ترجمة وتحرير نون بوست
في ليلة عادية من شهر مايو 2011، أدرك روبرت تشايلدز أن صديقه أبو خالد عبد اللطيف، قد يكون على وشك أن يصبح إرهابياً، ففي يومها اجتمع تشايلدز مع عبد اللطيف في نهار اعتيادي، وحضرا الصلاة في مسجد سياتل معاً، ومن ثم اتجها لأكل الدجاج المقلي في شقة عبد اللطيف الصغيرة مع زوجته وابنه الصغير، ولكن بعد ذلك، سار عبد اللطيف مع تشايلدز إلى موقف السيارات ذو الإضاءة الخافتة الذي يقع خارج المبنى، وأمام سيارة تشايلدز الشيفروليه سوبربان البرتقالية، طرح عبد اللطيف السؤال المذهل على تشايلدز : هل يمكن أن تساعدني للحصول على بعض الأسلحة؟
شرح عبد اللطيف أنه يسعى لتنفيذ هجوم مستوحى من إطلاق النار في قاعدة فورت هود عام 2009، والذي نفذه حينها الرائد نضال مالك حسن وقتل على إثره 13 شخصاً، ولكن خلافاً لحسن الذي نفذ العملية بمفرده، عبد اللطيف كان يبحث عن شركاء، “لديّ بالفعل رجل يرغب بتنفيذ ذلك، إذا كنت تريد أن تأتي معنا” يتذكر تشايلدز ما قاله له عبد اللطيف.
تشايلدز الذي كان حينها بعمر الـ35 عاماً بجسده النحيل وشعره البني المقصوص بعناية، تفاخر سابقاً أمام عبد اللطيف عن مهارته باستخدام الأسلحة، فوالده كان أحد جنود مشاة البحرية، وتشايلدز تدرب على استعمال المسدسات والبنادق في مدرسة داخلية عسكرية، وعلى النقيض من ذلك، عبد اللطيف الذي كان يبلغ من العمر حينها 33 عاماً، برأسه الأقرع ولحيته السوداء الكاملة، كان له تجربة محدودة جداً مع الأسلحة النارية، حيث تقتصر على استعماله مسدس 7/11 مع بندقيتين بلاستيكيتين في محاولة للسرقة، التي أسفرت عن حبسه لمدة ثلاث سنوات في سجن الولاية.
أملاً في إبعاد عبد اللطيف بسرعة قال لي تشايلدز أنه لم يعطه إجابة بنعم أو بلا في تلك الليلة، وأضاف”لم أكن أنوي أن أساعده، لكني كنت قلقاً بشأن طلبه المفاجئ، ماذا لو ارتكب عبد اللطيف جريمة بأسلحة حصل عليها من مكان آخر؟ هل سأكون متورطاً لعدم إبلاغي الشرطة عن حديثنا؟”
تشايلدز سبق له وأن أُدين بجريمة اغتصاب وتحرش بطفل، قضى من أجلها ثلاث محكوميات خلف القضبان، بما مجموعه حوالي التسع سنوات، وبعد أن أفرج عنه مؤخراً، كان تشايلدز في تلك الفترة يحاول فتح صفحة جديدة من حياته.
طلب تشايلدز لقاءاً مع صموئيل ديجيسيس، وهو مخبر يعمل مع إدارة شرطة سياتل، ووفقاً لتشايلدز، سأله ديجيسيس عمّا إذا كان يرغب بمساعدة السلطات في بناء قضية ضد عبد اللطيف، حيث سأله حينها “ماذا تريد في المقابل؟”، وأجاب تشايلدز “أريد محو سجلي الإجرامي بالكامل”، ويدّعي تشايلدز حينها أن ديجيسيس أعطاه انطباعاً أن طلبه ممكن التحقيق، ولكني لم أستطع التحقق من صحة هذه المزاعم كون ديجيسيس رفض التعليق على هذا المقال.
