تتحدث بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية عن حالة من التذمر لدى الشارع الأردني من تجدد موجات النزوح العراقي باتجاه المملكة.
وذلك، في ظل اشتداد المعارك في غرب العراق وشماله، وترويج بعض أعضاء مجلس النواب “تحذيرات من تجدد اللجوء” تُبرر بسوء الوضع الاقتصادي والمعاناة من مشاكل الفقر والبطالة، وارتفاع كلف المعيشة، وتراجع مستوى الخدمات.
وقد تجاوزت أعداد اللاجئين السوريين مليون ونصف شخص، مع وجود حوالي 200 ألف لاجئ عراقي ما زالوا يقيمون في الأردن منذ الغزو الأمريكي.
في هذا التقرير صورة أكثر وضوحاً للمشهد، عبر رصد أهم ما نشر من تصريحات رسمية أردنية وأخرى دولية، وما تبعها من تحليلات وتقارير إعلامية بخصوص النزوح العراقي المتوقع بنسب متفاوتة.
تناقض أم تغيير استراتيجية؟
تتضارب بعض التصريحات السابقة واللاحقة للحكومة الأردنية ومفوضية شؤون اللاجئين بخصوص استقبال الأردن للنازحين القادمين من العراق.
ففي حين تؤكد مصادر رسمية – تفضل عدم ذكر أسمائها- اتخاذ الأردن قرارا قطعيا بعدم استعدادها لاستقبال لاجئين عراقيين داخل الأراضي الأردنية، وأن لا وجود لخطط طوارئ لاستقبال نازحين من العراق.
كان قد أعلن أندرو هاربر، ممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في الأردن، عبر مؤتمر صحفي في 12 حزيران/ يونيو 2014 أن المفوضية تراقب الوضع في العراق، وتعمل عن كثب مع الحكومة الأردنية في هذا الصدد، وأنها مستعدة للتعامل مع أي تدفق محتمل للاجئين العراقيين إلى الأردن.
وصرح هاربر في حينها لصحيفة الغد أن المفوضية ستستمر بمراقبة تطورات الوضع في العراق خلال الأيام المقبلة، مؤكدًا في الوقت ذاته إلى أن الفارين من مدينة الموصل يتجهون شمالًا إلى إقليم كردستان وليس جنوبًا باتجاه الأردن.
وأكد المسؤول الأممي أن المفوضية جاهزة لمساعدة الفارين، لافتًا إلى أنه “إذا تلقينا لاجئين عابرين إلى الأردن، فنحن جاهزون ومستعدون لاستقبالهم، وهذا بالطبع تقرره الحكومة الأردنية والتي سندعمها بالطبع في هذا الخصوص”.
وقد كشف مصدر حكومي أردني رفيع المستوى لصحيفة الحياة في 12 حزيران/يونيو 2014 عن اجتماعات سياسية وأمنية وعسكرية تعقد على أعلى المستويات للتعامل مع أي تغيرات “دراماتيكية” عند حدود الأردن الشرقية مع العراق.
ولم يجب المصدر على الأسئلة المتعلقة بإمكان موافقة الأردن على استقبال موجات جديدة من اللجوء العراقي، لكنه قال “نتابع بقلق ما يجري، ولدينا خطط أمنية وعسكرية للتعامل مع أي تطورات قد تحدث على حدودنا”، كاشفاً عن “اجتماعات سياسية وعسكرية وأمنية تعقد على أعلى المستويات، لمواجهة أي طارئ”.
وسبق أن ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن وزير الداخلية حسين المجالي تحدث عن “إمكانية استقبال لاجئين عراقيين بسبب الأحداث الجارية هناك حاليا، لكنه بين أن ذلك لن يتم إلا بعد التنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”.
وتحدث تقرير للموقع الرسمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين – جنيف- في 23 أيلول / سبتمبر الماضي عن تزايد عدد العراقيين الباحثين عن اللجوء في الأردن وتركيا.
