فجر الثاني من مايو عام 2011، على بعد 120 كيلو مترًا من العاصمة الباكستانية إسلام آباد حيث آبوت أباد التي شهدت عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية استغرقت حوالي 40 دقيقة نفذتها وحدات من السيلز التابعة للقوات البحرية الأمريكية، أعلنت بعدها الولايات المتحدة عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في هذه العملية.
هذه الرواية الأمريكية الباكستانية التي تصدرت وسائل الإعلام تقول أن الولايات المتحدة وباكستان تمكنتا من رصد المرسال الشخصي لبن لادن منذ فترة طويلة حتى تمكنوا من معرفة المكان الذي يختبئ به بن لادن في مجمع سكني بمدينة آبوت آباد.
قتل أسامة بن لادن وفقًا للرواية الأمريكية التي أعلنها البيت الأبيض في علية أطلق عليها الأمريكان اسمًا حركيًا “جيرانيمو”، وقد روت الولايات المتحدة أن أسامة بن لادن قد حاول المقاومة مما أدى إلى اغتياله برصاصة في الرأس.
هذه الرواية لم ترض البعض خاصة في باكستان، بالرغم من علم الحكومة الباكستانية بالأمر، وبالرغم من ذلك، عبرت وزارة الخارجية الباكستانية عن “قلقها العميق” إزاء “عمل من جانب واحد غير مصرح به”، في إشارة لعملية اغتيال بن لادن، وقد صرح أيضًا الرئيس الباكستاني السابق “برويز مشرف” أن العملية كانت “انتهاكًا لسيادة البلاد”، بجانب الأوساط الشعبية الساخطة على هذه الرواية.
الأمر لم يتنهي عند هذا الحد، وقد ظنت الإدارة الأمريكية أن أمر أسامة بن لادن قد انتهى باغتياله والترويج لدفنه في قاع البحر، دونما الكشف عن مكانه، إلا أن الأمر بعد مرور أربع سنوات عليه قد فُتح من جانب الصحفي الأمريكي “سيمور هيرش” في مقال مطول نشرته مجلة ” لندن ريفيو أوف بوكس “.
هيرش يؤكد أن الحكومة الأمريكية كذبت في روايتها حول مقتل بن لادن على العالم كله، كما أكد أن أيضًا أن الرواية الأمريكية هي رواية مختلقة والسبب ورائها هو أن أوباما كان يطمع في تحقيق مجد سياسي.
يزعم هيرش أن الحكومة الباكستانية كانت تعرف مكان اختباء بن لادن في مجمع بلدة أبوت آباد، الذي يقع في منطقة سكنية يسكنها مسؤولون عسكريون كبار، كما يقول أن الاستخبارات الأمريكية نسقت مع الحكومة الباكستانية ومسؤولي الاستخبارات الباكستانية قبل الغارة على هذا المجمع، وهو ما يكشف كذب الرواية الباكستانية والأمريكية على حد سواء.
واستند هيرش في تقريره على مصدر لم يكشف عن اسمه، ولكن يُعتقد أن يكون مسؤولاً استخباراتياً بارزاً متقاعداً كان على دراية بمكان وجود بن لادن في أبوت أباد، إذ قام بالكشف عن مكان بن لادن لوكالة الاستخبارات الأمريكية مقابل مكافأة قدرها 25 مليون دولار أمريكي رصدتها واشنطن عام 2001.
وكشفت هذه الرواية الجديدة أيضًا زيف ادعاء الولايات المتحدة بن لادن قتل وهو يحاول المقاومة من خلال بندقيته، أي أن عناصر فرقة “سيل” قتلوه في حالة الدفاع عن النفس، وهو الأمر الذي ينفيه الكاتب الأمريكي، كما نقل الكاتب عن شاهد أن بن لادن لم يدفن في بحر العرب كما تدعي الولايات المتحدة.
ولكن ما الذي دعى الأمريكان للإعلان عن العملية بهذه التفاصيل المختلقة من وجهة نظره، يقول هيرش في تحقيقه حول هذا الأمر أن تحطم طائرة “بلاك هوك” أحد الطائرات التي استخدمت في الاقتحام، أدى إلى الإسراع بالإعلان عن مقتل بن لادن، خشية معرفة الحقيقة، بالرغم من مخالفة ذلك الترتيبات التي كانت معدة لاستغلال هذا الحدث، ألا وهي الإعلان عن ذلك لاحقًا، لاستخدام الأمر في أغراض سياسية، إذ يقول هيرش إن “مقتل أسامة بن لادن كان نقطة الذروة في ولاية أوباما، وكان عاملا مهما في إعادة انتخابه”.
هذه الرواية الجديدة حول مقتل بن لادن أخذت انتشارًا واسعًا بين الصحف عقب نشرها، ما دعى البيت الأبيض لعدم تجاهل الأمر وإصدار تصريحات تصف هذه الرواية بأنها “غيرصحيحة”.
حيث خرج المتحدث باسم البيت الأبيض “جوش إرنست” ليقول “إن مقال الصحافي سيمور هيرش حافل بالعديد من المغالطات والأكاذيب”،وأشار إرنست في تصريحاته إلى رد فعل نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق “مايكل موريل” على الرواية التي أوردها هيرش، حيث أكد الرجل لم يكمل قراءة المقال بزعم أن كل جملة وردت فيه كانت خاطئة.
لتظل الحقيقة بين هاتين الروايتين والتي للباكستانيين فيها دور، لكنهم لم يعقبوا حتى الآن على ما ورد في الرواية الجديدة التي تدينهم بشكل مباشر في عملية التنسيق، لقتل بن لادن مع علمهم بوجوده في مساكن آبوت آباد، ليبقى السؤال المطروح بين تلك الروايات كيف قُتل بن لادن؟.