في غضون أيام، تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بالموضوع، كون عبد اللطيف كان قد برز سابقاً على رادار المكتب إبان نشره للعديد من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب في شهري أبريل ومايو، والتي تظهره وهو ينتقد المجتمع الغربي، ويصر على عدم إمكانية تحقيق السلام بتاتاً مع غير المسلمين، وعندما علم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمعلومات تشايلدز حول عبد اللطيف، اجتمع معه وكلاء المكتب وأعلموه أنهم سيتسلمون هذه القضية، وتشايلدز ذاته كان سعيداً بهذا التغيير حيث قال “إذا لم يكن بإمكانك الوثوق بالـFBI، فمن الذي يمكنك أن تثق به؟”، وهكذا أصبح تشايلدز جزءاً من جهاز مكافحة الإرهاب التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي والذي تم تأسيسه بعد حوادث 11 سبتمبر، ويضم هذا الجهاز أكثر من 15.000 مخبر، ويعتبر أكبر شبكة تجسس داخلية في تاريخ الولايات المتحدة.
حينها بدأ تشايلدز بارتداء معدات تسجيل عند لقاءاته مع عبد اللطيف، وفي 14 يونيو 2011، زوده مكتب التحقيقات الفيدرالي بمجموعة من الأسلحة تتضمن قنابل يدوية وبنادق ومسدسات، وقام هو بدوره بعرضها أمام عبد اللطيف بعد أن وضعها في صندوق السيارة، واستعرض تشايلدز أمام عبد اللطيف كيفية تبديل المخازن وتلقيم الأسلحة، ووفقاً لإفادته أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي، عند أمسك تشايلدز بالقنبلة اليدوية مخرجاً إياها من كيس القماش الخشن، بدا عبد اللطيف مدهوشاً وقال “هل هذا حقيقي؟” وتابع “إذا رميتها، هل ستنفجر؟”، وهنا أجابه تشايلدز “يجب عليك أن تسحب المسمار ومن ثم ارمها”.
وبعد أسبوع، وفي مساء يوم 22 يونيو، التقى تشايلدز وعبد اللطيف ورجل ثالث يدعى ولي مجاهد، في متجر جزار لمناقشة خطط اقتحام مركز معالجة طلبات الانتساب للجيش في سياتل، ويضم هذا المركز المجندين الجدد الذين يخدمون في الجيش لأول مرة، وسبب اختيار هذا المركز كما يقول عبد اللطيف “لأن هؤلاء المجندين يتم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية لقتل إخواننا وأخواتنا” وفقاً للحديث الذي التقطه جهاز تنصت تشايلدز قبل بضعة أيام من اليوم المحدد للعملية، وفي الأثناء التي كان فيها تشايلدز يظهر فيها لأصحابه داخل متجر الجزار كيفية استخدام بندقية الـM16 الهجومية التي زوده بها مكتب الـFBI، انقض عملاء المكتب على مكان الاجتماع وأُلقي القبض حينها على عبد اللطيف ومجاهد.
على الرغم من عدم كشف اسمه علناً، تم اعتبار تشايلدز على الفور بطلاً أميركياً، وحينها صرّحت لورا لافلين، الضابط المسؤول عن مكتب الـFBI في سياتل، في بيان صحفي في اليوم الذي تلا تنفيذ العملية “لولا شجاعة الشاهد المتعاون معنا، والجهود التي بذلتها الوكالات المتعددة للعمل لساعات طويلة ومكثفة، لكان هؤلاء قادرين على تنفيذ خطتهم الوحشية”.
اليوم، يقضي عبد اللطيف ومجاهد 18 و 17 سنة على التوالي في السجن، بتهمة التآمر لقتل ضباط وعملاء للولايات المتحدة والتآمر لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، ولكن التساؤلات الخطيرة التي تبزغ جرّاء هذه الوقائع تتمثل بالسؤال: لولا جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي، هل كان أي منهما حصل على وسيلة لارتكاب هذه الجرائم الخطيرة؟
عبد اللطيف ومجاهد
أشارت وسائل الاعلام المحلية والمحامون الموكلون بالدفاع عن عبد اللطيف ومجاهد، أن الأول يمتلك تاريخاً من المشاكل العقلية ومحاولات الانتحار، وقبل وقت قصير من اعتقاله تقدم بطلب لحمايته من الإفلاس، أما مجاهد فهو شخص تائه ومفلس، تم تشخيصه باضطراب فصامي عاطفي ونزعات ثنائية القطب، وقضى فعلاً نتيجة لهذه الأمراض حوالي 12 دورة إقامة في مستشفيات الأمراض النفسية، وبعبارة أخرى، يمكن القول إن عبد اللطيف ومجاهد كانا أهدافاً هشة، وهذه الأهداف -وفقاً لكارين غرينبرغ من مركز الأمن الوطني في كلية الحقوق بجامعة فوردهام للقانون- هي التي يتم غالباً استهدافها في هجمات الـFBI.
