على الرُغم من الاستقطاب الواضح في المشهد اليمني بين أنصار الحلف السعودي من ناحية، وأنصار المشروع الإيراني من ناحية أخرى، إلا أن الواقع على الأرض يُعَد فضفاضًا بشكل ما، أولًا بوجود من يرفضون التدخل من الدولتين معًا، وثانيًا ممن دعموا العملية العسكرية المحدودة ضد الحوثيين فقط لردع توسعاتهم السريعة وغير الشرعية (في نظرهم)، بيد أن هذين المعسكرين الآن قد يكونا على أعتاب الابتعاد عن السعودية، كما يقول الناشط ماجد أمين، والذي كان من مؤيدي العمليات السعودية حتى صباح الجمعة الماضية، حين استيقظ الجميع على نبأ قصف ضريح حسين بدر الدين الحوثي.
“لقد كان ظني أن الحرب تهدف إلى استعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي من أيدي الحوثيين، ولكن الهجوم على هذا المقام الآن يشير إلى نوايا أخرى أعتقد أنها طائفية وأيديولوجية.. إنه تحول عن المسار المقبول من جانب السعودية” هكذا تحدث أمين لموقع ميدل إيست أي عن الهجمات الأخيرة، والتي وصفها المتحدث الرسمي باسم الحوثيين بالـ”خطوة الجبانة”.
يُعَد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس جماعة الحوثيين، وقد كان عضوًا في البرلمان اليمني لأربع سنوات أثناء عقد التسعينيات، قبل أن يُقتَل عام 2004، وهو الأخ الأكبر لقائد الحوثيين الحالي عبد الملك بدر الدين الحوثي، وكانت الحكومة اليمنية قد تحفظّت على رفاته في مكان غير معلوم لتسع سنوات، قبل أن تقوم بدفنه في يونيو 2013 بجبال مران في محافظة صعدة شمالي العاصمة صنعاء، حيث تمركزت نشاطات الحوثي.
تباعًا، سيكون قصف الضريح في هذه اللحظة شرارة لهجمات انتقامية من ناحية الحوثيين، كما تقول نورا الجروي، قائدة حركة 14 فبراير التي تأسست العام الماضي اعتراضًا على نتائج الحوار الوطني، فما فعلته السعودية لن تجني منه أي فائدة في الحقيقة، ولكنه مجرد جزء من سياسة “تدمير كل ما يخص الحوثيين”، وفق ما يقوله علي القحوم، العضو بالمكتب السياسي الحوثيين.
لا يجب أن يقلل أي طرف في أي حرب كانت من قدسية المعتقدات الدينية والمذهبية للطرف الآخر مهما كانت، لأن أصحابها يدافعون عنها باستماتة أكثر من أي أيدويولوجيا أو موقف سياسي، بل وقد تدفع هجمات كتلك بالبعض ممن لم يكونوا جزءًا من الصراع إلى الاستنفار غضبًا، وهو ما يعني أن هجوم كهذا سيجلب على السعودية ضغطًا على الأرض كانت في غنى عنه، واستنكارًا دوليًا كذلك، كذا تحدث نورا لميدل إيست أي.
من ناحيته، قال أمجد خشافة، صحافي من المعادين للحوثيين، أن استهداف الضريح رد فعل من السعودية لاستهداف الحوثيين لنجران في الداخل السعودي، وهو ما أحرج السلطات السعودية كثيرًا وأظهر ضعفها في حماية حدودها، ودفعها لتدمير هذا المكان الرمزي والهام للحوثيين، ولكنه مجرد مكسب معنوي ليس إلا، ولن تستفيد منه استراتيجيًا.
بطبيعة الحال، سيكون تسليط الأضواء على تدمير الضريح في صالح الإيرانيين، والذين سيحاولون كسب المجتمع الدولي المناصر في أغلبه للعمليات السعودية لصالح مواقف أكثر حيادًا، بحُجة خرق السعودية للقوانين الدولية، لا سيما وأن ضرباتها قد طالت مدنيين عُزّل أيضًا، بيد أن الحوثيين أيضًا، وفي مواضع مختلفة، قد استهدفوا المساجد، كما يقول المراقبون على الأرض، والمكسب الوحيد لإيران قد يكون أنها هي بنفسها لم تساهم في تلك الأفعال، على عكس السعودية التي تسببت في الانتهاكات بقواتها مباشرة.
على أي حال، سيستغل الحوثيون هذه الخطوة لمحاولة كسب الدعم لهم، وتوسيع الرفض التأييد الإقليمي والدولي للعمليات السعودية، لا سيما وأن المساجد التي استهدفها الحوثيون لم تكن بنفس رمزية ضريح بدر الدين الحوثي لأنصار الحوثيين، والذي سيتذكرون تلك الحادثة لوقت طويل، بل وقد يزيد ذلك من صعوبة التوصل إلى حل للأزمة في المستقبل بين السعودية من ناحية، والأطراف الداخلية من ناحية أخرى، مما قد يضر الموقف السعودي على المدى البعيد.
بالطبع، هناك دائمًا من يأيد السعودية على طول الخط، وقد برر قصف الضريح باعتباره رسالة قوية للحوثيين بأنهم لا يمكن أن يبتزوا المملكة بوجودهم على حدودها، وأنها تستطيع أن تنال من أي موقع لهم، بما في ذلك مواقعهم المقدسة.