في الصيف الماضي، أعاد الآلاف من الإسرائيليين مشاركة منشور على الفيسبوك باللغة العبرية، كتبته النائب اليمينية المغمورة ايليت شاكيد.
المنشور كان عبارة عن مقتطف من مقال غير منشور كتبته المؤيدة للسياسات الاستيطانية أوري إيليتزور، رئيسة موظفي رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي توفيت في مايو 2014، وحينها قام موقع الانتفاضة الإلكترونية المعادي للصهيونية بنشر الترجمة الإنجليزية للمنشور، وجاء في ترجمة المقتطف المؤلف من 631 كلمة ما مفاده أن الكاتبة دعت الأطفال الفلسطينيين بـ”الثعابين الصغيرة”، واتهمت الأمهات الفلسطينيات بـ”تربية أطفالهن ليصبحوا شهداء للعنف”، كما جاء في ترجمة المدونة أن الكاتبة تدعو “للإبادة الجماعية” للشعب الفلسطيني.
شاكيد، التي كانت حينئذ عضواً صغيراً في الحزب اليميني القومي حزب البيت اليهودي، سرعان ما دافعت عن منشورها، وادعت أن الترجمة لم تكن صحيحة، رغم أنها عمدت لحذف المنشور في وقت لاحق من صفحتها في الفيسبوك.
ولكن هذا الموقف جاء متأخراً، فوكالات الأنباء الأمريكية كان قد سبق لها نشر الخبر، كما استخدم رئيس الوزراء التركي حينها، رجب طيب أردوغان، هذه الحادثة كمناسبة لوصف السياسة الإسرائيلية بالسياسة النازية حين قال “ما هو الفرق بين هذه العقلية وعقلية هتلر؟”.
هذه الفضيحة لم تنهِ الحياته السياسية لشاكيد، بل عززت بدلاً من ذلك من حضورها العام، وشعبيتها بين الناخبين الذين يشاركونها تشكهها بنوايا الفلسطينيين، والذين يعارضون بشدة تنازل دولة الاحتلال عن الأراضي اللازمة لإنشاء الدولة الفلسطينية.
توالى الصعود المطرد والسريع لشاكيد باتجاه قمة مستويات النظام السياسي الإسرائيلي، حتى وصل إلى ذروة جديدة يوم الأربعاء الماضي؛ فبعد أقل من سنة على الجدل الحاصل نتيجة لمنشورها، تم تعيين مهندسة الكمبيوتر البالغة من العمر 39 عاماً والأم لطفلين في منصب وزير العدل الإسرائيلي، حيث حصلت على هذا المنصب في اطار اتفاق جاء في اللحظة الأخيرة لانقاذ نتنياهو اليائس من اقتراب الموعد النهائي لتشكيل الحكومة بدون الإعلان عن تشكيلته الحكومية، مما كان يهدد بخسارته لمقعده في الكنيست.
كان أمام نتنياهو فرصة ستة أسابيع اعتباراً من إعلان فوزه في انتخابات مارس لتسمية الحكومة الائتلافية، وحتى صباح يوم الأربعاء –آخر يوم في المهلة المحددة- تعهد 53 نائب من أصل 120 في الكنيست بالولاء له، وحينها استغل حزب البيت اليهودي اليميني الموقف، وتعهد لنتنياهو بتقديم ثمانية أصوات –وهو العدد الذي يحتاجه لتأمين رئاسته لمجلس الوزراء-، ولكن تحت شروط محددة منها: أن يتم تعيين شاكيد في وزارة العدل، وأن يتم تعيين زميلها نفتالي بينيت في وزارة التعليم، كما اشترط الحزب أيضاً الحصول على وزارة الزراعة، فضلاً عن تأمين مناصب معينة لأعضاء الحزب تخولهم تحقيق تأثيرات كبيرة على السياسات الاستيطانية.
هذا الاتفاق كان أبعد ما يمكن عن كونهه اتفاقاً مثالياً بالنسبة لنتنياهو، الذي كان يتخذ موقفا متشدداً حياله، فشاكيد التي صرحت في عام 2012 لصحيفة Algemeiner -وهي صحيفة مقرها نيويورك مختصة بتغطية الأخبار اليهودية والإسرائيلية- أنها ذات ميول يمينية منذ كانت بعمر الـ8 سنوات، تجعل من رئيس الوزراء يبدو وكأنه ليبرالي في مواجهة تعصبها المتشدد، وإن تعيينها في منصبها الجديد قد يزيد من توتر العلاقات الإسرائيلية مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي تؤيد إنشاء دولة فلسطينية، وتنتقد نتنياهو لاستخدام لغة الانقسام والفصل عند تحدثه عن الفلسطينيين.
وكما يقول دانييل ليفي، مدير قسم الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في محادثة مع صحيفة فورين بوليسي “إذا كنت إسرائيلياً وتحمل ولو قدراً يسيراً من الجذور الليبرالية أو من الإنسانية العالمية، فمن ثم ستكون فكرة أن وزارة العدل الخاصة بك مسندة لايليت شاكيد، ووزارة التربية مسندة لنفتالي بينيت، أبشع من أسوأ كوابيسك”.