في ذات الوقت، لم تدم “شجاعة” تشايلدز طويلاً حتى أصبحت طي النسيان، حيث يقول أن مكتب التحقيقات الفيدرالي دفع له بسخاء لاستدراجه عبد اللطيف ومجاهد، ولكن لم يتم شطب سجله الإجرامي بتاتاً، وهو يعيش الآن على بعد أكثر من 3000 ميل من سياتل، في كي ويست- فلوريدا، بلا بيت وبلا مأوى، يركب تشايلدز الدراجة ويدور في أنحاء المدينة وينام في مكان منعزل من الغابات، “أشعر أنني كعبد اللطيف، ضحية لمكتب التحقيقات الفيدرالي” يقول تشايلدز وهو يدخن سيجارة بعد ظهر أحد أيام مارس من عام 2015 من على طاولة في الهواء الطلق عائدة لمطعم بيتزا، وينظر بحسرة إلى جهاز التتبع المربوط على كاحله كذكرى ملموسة على أنه من مرتكبي الجرائم الجنسية.
الخطوط الأمامية في الحرب الداخلية على الإرهاب، غالباً ما تكون مليئة بالشخصيات من أمثال تشايلدز، شخصيات قلقة ومقلقة من المجرمين والمعتدين، الذين يتم تكليفهم من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لمتابعة واستهداف الأهداف التي تماثلهم خطورة وإشكالية، ورغم أن المخبرين يأملون أن تعمل مهامهم التي يؤدونها لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي على فتح المجال أمامهم ليصبحوا أثرياء و/أو لمحو ماضيهم المشوه والمضطرب، بيد أنه وفي كثير من الحالات يقطع المكتب اتصاله بهؤلاء الأشخاص بمجرد انتهاء العمليات.
وبعبارة أخرى، بغية حماية الوطن، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي يستغل الأشرار للقبض على من يزعم أنهم أشد شراً منهم، هذه لعبة تجسس القرن الواحد والعشرون القذرة، والتي يمكن تلخيصها بجدارة بالمثل الشعبي الشهير في أروقة مكتب التحقيقات الفيدرالي والذي يقول “حتى تقبض على الشيطان، عليك أن تطأ الجحيم”.
الحرب الاستباقية
بعد فشل الاستخبارات في حوادث الحادي عشر من سبتمبر، أخبر البيت الأبيض مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ينبغي ألا يتم إجراء أي هجوم آخر على الأراضي الأمريكية، وهنا أصبحت مهمة المكتب استباقية، وتتمثل بالعثور على الإرهابيين قبل أن يقوموا بعملياتهم، وبالمقابل، أدرك تنظيم القاعدة أنه لن يكون من السهل أن يرسل -مرة أخرى- عناصر فاعلة إلى الولايات المتحدة لشن هجوم منسق، وبدلاً من ذلك، انتهج سياسة ما وصفه مسؤولو الـFBI بأنه “نموذج الفرنشايز” أو نموذج الامتيازات الجهادية، ومن خلال هذه النموذج الجديد عمد التنظيم إلى استخدام كافة السبل المتاحة على شبكة الانترنت لتشجيع الشباب المسلم في الغرب لارتكاب أعمال العنف، وبناء عليه ينظر المسؤولون الأمريكيون إلى حادثة فورت هود على أنها تطبيق حرفي لهذا النموذج؛ فقبل الهجوم، تبادل حسن رسائل البريد الإلكتروني مع أنور العولقي، وهو رجل دين أمريكي المولد، معروف بنشره لمقاطع فيديو على اليوتيوب تدعو إلى العنف ضد أمريكا، كما أنه مشهور بكونه العقل المدبر لمجلة تنظيم القاعدة المصممة بشكل بارع والمنشورة على الانترنت، وباختصار كان العولقي مصدر إلهام للشباب المسلم الجانح نحو التطرف (قُتل العولقي في غارة طائرة بدون طيار في اليمن عام 2011).
