توصيف “تمهيد”
يشهد معسكر فجر ليبيا هذه الأيام انشقاقات كبيرة جداً، خاصة داخل مدينة مصراتة المعروفة بولائها القوي للثورة، كما تسود حالة من القلق بين الثوار من (ساسة وعسكر ومؤتمر وطني) في أغلب مدن المنطقة الغربية.
يأتي هذا القلق بعد تصريحات وخطوات متسارعة يقودها تيار مدني ليبرالي داخل مدينة مصراتة تتزعمه شخصيات عدة؛ منها فوزي عبدالعال عضو المجلس الانتقالي إبان الثورة، (منحدر مدينة مصراتة) والذي يعمل الآن سفيرا لليبيا في دولة البحرين، و سالم جحا القائد العسكري السابق لكتائب مصراتة والملحق العسكري في دولة الإمارات، بالإضافة إلى شخصيات أخرى منها جمعة اعتيقة النائب السابق لرئيس المؤتمر، وأحمد معيتيق المليونير الليبي، والمرشح السابق لرئاسة الوزراء، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في المجلس البلدي لمدينة مصراتة.
كل هذه الشخصيات لها نفوذ قوي على كتائب الثوار داخل مصراتة وخارجها، وبدأ يظهر دورها البارز في محاولة فك الارتباط بين ثوار المنطقة الغربية والتيار الإسلامي ، ما يثير قلق الكثير من الكتائب العسكرية والثوار المحسوبين على التيار الإسلامي.
التفسير (أسباب، تحول، تداعيات)
لعل من أبرز الأسباب التي يسوقها هذا التيار، أن كل النتائج التي ترتبت عن عملية فجر ليبيا يجني ثمارها التيار الإسلامي أو من يسمونهم هنا: “الإخوان، والمقاتلة” سواء داخل أو خارج المؤتمر الوطني؛ إذ يتهم هذا التيار الجماعة الليبية المقاتلة التي يقودها عبدالحكيم بلحاج بالاستحواذ على القرار في المؤتمر الوطني، مع عبدالرحمن السويحلي، والذي لديه خصومات كبيرة مع شخصيات مصراتية أخرى مثل حسن الأمين وجمعة عتيقة وفتحي باشاغا.
ويستدل هذا التيار على نفوذ الإسلاميين بتكليف المؤتمر لعمر الحاسي المحسوب على تيار الثورة الإسلامي، برئاسة الحكومة، وما قدمه من دعم لكتائب معينة في الزاوية وبنغازي، عرفت بعلاقتها بالتيار الإسلامي المقرب من الجماعة الليبية المقاتلة مثل الكتيبة التي يقودها أبوعبيدة من الزاوية.
يضاف إلى ذلك حرص هذا التيار على تحقيق مكاسب للمدينة، في ظل انشغال باقي قوات فجر ليبيا بالمعارك غرب البلاد.
يحاول هذا التيار، إذَنْ، تحصيل مكاسب للمدينة، بعضها إقليمي ودولي، من خلال محاصرة مدينة سرت التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وتسويق المدينة كشريك حقيقي يعتمد عليه دولياً في الحرب على الإرهاب.
وبعضها محلي، كدخول قوات مصراتة في تفاهمات مع قوات إبراهيم جضران، وقبيلة المغاربة وإيقاف عملية الشروق، التي كانت تهدف إلى استعادة السيطرة على الموانئ النفطية، دون إذن من رئاسة الأركان أو المؤتمر الوطني، الذي كان دوره في الحقيقة هو إعطاء الشرعية لهذه العملية ودعمها مادياً بعشرات، بعد أن بدأتها كتائب من مصراتة دون تنسيق مع المؤتمر الوطني.
كما دخلت كتائب المدينة في الجنوب في هدنة مع قبيلة المقارحة في المدة الماضية بعد اشتباكات عنيفة شهدتها منطقة براك الشاطئ بين القوة الثالثة المكلفة من المؤتمر بحماية الجنوب وكتائب قبلية تريد إخراج هذه القوة من المنطقة، وهذا التفاهم كذلك تم دون استشارة السلطات أو إخطارها بذلك.
وما جرى في المنطقة الغربية من تهدئة عقدتها كتائب مصراتية دون الرجوع لرئاسة الأركان يصب كذلك في نفس الاتجاه، عندما دخلت كتيبة الحلبوص، القوية والمتمركزة داخل منطقة ورشفانة غرب طرابلس، في هدنة مع قوات قبائل ورشفانة، تهدف إلى عودة المدنيين لمساكنهم، بشرط التعهد بعدم استغلال التهدئة للتقدم باتجاه العاصمة، ومنع استخدام كتائب الزنتان المنطقة للمرور إلى العاصمة طرابلس.
– لعل هذه التفاهمات التي تعقدها أطراف معينة داخل المدينة شرقاً وغرباً وجنوباً، تهدف إلى رسم صورة جديدة للمدينة، بعيداً عن الصورة السابقة التي عرفت بها مصراتة من استخدام للقوة في كل معالجاتها؛ فالصورة القديمة خلقت للمدينة عداوات كثيرة مع محيطها، ما أثر على رؤوس الأموال والتجار في المدينة، الذي يواجهون صعوبات في تسويق بضائعهم شرقاً وغرباً وجنوباً، بسبب دور شرطي الثورة الذي تلعبه المدينة في لييبيا.
