بينالي
بينالي، كلمة إيطالية تعني “كل عامين”، وتستخدم لوصف أى حدث يتكرر كل عامين إلا أن الكلمة لها صدى خاص جدًا لدى المهتمين بعالم الفن والعمارة، حيث ترتبط لديهم بـ “بينالي فينيسيا” وهو أهم حدث فني عالمي، ويتكون من مجموعة من المعارض الدولية للفن المعاصر، بدأ البينالي عام 1895 ويتكرر منذ ذلك الحين كل عامين، وتيمنًا بذلك الحدث اُستخدم نفس التعبير لوصف عدة أحداث أخري مثل “بينالي دو باريس” أو عن طريق تخليق اسم الحدث؛ من خلال مزج الكلمة باسم آخر مثل “برلينالي”، وهو “مهرجان برلين الدولي للأفلام”، ومهرجانات أخري كثيرة دولية ومحلية في الكثير من دول العالم.
بينالي فينيسيا
يتكون بينالي فينسيا من عدة معارض كبيرة، وعلى الرغم من أن المؤسسة التي تُقيمه غيرت اسمها رسميًا إلى “لا بينالي”، بالإضافة إلى أن لكل واحد من هذه المعارض اسمه المستقل، إلا أن جميعهم تقريبًا يُشار إليه بنفس الإسم “بينالي فينيسيا” وهو الاسم الأصلي الذي بدأ به هذا الحدث، ويختص كل معرض من هذه المعارض بمجال محدد:
- بينالي الفن، أو المعرض العالمي للفن بفينيسا.
- بينالي الموسيقى، أو مهرجان الموسيقي المعاصرة الدولي بفينيسيا.
- مهرجان الأفلام بفينيس، أو مهرجان فينيسيا الدولي للأفلام.
- بينالي فينيسيا للعمارة، أو المعرض العالمي للعمارة بفينيسيا.
- بينالي الرقص، المهرجان الدولي للرقص المعاصر.
- كرنفال الأطفال العالمي بفينيسيا؟
يقام المعرض الأساسي في حديقة جيارديني، وتحوي صالة عرض كبيرة تضم عروضًا ذات إطار عام يُحدد مسبقًا، ويدار من قِبل مدير المعرض مباشرة، والذي يتم اختياره كل معرض، وقد تكلف هذا المعرض الرئيسي في عام 2013 حوالي 2.3 مليون دولار، بالإضافة إلى 2 مليون آخرين تم التبرع بهم من قبل مجموعة من الأفراد والمؤسسات، ولكن في عام 1980 بدأ حدث آخر هو الـ “أبيرتو”؛ وهو حدث جانبي يقام من أجل الفنانين الناشئين أو الفنانين الذين لا يحصلون على فرصة العرض في معارض دولهم الدائمة، ويقام هذا المعرض في الـ “أرسنالي”؛ وهو مجمع من المباني التاريخية، وقد أصبح هذا المعرض الجانبي جزء من البرنامج الرسمي للبينالي.
في حديقة جيارديني، التي يقام فيها المعرض الرئيسي يوجد ثلاثون معرضًا قوميًا دائمًا، بالإضافة إلى حوالي 29 معرضًا آخرًا، جرى إنشاؤهم عن طريق دول مختلفة خلال فترات متفاوتة، حيث تعتبر حديقة جيارديني ملكية مشتركة للدول المشاركة في المعرض، وتدار عن طريق وزارات الثقافة الخاصة بهذه البلدان.
السياسة في بينالي فنيسيا
يعتبر بينالي فينيسيا مسرحًا لكافة أنواع الفن العالمي المعاصر، إلا أنه هذا العام لم يتوقف عند الأعمال الفنية التي يتم عرضها لأغراض فنية أو تجارية بل تخطى ذلك إلى الممارسات السياسية أيضًا، فقد قامت مجموعة من الفنانين الأوكرانيين هذا العام باحتلال معرض روسيا في البينالي، مرتدين أزياء عسكرية تشبه الأزياء الروسية، وقاموا بعمل محاكاة فنية للتوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، وقد ظلت هويات المسؤولين عن تنظيم هذا الحدث مجهولة، إلا أن أحد المشاركين في التمثيل ذكر أنه أٌشرك في هذا الحدث من خلال مجموعة من النشطاء والفنانين الأوكرانيين، الذين أرادوا أن يثبتوا موقفًا ضد ممارسات روسيا تجاه أوكرانيا.
