المعارك، وأشاروا أيضًا إلى أن العديد من الجثث والجرحى ينقلون إلى مستشفيات القلمون، خاصةً مستشفى يبرود والنبك.
هذا وقد نقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصادر في حزب الله مقتل “مروان مغنية”، قائد وحدة المهام الخاصة في حزب الله، مع ثمانية من عناصر الحزب في استهداف لموكبهم بمنطقة القلمون الحدودية، في حين أكدت غرفة عمليات معركة “الفتح المبين”، أن عدد القتلى من عناصر حزب الله بلغ أكثر من 60، خلال المواجهات المستمرة منذ عدة أيام.
ومن جانبٍ آخر، قصف طيران النظام السوري بعنف مناطق الاشتباكات في القلمون، في محاولاتٍ لترجيح كفة حزب الله في هذه المعارك بعدما تراجع أمام مقاتلي المعارضة السورية المسلحة، وقد كان النظام السوري قد دفع بملشيات الدفاع الوطني للقلمون لمؤازة عناصر حزب الله التي يبدو وأن الحزب قد دفع بالمزيد منها داخل الأراضي السورية بعد تصريحات نصر الله.
هذا وقد أشارت غرفة عمليات المعارضة السورية إلى أن الجيش اللبناني قصف منطقة جرود قارة من جهة رأس بعلبك اللبنانية، ولم ترد المعارضة السورية على هذا الهجوم حتى الآن، فيما أكدت الغرفة أيضًا أن حزب الله دخل منطقة الجرود مستخدمًا الأراضي اللبنانية ومستغلًا قصف الجيش اللبناني لها، مما يعد زج بالجيش اللبناني في المعركة.
وهو ما أكد عليه زعيم تيار المستقبل اللبناني” سعد الحريري” الذي ينتقد استخدام حزب الله الحدود اللبنانية دون حسيب أورقيب في جولة جديدة من التورط في الحرب السورية، وقال إن حزب الله لن يعير التحذيرات اللبنانية بالًا مع المضي في استدعاء الحرائق السورية إلى الداخل اللبناني، وذكر بيان للحريري، نشرته صحيفة “جنوبية” اللبنانية، أنه لن يتوقف عن إطلاق “التنبيه تلو التنبيه” للتحذير من خطورة مشاركة حزب الله في معركة القلمون على لبنان.
وقد قال نصر الله عن المواجهات الحدودية مع مسلحي المعارضة اللبنانية إن مسألة القلمون والسلسلة الشرقية بحاجة إلى معالجة جذرية، حيث يؤكد نصرالله وجود عدوان فعلي قائم مضيفًا أن الحزب سيتدخل أمام هذا الواقع، وسيذهب لما أسماه المعالجة.
كما أعلن نصر الله أنه لن ينتظر موافقة الحكومة اللبنانية على العملية في القلمون، قائلًا: “لو انتظرنا الإجماع لكانت الجماعات المسلحة في كثير من المناطق اللبنانية اليوم”، من هذا يبدو أن نصر الله وحزب الله مصرون على اجتذاب لبنان إلى الصراع السوري بشتى الطرق، خاصة ومع احتدام المعارك بين النظام السوري والمعارضة المسلحة.
حزب الله رفض ربط العملية بسقوط مدينتي إدلب وجسر الشغور بشمال غرب سوريا مؤخرًا، حيث أكد مراقبون أن تطوير حزب الله المقاتل بجانب النظام السوري هو ردًا على تقدم المعارضة في الجبهات الأخرى بسوريا، وأن افتعال معركة القلمون هو لفتح جبهة جديدة أمام المعارضة، رغم تأكيدات من داخل الحزب أن القرار بشأن معركة القلمون متخذ منذ وقت طويل، وهي تصريحات محل شك من المتابعين.
فثمة تحليلات تؤكد رغبة حزب الله لتحويل معركته في القلمون إلى معركة لبنانية، وهو ما أكدته مصادر لبنانية من الداخل ومصادر من المعارضة السورية المسلحة، فالحزب يسعى لتعويض خسائره وخسائر النظام السوري في عدة جبهات أخرى، كما أن إعلان الحزب على لسان أمينه العام أن هناك اعتداءات على الحدود اللبنانية ما هي إلا ادعاءات تخفي نوايا الحزب الذي ينتوي ربط الداخل اللبناني التابع له بمنطقة القلمون السوري الذي يحتله لخلق جسر إمداد عبر الحدود يسهل من خلاله توصيل المؤن لمقاتلي النظام وحزبه بعيدًا عن أعين الجيش اللبناني.
في حين تؤكد قوات المعارضة السورية بشكلٍ قطعي أنهم لم يتعدوا الأراضي السورية إلى لبنان، وكل ادعاءات دخول قوات المعارضة إلى أراض لبنانية، هي محض اختلاق من الأذرع الإعلامية لحزب الله والنظام السوري.