ويتفق عضو الكنيست من حزب الاتحاد الصهيوني نحمان شاي مع رأي ليفي، حيث صرّح يوم الأربعاء الماضي أن تعيين شاكيد في وزارة العدل “سيكون مثل تعيين مصاب بهوس إشعال الحرائق في منصب رئيس إدارة الإطفاء”.
لكن شاكيد تمتلك بعض الداعمين أيضاً، حيث جاء في المقال الافتتاحي الذي نشرته صحيفة أورشليم بوست يوم الخميس الماضي “رغم افتقارها للخلفية القانونية، بيد أنها متفانية للغاية”.
تصف شاكيد نفسها بأنها يهودية علمانية، وتشير أنها ترعرعت في منزل تندر فيه المناقشات السياسية، أجدادها لوالدتها انتقلوا من الإمبراطورية الروسية السابقة ورومانيا في ثمانينيات القرن التاسع عشر، أما والدها فهو يهودي عراقي هاجر إلى إسرائيل في خمسينيات القرن المنصرم، وعلى الرغم من أنها تدافع عن السياسات العلمانية مثل إلزام اليهود الأورثوذكس بالخدمة العسكرية، بيد أن آرائها اليمينية تأثرت بشكل كبير بالمستوطنين المتدينين، الذين قاتلت إلى جانبهم في قوات الاحتلال الإسرائيلية.
اُنتخبت شاكيد كعضو في الكنيست في عام 2013، ولكن حتى قبل انتخابها كانت سمعتها القومية قد سبقتها في الوصول إلى البرلمان الإسرائيلي، حيث عملت لصالح نتنياهو بين عامي 2006 و 2008، قبل تتركه وتشكل مع نفتالي بينيت حركة بلدي إسرائيل (My Israel)، وهي حركة غير برلمانية موالية للصهيونية، وحينها لم تتردد للحظة بالضغط علناً ضد الهجرة الأفريقية إلى إسرائيل، التي ادعت أنها تشكل خطراً على الدولة اليهودية؛ ففي مقابلة لها مع موقع فوروود، اتهمت طالبي اللجوء من أريتريا والسودان بأنهم يكذبون حول أوضاعهم في بلدانهم التي يزعمون أنهم يهربون منها حيث قالت “إذا كان هؤلاء لاجئون فعلاً، فيجب أن يظهروا كلاجئي سورية أو العراق مع أطفالهم ونسائهم وممتلكاتهم التي يحملونها”.
منذ انتخابها في الكنيست، أثبتت شاكيد أنها مدافعة صلدة ودؤوبة عن سياسات احتجاز المهاجرين وترحيلهم، كما دعمت بشدة القوانين التي من شأنها تكريس دولة الاحتلال كدولة يهودية قانوناً، وهو الرأي الذي يتشاطره معها نتنياهو ونسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي، حيث أظهر استطلاع في ديسمبر الماضي أن 31% من الإسرائيليين يعتقدون أن مثل هذا القانون سيعزز مصالح الدولة العبرية، أما من يعارض هذا القانون فيقول أنه سيقوض تاريخ الدولة من الديمقراطية.
إن موقف شاكيد تجاه قانون يكرس يهودية إسرائيل، يدلل على فخرها القومي واليهودي، ويقول ليفي لصحيفة فورين بوليسي معلقاً على ذلك “من خلال تعيينها في وزارة العدل، ستواصل شاكيد الدعوة لبناء الدولة اليهودية على حساب بناء الدولة الديمقراطية”.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فإن تعيينات نتنياهو للسياسيين من اليمين المتطرف في الحكومة الجديدة، لن ترضي بالتأكيد إدارة أوباما أو الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي الذين يدعمون إسرائيل،” أعتقد أننا سنرى قريباً نوعاً من الإجراءات والمبادرات الفظيعة والسافرة التي سترتكبها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي سيكون من الصعب على الأميركيين عدم التعليق عليها” قال ليفي في حديثه لمجلة فورين بوليسي.
من خلال تسمية شاكيد في منصب وزيرة العدل، يكون نتنياهو أيضاً قد وضع موضوع تعيين المدعي العام الإسرائيلي المقبل في يديها، وإذا أعاد التاريخ نفسه، فمن المؤكد أن شاكيد ستعين إسرائيلي من اليمين المتطرف في هذا المنصب، ويشير ليفي أن حزب البيت اليهودي من خلال منصب شاكيد، سيقدم على تغيير النظام القضائي الإسرائيلي، الذي يشعر بأنه عقبة تقبع في وجه تشكيل إسرائيل من الداخل لجعلها أكثر اثنوقراطية، أو بالمختصر دولة يهودية.
تقول إيلانا ليتمان -وهي مؤيدة لشاكيد- متفاخرة بصهيونية حزب البيت اليهودي في ذات المقالة التي كتبها موقع فوروود “اذا كنت تشعر أنك يهودي، وتتصرف كيهودي، وعقيدتك نابعة من الصهيونية، يمكنك أن تشعر أن هذا الحزب هو منزلك”.
المصدر: فورين بوليسي