– أما خارجياً فتسوق المدينة نفسها كشريك دولي في الحرب على الإرهاب، بمحاصرتها مدينة سرت التي تعد أبرز معاقل تنظيم الدولة، وجعل المدينة على مسافة من التيار الإسلامي الذي يتعرض لهجمة كبيرة من قبل أطراف إقليمية ودولية، وربما شعور أطراف أخرى داخلها بأن المدينة مختطفة لتحقيق “أجندة ما” تجهل أطرافها.
– ولا يخفى تزامن كل ذلك مع الحوار الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة بين أطراف الأزمة الليبية في الصخيرات والجزائر، بحيث تكون المدينة قد انتهت من ترتيب أوراقها داخلياً وخارجياً لتكون جاهزة للعب دور كبير ومهم في مرحلة ما بعد التوافق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وولوج باب تحقيق المكاسب من سنوات الثورة الماضية.
تداعيات وتحول
ولعل من أبرز التداعيات لهذه الرؤية قيام بعض النشطاء في مصراتة بإزالة منصة ساحة الشهداء بالمدينة التي كانت تشهد طوال الثمانية أشهر الماضية مظاهرات حاشدة تأييداً لعملية فجر ليبيا وللمؤتمر الوطني ورفضاً لمسودة ليون الأخيرة.
كما لوحظ تزايد الانقسام بشأن شرعية المؤتمر الوطني بين بعض النخب وقادة الثوار، فيما ينكب عدد من أعضاء مجلس النواب المنحل المقاطعين لجلسات طبرق، على إضعاف موقف المؤتمر الوطني التفاوضي، يقودهم فتحي باشاغا عضو مجلس النواب عن مدينة مصراتة، وهو من النواب المقاطعين لجلسات البرلمان، ومحاولة الوصول بذلك الضغط إلى تسوية سياسية تعطي دوراً أكبر للنواب المقاطعين على حساب المؤتمر الوطني العام.
بل وصل الأمر إلى مماطلة بعض قيادات المحاور العسكرية المحسوبة على مصراتة، وتأجيل الحسم في قاعدة الوطية العسكرية التي تشهد معارك طاحنة منذ عدة أشهر، وذلك لمنع المؤتمر الوطني من الحصول على نصر جديد قد يعزز موقفه التفاوضي.
ورغم ذلك يظل هذا التيار المناهض للمؤتمر شريكاً في الثورة ورافضاً لوجود حفتر في المشهد ويرفض المؤتمر الوطني، بدرجة أقل، لكونه يقاد من التيار الإسلامي، حسب زعم هذا التيار.
ومما سبق يمكننا القول إن من أخطر تداعيات هذا الحراك ما يمكن وصفه بـ”شق الصف المصراتي” باعتبار أن أغلب من يقودون هذا التيار هم من هذه المدينة، وما سيحدثه ذلك من معارك جانبية داخل معسكر فجر ليبيا، ما قد يؤدي إلى رسم خارطة تحالفات جديدة ستكون الثورة المضادة الرابح الأكبر منها، كما ينبغي أن لا ننسى أن المدينة تقع تحت ضغوط كبيرة، وملفات ثقيلة منذ اندلاع الثورة إلى يومنا هذا؛ سياسياً واجتماعياً واقتصاديا، وحتى عسكرياً.
سيناريوهات
بدأ تيار الثورة ، خاصة في طرابلس، والذي تقوده عدة كتائب محسوبة على التيار الإسلامي، يشعر بالخطر، وبدأ التململ يظهر من تصرفات بعض كتائب مصراتة وارتفاع حدة خطابها المناهض للإسلاميين بعد أن كانوا شركاء في الثورة، ورفقاء سلاح.
فبعض الإسلاميين باتوا يشعرون أن مصراتة استعملتهم في طرد الزنتان من طرابلس وتريد الآن الاستئثار بحكم العاصمة لوحدها.
هذا الوضع قد يدشن تحالفات جديدة بين الثوار المتضررين من حراك بعض قيادات مصراتة والتيار الإسلامي، وذلك للعداء السائد الآن بين ثوار مدن غرب طرابلس (كالزاوية وغريان وطرابلس) مع منطقة ورشفانة التي دخلت في تهدئة مع كتيبة الحلبوص المصراتية.
وخشية هذه المدن التي تقع على الحدود الإدارية مع ورشفانة من استمرار عمليات الخطف والقتل على الهوية لسكان هذه المدن.
- تيار مصراتة يريد عدوا جديدا من التيار الإسلامي وقد تكون مدينة صبراتة غرب طرابلس الهدف القادم لكتائب مصراتة المناهضة للتيار الإسلامي.
- الحسم العسكري في قاعدة الوطية سيفرض عزلة كبيرة على قوات الزنتان وجيش القبائل.
- ستشهد أغلب المحاور العسكرية غرب ليبيا هدوءً، ما يمنح فرصة للتهدئة وإطفاء الحرائق التي خلفتها الحرب.
- ولعلها ستسهم في رأب الصدع بين قوى فجر ليبيا في غرب طرابلس من جانب وثوار مصراتة من جانب آخر.