“على مدار الأيام العشرة الأخيرة، لم أغادر منزلي في العاصمة الكويت وحدي. دوما ما يكون شخص ما معي. فأنا جد ولدي مشاكل في القلب، لكن ليس لأسباب صحية أتخذ حذري، ولا لأني أخشى من أن أسقط من الإعياء. لكنه مجرد إجراء قد لا يجدي غالبا، من أجل ألا أُختطف قسريا من حكومتي.”
هكذا بدأ محمد الجاسم رسالته إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما والذي عنونها بـ “أرجوك سيدي الرئيس، اقرأ هذه الرسالة قبل أن تذهب إلى كامب ديفيد”، وفي عنوان جانبي نقرأ “عندما تقابل الكويتيين، اسألهم لماذا يظلون يرسلونني إلى السجن عقابا على قول ما أؤمن به”.
وفي رسالته يقول الجاسم إن مخاطر أن تكوّن رأيا في الكويت عديدة، فقد حدث أن اختُطف ثلاثة أشخاص في آخر أربعة أسابيع فقط. وتابع الجاسم قائلا إنه كان أول كويتي يُحكم عليه في قضية رأي، لكنه لم يكن الأخير بالقطع.
والجاسم بحسب تعريفه لنفسه هو مدون حاول أن يكتب بحرية عن الأوضاع في الملكية المطلقة التي تعيشها الكويت، كما أنه محام يشارك الآن في الدفاع عن أكثر من 20 قضية تتعلق بحرية الرأي والتعبير.
وفي رسالته أوضح الجاسم أنه كان قد أضرب عن الطعام أثناء اعتقاله في عام 2010، حيث انهار في اليوم الرابع ونُقل إلى مشفى عسكري، قيدت قدماه ويده اليمنى، وكانت الأجهزة متصلة بيده اليسرى، ورغم ذلك لم يُسمح لأهله برؤيته.
وروى الجاسم كيف أنه عندما كان يتحرك من السجن بحراسة 24 شخصا من القوات الخاصة، فيما يتم تقييد يديه وقدميه.وبعد خروجه حكى الجاسم قصته في كتاب نشره بعنوان “في طريقي إلى السجن”، بيد أن السلطات الكويتية قامت بحظر نشره.
ورغم الضجة التي حدثت عند اعتقال الجاسم، إلا أن الأمر أصبح اعتياديا الآن، فمئات الأشخاص يُحاكمون بتهم سياسية، والكثيرون يتم سجنهم لمدد تصل إلى خمس سنوات.
وفي رسالته قال الجاسم “اليوم الخميس، سيكون أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أحد حُكام الخليج القلائل الذين سيحضرون القمة المرتقبة في كامب ديفيد مع الرئيس باراك أوباما”.
وقال الجاسم إن قطاعا كبيرا من داعمي الحريات وحقوق الإنسان في الكويت انتظروا عقد هذه القمة منذ الانتقادات التي وجهها أوباما للوضع الحقوقي في دول الخليج خلال حواره مع الصحفي توماس فريدمان في نيويورك تايمز في الخامس من أبريل الماضي.
وتساءل الجاسم عما إذا كان البيت الأبيض مهتما بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الدول الحلفاء لواشنطن، خاصة وأن الكويت لن ترفض طلبا أمريكيا بالقيام بإصلاحات حقوقية وسياسية في البلاد. وأجاب الجاسم على تساؤله إنه لا يعتقد أن الرئيس الأمريكي يهتم بوضع حقوق الإنسان، إنه يهتم فقط بالإبقاء على علاقاته بحلفائه خاصة بعد الصفقة النووية مع إيران.
الجاسم الذي عمل رئيس تحرير للنسخ العربية من مجلات نيوزويك وفورين بوليسي، كما عمل محاميا ومراقبا لصالح منظمة العفو الدولية في مصر والبحرين قال إنه يؤمن أن إدارة أوباما تعمل من أجل حماية الأنظمة لا من أجل الشعوب، خاصة إذا كانت تلك الأنظمة هي المتحكمة في النفط العالمي.
ومع الربيع العربي، تراجعت الحكومة الكويتية في أساليبها القمعية، فقد أُجبر رئيس الوزراء، ناصر محمد الصباح، على الاستقالة في نوفمبر 2011، قبل أن تسيطر المعارضة بشكل ما على البرلمان الذي انتُخبر في فبراير 2012.
لكن تراجع الربيع العربي انعكس على الكويت كذلك، فقد عادت إلى ما تعرفه من قمع للمعارضين، وبعد خمسة أشهر من الانتخابات البرلمانية، قامت المحكمة الدستورية بحل البرلمان، وقامت الحكومة بتعديل قانون الانتخابات ليضمن لها سيطرة على نتائج الانتخابات.
وتتمحور المطالبات في الكويت من قبل العديد من قادة المعارضة حول الملكية الدستورية. لكن الحكومة ردت بسحب الجنسية من معارضيها، هذا ما حدث مع عبدالله برغش، معارض ونائب برلماني سابق، حيث نُزعت الجنسية الكويتية عنه وعن كامل عائلته بما فيها الأطفال والذين يبلغ عددهم 57 شخصا. المعارض سعد العجمي حدث معه الأمر نفسه، قبل أن يُختطف في أبريل الماضي من قبل 70 شخصا من الشرطة السرية.
وحذر الجاسم في ختام رسالته من أن المواطنين في دول الخليج قد يتم حصر خياراتهم بين القمع أو التطرف، في حين أن الخيار الثالث، وهو دولة ديمقراطية ومجتمع مدني قوي يحترم حقوق الإنسان هو الخيار الأولى.
وبحسب بيان لهيومن رايتس ووتش في أبريل الماضي فإن السلطات الكويتية انقضت بقوة القانون على حرية الرأي والتعبير خلال العام الماضي، وعلى الحكومة أن تسمح للشعب بحرية القول والكتابة والوفاء بوعودها بمعالجة مطالب “البدون” في الجنسية.
وبحسب المنظمة فقد تم تسجيل فقط 8 حالات لأشخاص أدينوا في قضايا حرية الرأي والتعبير منذ 1962 وحتى 2006، لكن العدد ارتفع بين عامي 2012 و2013 إلى 200 شخص، وهذا لا يتضمن من أدينوا بتهمة الاساءة إلى دول أخرى أو إلى المذاهب الدينية أو إلى المسؤولين، وان أخذنا بعين الإعتبار هؤلاء فسيصل العدد إلى 250 شخصا، وذلك وفقاً لمنظمات حقوقية محلية.
وتستند الكويت في قراراتها المستمرة بسحب الجنسية إلى قانون تعسفي ومخالف للمواثيق الدولية يتيح لها سحب الجنسية لكل من تراه يشكل تهديدا لها وهو نص فضفاض إستخدمته الحكومة في قمع معارضيها.
جدير بالذكر أن الكويت تحتل المرتبة 90 من أصل 180 بلداً في النسخة الأحدث من التصنيف العالمي لحرية الاعلام الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود مطلع عام 2015.