المخاوف الأمريكية من عمليات فرنشايز الإرهابيين ولّدت تركيزاً جديداً لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، فأصبح العملاء الفيدراليين يسعون للقبض على هؤلاء الأشخاص في مرحلة قفزهم من مجرد متعاطفين إلى مهاجمين محتملين، وتحقيقاً لهذه الغاية، جنّد المكتب مخبرين لاختراق المجتمعات الإسلامية على الصعيد الوطني، وكان مهمتهم تتمثل “رسمياً” بجمع المعلومات حول الرجال الذين يبدون ميلاً للعنف الإسلامي، ولكن مع ذلك يشير بعض النقاد، أن نشاط شبكة مخابرات المكتب كان أوسع من هذه المهمة؛ ففي عام 2011، رفع الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية دعوى قضائية ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي كونه أعطى تعليمات لمخبر في جنوب كاليفورنيا تنص على “عدم استهداف الأشخاص الذين يُعتقد أنهم ضالعون في نشاط إجرامي، ولكن محاولة جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن أفراد المجتمع الإسلامي ككل، والتركيز على الأشخاص الذين يميلون للتدين في ممارسة شعائرهم الدينية”.
في العديد من الحالات، يوجه مكتب التحقيقات الفيدرالي المخبرين للظهور بمظهر الإرهابيين، ولتوفير جميع الوسائل -الأسلحة على سبيل المثال- والفرص للأشخاص المستهدفين للمشاركة في المؤامرات، وغالباً ما يتبع عمليات الاستدراج هذه اعتقالات من قبل الـFBI، ووفقاً للاحصائيات التي نشرتها هيومن رايتس ووتش، حوالي نصف القضايا التي تتعلق بالإرهاب والتي نظرت بها المحاكم الفيدرالية بين 11 سبتمبر 2011 ويوليو 2014، تضمنت مشاركة المخبرين، ونحو 30% من هذه القضايا تضمنت وضع المخبرين في دور يساعدون فيه على إثارة نشاط المخططات الإرهابية.
كما يتهم نشطاء حقوق الإنسان مكتب التحقيقات الفيدرالي باستخدام المخبرين لتصنيع الإرهابيين من أجل إثبات فعالية المكتب، وتبرير حجم ميزانيته السنوية المخصصة لمكافحة الإرهاب والتي تبلغ 3.3 مليار دولار، كما لاحظت هيومن رايتس ووتش أن تحقيقات المكتب استهدفت أفراداً لم يكونوا قد شاركوا في التآمر أو التمويل الإرهابي في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة بالتحقيق معهم، فضلاً عن إشارتها إلى أن بعض جهود المكتب انصبت نحو استهداف الأشخاص الأكثر ضعفاً وهشاشة، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة الذهنية والعقلية والجسدية.
جيمس كروميتي هو أحد الأشخاص الذين تم استغلالهم من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فهو موظف مفلس، وله تاريخ من المشاكل العقلية، أقنعه مخبر للمكتب بتفجير معابد يهودية وإسقاط طائرات عسكرية في نيويورك مقابل مبلغ 250.000 دولار، كما قام مخبر آخر باقناع ريزوان فردوس، وهو أميركي شاب من أصول بنغلاديشية، بالانخراط في مؤامرة لتفجير مبنى الكابيتول، وعندما ألقي القبض عليه، كان فردوس يُعالج من مشاكله العقلية، زد على ذلك قيام وكلاء الـFBI بتتبع سامي أوزماكاك وهو رجل ولد في كوسوفو مصاب باضطراب فصامي، ويقضي الآن مدة حبسه البالغة 40 عاماً للتخطيط لهجمات في تامبا، على الرغم من أن تقرير المكتب عنه يذكر أنه “أحمق متخلف عقلياً” وتطلعاته لارتكاب أعمال العنف كانت “ضعيفة”.
لم يستفد مكتب التحقيقات الفيدرالي من نقاط ضعف الأشخاص المستهدفين فحسب، بل استغل أيضاً نقاط ضعف المخبرين، فمثلاً تم تجنيد عبد الرؤوف دبوس وهو مواطن أمريكي كان يواجه إجراءات تنفيذ الرهن على تجارته ومنزله في ولاية فلوريدا، عن طريق إغرائه بمبلغ 20.000 دولار كمقابل عن خدماته، كما تم تجنيد باقي المخبرين من الفنانين المحتالين أو تجار المخدرات أو لاعبي كمال الأجسام الذين تحولوا إلى محتالين، ويشير أحد التحقيقات أنه في عام 2013 فقط سمح مكتب التحقيقات الفيدرالي للمخبرين بكسر القانون 5658 مرة في سنة تقويمية واحدة، ويقول جيمس ويديك الموظف السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي “إنها مفارقة المخبرين، فأنت لا يمكنك الوثوق بهؤلاء الرجال، ولكن عندما نضعهم كمخبرين أمام القضاة والمحلفين، نحن نقول لهم ببساطة: يمكنكم أن تثقوا بهم، إنهم يعملون معنا”.