وقالت ميليسا فليمنغ، كبيرة المتحدثين باسم المفوضية، أمام الصحفيين في جنيف إنه تم تسجيل 120 عراقياً كمعدل لدى المفوضية في الأردن، كل يوم في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، بعد أن كان يتم تسجيل 65 عراقياً في اليوم خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز و30 عراقياً في اليوم فقط في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام.
مخيمات داخل حدود العراق
عاد ممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في الأردن آندرو هاربر للتأكيد مؤخراً على عدم “وجود مخيمات للاجئين العراقيين في المملكة، وأنه لا نية لإنشاء مخيمات لهم في المستقبل” مشيراً إلى أن ألف عراقي يسجلون أسماءهم لدى المفوضية كلاجئين، عضهم من مقيمي المملكة بالسابق.
وقال هاربر في تصريحات لوسائل إعلام محلية في 21 نيسان/إبريل الفائت إن المنظمة الأممية تقوم حاليا “بتقييم الوضع بخصوص ما يجري في العراق من بدء عمليات النزوح” مشيرا إلى أن المفوضية “لا تتوقع تدفقاً كبيراً للعراقيين عبر الحدود بين البلدين كالذي جرى في الأعوام 2006 و2007، لأسباب عدة منها، ان “العراقيين يحتاجون تأشيرة لدخول الأردن، كما أن الوضع على الجانب العراقي من الحدود ليس آمناً، لذا فإنهم يجدون صعوبات بالوصول للحدود، على عكس الوضع في العام 2006″.
وألمح تقرير لموقع إذاعة العراق الحر حمل عنوان “الأردن ومخاوف من تدفق نازحي الأنبار” ونشر في 22 نيسان/إبريل الفائت إلى أن الأردن قد وضع “سيناريو” مختلفا هذه المرة مع مسألة النزوح البشري على حدوده ويدور الحديث الآن عن مخيمات داخل الحدود العراقية.
وقد أكد مصدر أردني رسمي – فضل عدم ذكر اسمه – عدم وجود مؤشرات على نزوح عراقيين من الأنبار إلى الأردن، فضلاً عن عدم وجود خطط طوارئ للتعامل مع الأمر في حال حدوث تدفق للاجئين عراقيين من الأنبار إلى المملكة”.
وحول المخيمات التي انشئت بمنطقة الرويشد العام 2006، بيّن هاربر أنها “كانت للفلسطينيين القادمين من العراق وليست للعراقيين”.
قادم مجهول
تنفي مصادر رسمية أردنية وجود خطط طوارئ لاستقبال نازحين من العراق، منوهة إلى أن حركة العبور على الحدود طبيعية ولا وجود لتحركات نزوح باتجاه الأردن عقب اشتداد معارك الأنبار.
وتشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن النزوح العراقي باتجاه بغداد والمناطق الآمنة داخل العراق، وتتفاوت تقديرات المفوضية لأعدادهم بين 90 ألف نازح و120 ألف مع تأكيداتها بأنه قابل للازدياد في ظل اشتداد المعارك.
من جانبه، يرى الكاتب فهد الخيطان، أن التصريحات بخصوص اتجاه النازحين العراقيين باتجاه بغداد ليست نهاية القصة “فالمعارك في الأنبار ما تزال في بدايتها، وفي بعض مناطق غرب العراق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” يتحين عشرات الآلاف من العراقيين الفرصة للهروب من الجحيم، ولا نعرف وجهتهم بعد” لافتا إلى أن الحكومة العراقية تضع العراقيل في وجه النازحين إلى بغداد، وقد يفكر كثيرون باختصار المعاناة على أنفسهم وعلى أطفالهم، والتوجة نحو الأراضي الأردنية.
