كان من المفترض أن تكون المهمة المناطة بأحمد داوود أوغلو هي الحفاظ على موقع حزب العدالة والتنمية، بوصفه الحزب الحاكم، ولكي تكلل مهمته بالنجاح؛ فإن الحزب يحتاج إلى أغلبية بسيطة بواقع 276 مقعدًا من أصل 550 مقعدًا في البرلمان التركي، لكن أحمد داوود أوغلو قد حُمِّل مهمة إضافية من قِبل الرئيس رجب طيب أردوغان، في المؤتمر الذي عُقد لوداع أردوغان وتسليم قيادة الحزب والحكومة لأحمد داوود أوغلو.
هذه المهمة التي حُمِّلت له جاءت على لسان أردوغان في خطابه، حيث حدد أن مهمة الحزب الحاكم يجب أن تهدف إلى تغيير الدستور، وأن الانتخابات البرلمانية القادمة يجب أن تتمحور حول هذا الهدف، وهذا يعني أن حزب العدالة والتنمية برئاسة أوغلو يتوجب عليه الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان بواقع 367 مقعدًا، والتي تتيح لكتلة الحزب داخل البرلمان تغيير الدستور وتمهيد الطريق للنظام الرئاسي الذي يتطلع أردوغان إليه، أو على أقل تقدير الحصول على ثلاثة أخماس المقاعد بواقع 330 مقعدًا، والتي تتيح الطريق لعقد استفتاء شعبي يطرح من خلاله الدستور الجديد والنظام الرئاسي.
لم يكن داوود أوغلو معارضًا للنظام الرئاسي الذي طرح من قِبل أردوغان، إلا أن تصريحاته التي عبر فيها عن كون النظام الرئاسي الذي يطمح إليه لا يحتوي على منصب رئيس حكومة، أظهرت نوعًا من الحساسية بينهما، لكن سرعان ما تبدل خطابه بعد الإعلان عن لوائح الحزب للانتخابات البرلمانية، والذي كشف داوود أوغلو النقاب عنها في مؤتمر صحفي، وعبر بهذا المؤتمر، بشكل مباشر، أن حزب العدالة والتنمية جعل من أولوياته إنجاز النظام الرئاسي.
خيار وحيد
كانت الخطوة التي قام بها داوود أوغلو خطوة حكيمة بتأييده للنظام الرئاسي حسب الكثير من المحللين لكون أردوغان يشكل مصدر قوة حزب العدالة والتنمية وشعبيته، وذلك يعني بأن فتح مواجهة مع أردوغان تعني خسارة الحزب الكثير من الأصوات، بالإضافة لإمكانية تشقق البيت الداخلي للحزب بين مؤيدين لأردوغان ومؤيدين لداوود أوغلو.
إن إدراك أردوغان لمعادلة القوة داخل الحزب وفي الشارع التركي على حد سواء، قيّد ولو بشكل مؤقت قدرة أحمد داوود أوغلو على المناورة، ومن الواضح أن أردوغان لا يتعامل بذكاء فقط مع خصومه، ولكن سياسته تمتد إلى البيت الداخلي، فقد فرض أردوغان على داوود أوغلو الحصول على نسبة صعبة نسبيًا، هدفها الأول خدمة النظام الرئاسي الذي يتطلع إليه أردوغان، وعليه فإن أحمد داوود أوغلو يواجه إشكالات في هذا المجال، فإذا استطاع الحزب الحصول على النسبة التي تؤهله لتغيير الدستور فهذا يعني أنه سوف يتحتم عليه مغادرة الحكومة التي لن تعد موجودة بعد ذلك، ومن جانب آخر عدم حصول الحزب على نسبة تخوله من إجراء استفتاء شعبي على الدستور أو خسارة الحزب لبعض أصواته، قد تعرضه لنوع من المساءلة بسبب عدم قدرته على الانتقال بالجمهورية للنظام الرئاسي والذي يشكل أهم أهداف حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات.
أردوغان: “خير الأمور ما اجتمعت فيها الغايات”
يحافظ أردوغان على الظهور في الإعلام عبر مؤتمرات واجتماعات شعبية، وكانت لقاءاته المتعددة، والتي آخرها في سرت وباطمان، قد أثارت المعارضة التي اتهمته بأنه يقف مع حزب العدالة والتنمية ضد أحزاب المعارضة علاوة عن استثمار الدين، وبغض النظر عن هذه الانتقادات التي حاول أردوغان تفنيدها، إلا أنه يظهر بأن أردوغان يقوم بهذا الأمر لهدفين هامين: أولًا، إن هدف أردوغان اقترن بهدف الحزب وبالتالي فإن النجاح الساحق لحزب العدالة والتنمية هو نجاح لأردوغان قبل أي شخص آخر وهو بذلك وإن كان يخدم الحزب لكونه يتمتع بشعبية استثنائية للحصول على مزيد من الأصوات فهو وفي نفس الوقت يدعم موقفه الداعي للنظام الرئاسي.
والأمر الثاني يكمن في مساندة أردوغان لأحمد داود أوغلو في هذه الحملة الصعبة، حيث يشكك الكثيرون بأن أحمد داوود أوغلو ربما لن يكون قادرًا على إنجاز هذه المهمة منفردًا، وبذلك فإن مشاركة أردوغان في الحملات الانتخابية للحزب تقوي الحزب ولكنها في الوقت نفسه قد تعني الكثير بشأن كفاءة أحمد داوود أغلو لترؤس الحزب.
ما معنى الهزيمة والانتصار لكلا الرجلين
صرح داوود أوغلو قبل أيام معدودة – في إحدى اللقاءات الشعبية التي تنظمها الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية – عن نيته الاستقالة إذا لم ينتصر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، ولم يحصل على المركز الأول مخاطبًا رؤساء الأحزاب الأخرى وسؤالهم إن كانوا يمتلكون الجرأة للاستقالة، وإن كان هذا السؤال جائز انتخابيًا في معرض الانتقاص من الخصم إلا أن السؤال الذي كان من المفترض أن يجيب عليه داوود أوغلو هل يكفي انتصار حزب العدالة والتنمية وحصوله على المركز الأول لمنعه من الاستقالة أو وضع حد لحياته السياسية؟
من الواضح أن هناك أسئلة مؤجلة بين كل من أردوغان وداوود أوغلو، حيث يحاول كلا الرجلين جذب البساط لطرفه بشكل ناعم وغير مباشر، في حين يمهدان للخطوات التي سيتخذانها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، ففي ككل سيناريوهات نتائج الانتخابات، مثل فوز الحزب بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة منفردًا، أو فوزه بأغلبية تؤهله من عقد استفتاء شعبي أو من أغلبية الثلثين التي تؤهله لتغيير الدستور منفردًا، سيبقى – الحظ – عنصرًا أساسيًا في تحديد مستقبل الرجلين وما يطمح إليه كل منهما، إضافة للتدابير والخطوات التي سيتخذها كلاً منهما في مؤسسات الدولة وداخل الحزب سواء بسواء لتقرير الموقف النهائي.