لذا، وضمن هذه المعايير، كان تشايدلز بماضيه الإجرامي العتيد، مرشحاً ملائماً بشدة لطاقم مكتب التحقيقات الفيدرالي المشؤوم.
نشأة روبرت تشايلدز
ولد روبرت تشايلدز في انديانابوليس عام 1976 لأمه الممرضة جاكي، ووالده روبرت الأب، الذي سبق له وأن خدم في فيتنام، وبعد وقت قصير من ولادة ابنهما انفصل جاكي وروبرت الأب، وعاش تشايلدز مع والده وزوجة أبيه ماري فلينور، ووفقاً لفلينور وتشايلدز، روبرت الأب كان شخصاً سيئاً، “لقد كان يضربني بشكل مؤلم للغاية، بشكل لم أتمكن معه من البقاء جالساً” يروي تشايلدز أحد مواقفه مع والده.
في سن الـ16، انتقل تشايلدز إلى كاليفورنيا حيث حصل هناك على شهادة الثانوية العامة، قبل أن يسافر بعد ذلك إلى مدينة إساكوه في واشنطن، لكنه لم يمكث هناك لفترة طويلة قبل وقوعه في المشاكل؛ ففي أكتوبر 1994، اتصلت امرأة مع الشرطة، زاعمة أن تشايلدز اغتصب ابنتها البالغة من العمر 14 عاماً، ووفقاً لتصريح المجني عليها، التقى تشايلدز بالفتاة في مركز ألعاب محلي، وذهب معها إلى البيت، واغتصبها وهو يكرر عبارة “كل شيء سيكون على مايرام”، وعلى إثرها أدين تشايلدز بالاغتصاب، وقضى ستة أشهر في السجن، تليها سنة تحت المراقبة.
روبرت تشايلز
لم يمض وقت طويل حتى أوقع تشايلدز نفسه في مشكلة أخرى، ففي عام 1996، التقى تشايلدز الذي كان عمره حينها 20 عاماً، فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً في مركز تجاري في سياتل، ووفقاً لبيان الشرطة، ذهب تشايلدز مع الفتاة إلى حديقة قريية، وقام هناك بمداعبتها جنسياً، وعلى إثر ذلك تقدمت والدة الفتاة بشكوى ضد تشايلدز الذي أقر لاحقاً بجرم التحرش الجنسي بالأطفال.
داخل السجن، تعرف تشايلدز على سجين مسلم أبيض، وأصبحا صديقين، وحينئذ قرر اعتناق الإسلام، “الإسلام كان يعني لي كثيراً في ذاك الوقت” قال تشايلدز وأضاف “درست القرآن بشغف، فأنا عندما أقوم بشيء، أقوم به بشكل متقن”، يعترف تشايلدز أيضاً أنه اتجه حينها لتبني الموقف الديني المتشدد، حيث تجنب التعامل مع أي شخص غير مسلم، وكان يجلس مع أصدقائه الجدد لمناقشة الفظائع التي ارتكبت ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في الشيشان، حيث يقاوم المقاتلون الإسلاميون السيطرة الروسية.
بعد اطلاق سراحه في عام 1998، استقر تشايلدز في سياتل وتزوج من امرأة اسمها جو، ويقول حينها أنه باشر بعمل في مهنة التنظيف، واكتسب عملاء مهمين جرّاء هذه المهنة ، وعلى الرغم من أنه لم يكن يوظف أي شخص ليعمل معه، بيد أنه كان يتعاقد مع الموظفين بشكل مستقل كلما كان لدية أعمال تفوق قدرته على التعامل معها.
