منذ بداية الأزمة المصرية الراهنة والأوضاع في منطقة سيناء تشهد حالة من التوتر الغير مسبوق، أما الحدود بين قطاع غزة ومصر فتشهد أعمالاً متواصلة للجيش المصري تهدف إلى بسط السيادة وهدم الأنفاق، مترافقة مع حملة إعلامية شرسة تستهدف الكل الفلسطيني وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية، في خضم هذه التطورات دخلت الطائرات المصرية المقاتلة المجال الجوي فوق قطاع غزة وذلك لأول مرة بعد نكسة 67، تضاربت الروايات من العديد من الأطراف، مصادر الاحتلال اعتبرت الخرق كان بطريق الخطأ، أما المصادر الأمنية المصرية وصفت ما يجري بأنه حماية للأمن القومي المصري، ظلت هذه المصادر غير معلومة لوكالات الأنباء،هناك تصريحان رسميان معلوما المصدر، الرئاسة المصرية والتي اعتبرت التحليق لحماية السيادية المصرية، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبومرزوق اعتبرها عودة للممارسة السيادية على قطاع غزة بعد فقدانها بعد عدوان 67 .
تصريحات أبو مرزوق كانت ملفتة في هذا التوقيت محاولاً إيصال رسالة للجانب المصري، فحواها بتقديري يجب أن لا يخرج عن سياقات ثلاثة :
سياق إنساني: فقطاع غزة منذ 2006 يعاني حصاراً شديداً من قبل الاحتلال، مما أجبر السكان على بديل الأنفاق مع مصر وأصبح شريان حياة للقطاع، تتعرض الأنفاق إلى عملية ردم متسارعة وغير مسبوقة من قبل الجيش المصري، مما انعكس سلباً على الحياة اليومية للمواطنين من نقص في المحروقات ومواد البناء بشكل أساسي، بذلك هي رسالة تذكير للجانب المصري بأن مليون وثمانمائة ألف يعاني وسيعاني جراء هذه الإجراءات .
سياق سياسي: فالمجال الجوي لقطاع غزة يسيطر عليه الاحتلال منذ عام 67، نجح الاحتلال في الاتفاقات الموقعة مع مصر والسلطة الفلسطينية بالحفاظ عليه، وبعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي للقطاع عام 2005 ظل الاحتلال مسيطراً على المجال الجوي دون اتفاقيات مبرمة معتمداً على اتفاق أوسلو، ومستفيداً من منع تحليق الطائرات المصرية المقاتلة في جزء واسع من سيناء ( المنطقة ج حسب اتفاق كامب ديفيد )، تَمكُّن القوات المصرية من التحليق فوق المنطقتين يجعل القيادة المصرية قادرة على حماية قطاع غزة من أي عدوان من قبل الاحتلال، إن كان باتفاق مع الاحتلال أما لا، كما على مصر مسئولية فتح معبر رفح، ومراعاة احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة، وتذكيراً بمسئولية مصر وتعاملها مع قطاع غزة إبان حكمها بعد نكبة 48 حتى نكسة 67.
سياق ديمغرافي: فقطاع غزة يعاني كثافةً سكانيةً هي الأعلى في العالم بــــ 4،505 فرداً /كم2،مساحة قطاع غزة الحالية تبلغ 362 كم2 مما سيولد انفجاراً سكانياً في المستقبل القريب، إن المساحة الحقيقية لقطاع غزة حسب اتفاقية الهدنة الموقعة بين الاحتلال ومصر في فبراير 1949 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الصادر في 16 نوفمبر 1948 هي 555 كم2، خلال إدارة القوات المصرية للقطاع جرى اتفاقاً سرياً مع الاحتلال عرف باتفاقية التعايش بتاريخ 22 فبراير 1950، اقتطعت ما يقارب 200 كم2 من مساحة القطاع، الاتفاقية لا تمس خط الهدنة ولا تؤثر عليه، ونجح الاحتلال في ترسيخ اتفاقية التعايش حين أفرد بنداً في اتفاقية كامب ديفيد، نصها في المادة الثانية من معاهدة السلام بين مصر والاحتلال ” دون المساس بالوضع الخاص لقطاع غزة “، لذلك تتحمل مصر المسئولية في إلزام الاحتلال بالتراجع إلى خط الهدنة،وتجنيب نفسها خطراً ديمغرافياً مستقبلاً في قطاع غزة، يسعى الاحتلال إلى إيجاد بدائل مستمرة له، بدائل تتعلق بالفلسطينيين عبر تبادل الأراضي بالعودة إلى خطة الهدنة مقابل تنازلٍ في الضفة الغربية والقدس، أو عبر طرح بديل سيناء مقابل فتح ممر لمصر مع الأردن عبر صحراء النقب .
من الضروري عدم انزلاق الجيش في مصر إلى مستنقع سيناء عبر الحال الأمنية، وإعادة التفكير بمجال المعلومات الأمينة التي تصل له من جهات خارجية، فالاحتلال والولايات المتحدة تحاولان استغلال ظرف الجيش المصري الباحث عن شرعية للانقلاب في مصر، الحل الأمني لن يجلب الاستقرار لسيناء، ولن يخرج الجيش منتصراً، سيكون مستنزفاً يستنزف موارد الدولة المصرية، العملية الأمنية ستفقد الجيش المصري هيبته أمام شعبه، وخروج الفوضى الأمنية في سيناء عن السيطرة ستدفع الولايات المتحدة والاحتلال لمحاولة تدويل سيناء وإخضاعها لمكافحة الإرهاب، ودخول الاحتلال ضمن المنظومة الأمنية لسيناء باعتبارها خطراً أمنياً عليه .
لقد أخطأ الجيش المصري حين عاود إقحام نفسه بالعملية السياسية بشكل فج، إعادة التفكير وترتيب الأوراق مرة أخرى وعدم الوقوع في فخ الاستنزاف السياسي والحفاظ على دورها في حماية مصر من الأخطار الخارجية هي الأولوية في هذه المرحلة.