توفي البرلماني المصري السابق “فريد إسماعيل” وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان 2012 المنحل (أول برلمان منتخب عقب ثورة يناير) والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بمحافظة الشرقية، وذلك بعد تدهور شديد في صحته بسجن العقرب شديد الحراسة الواقع ضمن مجمع سجون طره، والذي يقبع خلفه أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
رفضت سلطات سجن العقرب نقل إسماعيل إلى مستشفى خارج السجن لتلقي العلاج، رغم علمها بالتدهور الذي أصابه في آواخر أيامه جراء إصابته بمرض السكري والتهاب الكبد الوبائي “فيروس سي”، ما أدى إلى إصابة الرجل بغيبوبة كبدية تامة وساءت الحالة إلى أن وصلت لإصابته بجلطة في المخ، كل ذلك وسط تعنت من إدارة مصلحة السجون المصرية في نقله لمستشفى خارجي لتوفير الرعاية الصحية له، بالتزامن مع منع الأدوية الطبية عنه وإصابته بسوء تغذية بسبب تضييق إدارة السجن الخناق على المعتقلين السياسيين.
وبالرغم من علم سلطات العقرب من إصابة الرجل بغيبوبة إلا أنهم أصروا على نقله من سجن العقرب في القاهرة إلى مدينة الزقازيق بالشرقية لحضور جلسة محكمة خاصة به، ونظرًا للتدهور الشديد في الحالة الصحية للرجل، فقد اضطرت السلطات إلى وضعه في مستشفى سجن الزقازيق العمومي، ولعدم معرفة أطباء مستشفى السجن بالحالة فإنهم وقفوا أمام حالته متفرجين لا أكثر، مع مطالبات بنقلع إلى أقرب مستشفى جامعي للوقوف على حالته ولكن إدارة سجن الزقازيق رفضت هي الأخرى، وأعادته إلى القاهرة ليتم وضعه في مستشفى ليمان طره.
هذا وقد نشر نجل المعارض المصري “محمد فريد إسماعيل” قبيل أيام تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” وضح فيها سوء الأحوال الصحية لوالده داخل السجن، متهمًا إدارة السجن بعدم تقديم الرعاية الصحية لوالده، حيث قال: “والدى د.فريد إسماعيل دخل فى غيبوبة كاملة غالبًا كبدية منذ 4 أيام فى سجن العقرب ويمكن أكثر من هذه المده .. لا نعلم .. بعد أن فتحوا باب الزنزانة الانفرادية عليه فى هذا الوضع .. ولسه عارفين حالًا بالمعلومة دي منذ ساعة تقريبًا بالصدفة”.
وتابع نجل القيادي الإخواني القول: “طبعًا بعد أن منعنا من الزيارة فى العقرب لأكثر من شهر وتم وضعه بلا آدمية فى مستشفى السجن هناك فى العقرب بلا أدنى مستوى من الرعاية لأرواح البشر وتم نقله لسجن الزقازيق وهو في الغيبوبة بحالته الصحية المتدهورة (عشان عنده جلسة اليوم السبت) وتم وضعه فى مستشفى سجن الزقازيق وطبعًا لم يحضر الجلسة .. وهو الآن يرقد فى غيبوبة كاملة بمستشفى سجن الزقازيق .. منتهى الاستهتار بأرواح البشر، للعلم هذا ما لدينا من معلومات وهو ما عرفناه بالصدفة البحتة”.
مضيفًا: “ما يقال أن مستشفى العقرب لم تعلم ما حالته ولا أسباب الغيبوبة ومع ذلك تم ترحيله بهذا الوضع المتدنى وأيضًا مستشفى سجن الزقازيق لا تعلم السبب ولم ينقل حتى إلى مستشفى جامعي للوقوف على الحالة، للعلم والدي مريض سكر وكبد (فيروس سس) منذ سنوات”.
https://www.facebook.com/muhamed.farid.5/posts/361468737376640?fref=nf
فحسب ما قاله نجل إسماعيل بأنه يقضي سجه في حبس إنفرادي رغم أنه مصاب بمرض مزمن يهدد حياته، وهذا اعتبره البعض أمر متعمد إمعانًا في القمع من السلطات المصرية تجاه قيادات جماعة الإخوان المسلمين، الذين شكت أغلب أسرهم من منعهم من زيارة ذويهم في هذا السجن شديد الحراسة بالتحديد، بعد أن صادرت إدارته من المعتقلين كافة مستلزماتهم الشخصية من ملابس وأطعمة وكتب وتركتهم بملابس السجن “البالية” على حد وصف بعضهم.
قانون السجون المصرية الصادرعام 1956 يحمل رقم 396 والذي ينظم إدارة السجون، المادة 36 منه تقول أن كل محكوم عليه يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزًا كليًا يعرض أمره على مدير القسم الطبي للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه.