وفي حادثة أخرى لها طابع ديني وربما سياسي كذلك هذا العام أيضًا، أقام الفنان السويسري كريستوف بوتشيل، المعرض القومي لبلده أيسلندا على هيئة مسجد، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك، جعل المسجد يعمل كمسجد بالفعل في صلاة الجمعة، مما أدى إلى أن المسجد امتلأ بالعشرات من المصلين من مسلمي فينسيا في يوم الجمعة، وكان يقصد بذلك أن يسلط الضوء على غياب المسجد من قلب فينيسيا التاريخي، وهي المدينة التي تأثر الفن فيها وكذلك العمارة تأثرًا عميقًا بالعلاقات الثقافية والتجارية مع المسلمين، إلا أن هذه الفكرة أزعجت السلطات في المدينة؛ مما تسبب قيام الشرطة بتحذير المسؤولين بأن المسجد يمثل تهديدًا أمنيًا، بسبب وجود احتمالات لأعمال عنف من قِبل المسلمين المتشددين أو حتى أعداء المسلمين المتشددين الذين سيكرهون وجوده بالتأكيد، وخصوصًا أن المسجد بُني داخل كنيسة كاثوليكية لم تعد تستخدم في الحاضر.
الذكريات في بينالي فينسيا
تحكي الأسطورة اليابانية أن طفلًا صغيرًا كان عائدًا سيرًا إلى بيته في المساء، فظهر له رجل من خلف القمر ليخبره أنه مربوط بخيط أحمر بالفتاة التي قُدّر له الزواج منها، وأظهر له فتاة صغيرة هي تلك التي سيتزوجها، وبما أن الطفل صغير وغير مهتم بالأمر فقد قذف الفتاة بحجر وجرى هاربًا، بعد ذلك في المستقبل وعند زواجه فوجيء أن زوجته لديها جرح صغير على حاجبها، وعندما سألها قالت إن طفل صغير قذفها بحجر وهي طفلة، هكذا تقول الأسطورة أننا جميعًا مربوطون بأقدارنا بخيوط حمراء، قد تتشابك هذه الخيوط وتتقاطع وتتعقد لكنها لا تنقطع أبدًا، في هذه الشبكة من الخيوط تعلق ذكرياتنا.
منطلقة من هذه الأسطورة بدأت الفنانة اليابانية “تشيهارو شيوتا” عملها الفني شديد الجمال، الذي عُرض في الصالة الرئيسية لمعرض اليابان في بينالي فينيسيا، فعند دخول الزائر إلى المعرض سيجد القاعة ممتلئة بخيوط حمراء متشابكة ومترابطة ومعلقة في النهاية من السقف، ومعلق بها مجموعة كبيرة من أنواع متعددة من المفاتيح.
ترى شيوتا أن المفاتيح تمثل عنصرًا مهمًا في حياة الإنسان، فهي التي تحمي أشياءنا الهامة مثل البيوت والمقتنيات، بالإضافة إلى توفير الأمان أيضًا، كما أننا عندما نستخدمها فإننا نضمهم في دفء كفوفنا، هكذا تحمل المفاتيح تراكمًا لا يمكن إحصائه من ذكرياتنا، وفي لحظات معينة نثق بأشخاص محددين، كي يعتنوا بأشيائنا، ويحتفظوا بهذه المفاتيح المحملة بالذكريات، هكذا ترى شيوتا المفاتيح بوصفها وسطًا تنتقل من خلاله مشاعرنا الحقيقية، بالإضافة إلى ذلك فقد وضعت زورقين تنتهي إليهم هذه الخيوط الحمراء التي تحمل المفاتيح، حيث تمثل هذه الخيوط أمطارًا من الذكريات تنهمر على بحر واسع من كل هذه الذكريات الفردية، ينتهي إلى خارج القاعة بصورة معروضة لكفي طفل يحملان المفاتيح وخيطًا أحمر.
هكذا كان بينالي فينيسيا هذه المرة، كما هو كل مرة، ملتقى كبيرًا لفنانين العالم، كلهم يخاطبون من خلاله بعضهم، ومن يهتم بالفن من الناس بمشكلات الإنسانية سواء النفسية والروحية، وحتى المشكلات السياسية، والأحداث العالمية الهامة، ويعبرون عن طموحاتهم والأفاق التي يتطلعون لها في الحياة.