ويبين الخيطان في مقاله (لا تحاولوا..البلاد ستغرق) المنشور في صحيفة الغد 21 نيسان/إبريل الفائت ان أزمة اللجوء العراقي من الأنبار مفتوحة على كل الاحتمالات والاتجاهات، خاصة وأن التقديرات الأولية تشير إلى أن معركة الأنبار ستكون طويلة وشاقة، مستنداً إلى طلب الحكومة العراقية سابقاً من الأردن الاستعداد للتعامل مع موجة لجوء جديدة، “لكن لم تتسن معرفة رد الحكومة على هكذا تحذير”.
في آخر مناسبة تناول فيها مسؤولون أردنيون سيناريو اللجوء العراقي، صدرت تصريحات حاسمة من وزير الداخلية، أكد فيها عدم استعداد الأردن لاستقبال المزيد من اللاجئين. ونقلت وسائل الإعلام عن الوزير قوله إن الأردن لن يسمح للاجئين بتخطي حدوده. وكان الخيار المقترح هو إقامة مخيمات في المنطقة “الحرام” على الحدود بين البلدين.
ويحذر الخيطان بأن الأمر سيغدو أمرا كارثيا بالفعل إذا ما تكرر السيناريو السوري، واعتمدت سياسة الحدود المفتوحة ذاتها مع العراق؛ لأن البلاد ستغرق بالفعل، ناهيك عن أن المخاطر الأمنية المترتبة على اللجوء العراقي من مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش”، تفوق بكثير مثيلاتها السورية.
ويختم الخيطان حديثه بالقول: ” تحت كل الظروف، لا يحتمل الأردن “زعتري” جديد على حدوده مع العراق. ومحافظة المفرق التي تغرق باللاجئين السوريين، لم يعد باستطاعتها استضافة المزيد” على حد تعبيره.
وتحت عنوان (خطة الأردن السرية لغرب العراق) تساءل أول أمس الكاتب في صحيفة الدستور ماهر أبو طير، “ما الذي يمكن أن تفعله عمان وتخطط له هذه الأيام، إزاء ملف غرب العراق، غير التحسب والرقابة، والمتابعة، والإدارة الأمنية المرهقة يوميا لهذا الملف؟”.
وأوضح أبو طير “وفقا لمطلعين فإن ملف غرب العراق يخضع لقراءة أردنية عميقة هذه الأيام، وهناك استشعار بأن أخطار هذا الملف سوف تنفجر باتجاه الأردن خلال العام الجاري، سواءً على صعيد سعي التشدد للتسلل إلى الأردن، أو عبر موجات النزوح المحتملة، أو حتى وصول غرب العراق إلى مرحلة قد يعلن فيها الانفصال الكلي عن العراق، وهو وضع لابد أن يكون الأردن جاهزا له، على مستويات عدة، امنيا وسياسيا واقتصاديا، لان عمان ستجد نفسها أمام قطعة ارض كبيرة عائمة بسكانها السُنّة تضغط على الشاطئ الأردني للرسو.”
وطلب أبو طير من المسؤولين في عمان التحدث للمواطنين بشفافية عن خطتهم المستترة إزاء غرب العراق، وما هي تفاصيل هذه الخطة؟ “وليقولوا لنا ما هي استعداداتهم للمرحلة المقبلة؟ والتفاصيل التي تم التوافق عليها في هذا الصدد؟ إذ لايكفينا الكلام هنا عن وحدة العراق والتنسيق مع بغداد، وغير ذلك من كلام دبلوماسي لا يلغي ان هناك خطة محددة للتعامل مع ملف غرب العراق في مرحلة ما، إذا خرج عن السيطرة وبدأت تداعيات هذا الملف بالتسلل إلى الاردن، خصوصا، أن هناك شركاء من غرب العراق في خطط مواجهة السيناريوهات المقبلة.
وأنهى أبو طير حديثه بالقول : “لابد من وضع الناس في صورة الأخطار وما الذي سيفعله الأردن في سيناريوهات محددة غير مسبوقة، بعضها مقبل على الطريق ” على حد تعبيره.
المصدر: أردن الإخبارية