فحالة فريد إسماعيل كانت مستوفية للشروط القانونية للإفراج الصحي عنه، ولكنه لم يتم حتى وافته المنية جراء سوء الرعاية الطبية للمعتقلين السياسيين، من جانبها نعت جماعة الإخوان المسلمين القيادي فريد إسماعيل على لسان المتحدث الرسمي باسمها “محمد منتصر”، كما أكد على أن القصاص للرجل أمانة في رقاب أبناء الجماعة.
https://www.facebook.com/M.B.SPOKESMAN1/posts/1447129988914505
وفي المقابل ظهرت الرواية الرسمية للدولة على لسان مسؤول مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية الذي قال أن فريد إسماعيل توفي بمستشفى المنيل الجامعي بعد خضوعه للعلاج بها جراء إصابته بتليف كبدي، ما أدى إلى وفاته بغيبوبة في المستشفى، وهو ما تم إخطار مصلحة السجون به.
هذه الرواية الرسمية أول من شكك بها هم أهل المعتقل المتوفى فريد إسماعيل، الذين أكدوا أن الإهمال الطبي من جانب وزارة الداخلية وبالتحديد إدارة سجن العقرب هو السبب الرئيسي لتردي الأوضاع الصحية للمعتقل، ما أدى إلى مضاعفات نتيجة أمراضه المزمنة التي كانت تستلزم نقله إلى مكان به ” رعاية مركزة” مجهزة بأجهزة حديثه لإنقاذه، وهو ما أكدت أسرته أنه لم يتم من جانب سلطات سجن العقرب، فنقل المعتقل فريد إسماعيل إلى مستشفى المنيل لم يقول به أحد سوى وزارة الداخلية في بيانها الرسمي، إذ يعتقد أن جثة المعتقل نقلت إلى هناك لتفادي الغضب الشعبي، ولنفي تهمة الإهمال المتعمد من جانب إدارة السجن، ما أدى لوفاة المعتقل.
وفاة البرلماني فريد إسماعيل أحدثت ضجة بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الجميع في تعاطي ملف الإهمال الطبي في السجون للمعتقلين، فلم تكن هذه الحالة الأولى التي ترتقي نتيجة الإهمال الشديد من قبل السجون في الرعاية الصحية للمعتقلين السياسيين تحديدًا فضلًا عن غيرهم من الجنائيين، إذ تشير تقارير أن هناك عددًا يفوق المائتين قد توفوا داخل السجون جراء الإهمال الطبي.
كانت الحالة الأبرز التي تدوالت بين النشطاء هي وفاة الدكتور طارق الغندور أستاذ الطب بجامعة عين شمس والمعتقل السياسي، إذ تعرض لنزيف حاد استمر لمدة ثماني ساعات دون إغاثة حتى وافته المنية، ليخرج أخوه متهمًا السلطات المصرية بقتله عمدًا، لتقوم بعدها السلطات بعملية “شرعنة للجريمة” على حد وصفه، عبر تركيب أجهزة تنفس صناعي، والتقاط صورة له وكأنه توفي وهو تحت الرعاية الطبية، رغم أن هذه الأجهزة ركبت بعد وفاته بالسجن، في مشهد يهدف لتغطية ما حدث، هذا فضلًا عن رصد المنظمات الحقوقية في مصر لأكثر من 5000 حالة مريضة بأمراض مزمنة معرضة لمواجهة مصير إسماعيل نتيجة الإهمال الطبي داخل السجون المصرية.
كذا الأمر وجه متابعون تهمة التصفية الجسدية المتعمدة للدكتور فريد إسماعيل عبر وزارة الداخلية، التي قصدت تركه بدون علاج حتى مات، مؤكدين أن صحة الرجل متدهورة منذ أيام وقد ناشد البعض قبل وفاته بالتدخل لإنقاذه، وبعد تقدم المحامين بطلبات لنقله لإحدى المستشفيات، لم تستجب إدارة السجون المصرية إلا أول أمس الاثنين الموافق 12 مايو 2015 بعد وصوله إلى حالة حرجة، أدت الى جلطة في المخ، ونقل إلى مستشفى القصر العيني، والتي توفي بها بعد يوم من نقله نتيجة للإهمال الطبي الجسيم، الذي قال بعض الحقوقيين عنه أنه يصل إلى القتل العمد.
الجدير بالذكر أن الأجهزة الأمنية المصرية قد ألقت القبض على فريد إسماعيل الأستاذ بكلية الصيدلة بجامعة الزقازيق وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين من مسكنه بالزقازيق مطلع سبتمبر من العام 2013، بعد عملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وملاحقة كافة قيادات الجماعة في المحافظات.
تدوال النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو للدكتور فريد إسماعيل أثناء القبض عليه من منزله، وكان إسماعيل يذكر القوة الأمنية التي جاءت للقبض عليه بمجهوداته في مجلس الشعب حينما كان وكيلًا للجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان لاستصدار قانون لإعادة هيكلة رواتب العاملين بالشرطة، وكذلك إعادة النظر في نظام الترقيات لأمناء الشرطة.
وفاة الدكتور فريد إسماعيل داخل محبسه على ذمة قضايا ملفقة من الأمن المصري، تعيد فتح ملف الإهمال الطبي في السجون المصرية الذي طال السجناء السياسيين والجنائيين، حيث يبرز عدم اكتراث الدولة المصرية ممثلةً في وزارة الداخلية بحياة أحد وهو داخل أقبية سجونها، وكأن السجناء حرموا من الحرية داخل سجون النظام، إلا أن النظام أبى أن يحرمهم الحياة كلية بتركهم فريسة لأمراضهم.