ضمن عمله في مهنة التنظيف، قدم تشايلدز لعبد اللطيف فرصاً للعمل في بعض الأحيان، علماً أن الرجلين لم يسبق لهما التعرف على بعضهما، ولكن زوجتيهما كانتا صديقتين، ورغم أن عبد اللطيف ليس لديه خبرة في مجال التنظيف، ولكن هذا لم يكن مهمًا لأن عبد اللطيف وفقاً لما يقول تشايلدز “مسلم، وبذلك كان تزويده بالعمل يساعد على حفظ أعمال وأموال المجتمع الإسلامي”.
في فبراير من عام 2007، كان زواج تشايلدز يشارف على الانهيار، لذا قرر تلبية رغبته التي تخامره منذ فترة طويلة المتمثلة بالقتال من أجل الدفاع عن الإسلام، “كونك مجاهد، هو أعلى مستويات الدفاع عن الإسلام التي يمكنك الوصول إليها” يقول تشايلدز، لذا قام ببيع شركته لعبد اللطيف، وتوجه نحو الشيشان عن طريق تركيا، وانتهى به المطاف للاستقرار مؤقتاً في مدينة ملاطية التركية، وهناك تصادق –بشكل مثير للدهشة- مع المبشر المسيحي الألماني تيلمان جيسكي، ولكن في أبريل 2007 كانت الطامة الكبرى: جيسكي واثنين من المبشرين المسيحيين تعرضوا للتعذيب ومن بعدها للقتل على يد خمسة رجال مسلمين، وذكرت وسائل الاعلام التي غطت الحادث، أن الجناة تركوا رسالة في مسرح الجريمة تقول ” ينبغي أن يكون هذا بمثابة درس لأعداء ديننا، فعلنا ذلك لأجل بلدنا”، وهنا كان تشايلدز مذهولاً، وفجأة لم يعد مهتماً بالقتال في الشيشان أو في أي مكان آخر، “هل فعلاً أسعى لأصبح مثل هذا الشخص؟، هل أرغب أن أُعرف بأنني قاتل؟” تساءل تشايلدز.
عندها عاد تشايلدز إلى الولايات المتحدة، وكانت زوجته جو تعيش في ولاية كاليفورنيا، لذا تبعها إلى هناك أملاً في إصلاح زواجهما، ولكن لسوء الحظ ألقي القبض عليه لعدم تسجيل اسمه باعتباره أحد مرتكبي الجرائم الجنسية، وقضى على إثر ذلك ثلاث سنوات خلف القضبان، وبعد أن أفرج عنه، عاد إلى سياتل، حيث بدأ العمل هناك في متجر للغطس، وعلى الرغم من أن حماسه الديني تضاءل كثيراً منذ حادثة قتل المبشرين المسيحيين، بيد أنه كان يذهب إلى المسجد المحلي لأداء الصلوات وسماع الخطب، وهناك، وفي أحد أيام شهر يناير 2011، التقى بالصدفة بصديقه القديم عبد اللطيف، الذي طلب منه فيما بعد تزويده بالأسلحة.
تشايلدز ومكتب التحقيقات الفيدرالي
يقول تشايلدز أن أول لقاء له مع الـFBI حصل في مكان ما في المنطقة الصناعية جنوب سياتل، هناك حيث تبقي الشرطة سيارتها وتقوم بصيانتها، ” قابلني مكتب الـFBI وسألني عن عبد اللطيف ودوافعه” يقول تشايلدز، وعندما طُرق موضوع مسح السجل الجنائي لتشايلدز، لم يقدّم أعضاء المكتب لتشايلدز أكثر مما قدمه ديجيسيس من مكتب شرطة سياتل.
وفقاً لتشايلدز، حادثه ديجيسيس على انفراد، وحثه على عدم الثقة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، وقال له إن عملاء المكتب يهتمون فقط بما تقدمه القضية لهم، ولن يقوموا بالإيفاء بوعودهم بمجرد انتهاء الصفقة، “مثل هذه القضايا يتم تسميتها بقضايا صناعة الشهرة” يتذكر تشايلدز ما قاله له ديجيسيس.
تجاهل تشايلدز تحذيرات ديجيسيس، وباشر بالفعل بالعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي وسجل عدة ساعات من المحادثات مع عبد اللطيف من 6 يونيو وحتى 22 يونيو من عام 2011، “إذا كنا سنموت ولا بد، فيجب أن نأخذ معنا بعض الكفار” قال عبد اللطيف في أحد التسجيلات في إشارة إلى أن كل شخص ليس مسلماً فهو كافر، وبعد انضمام مجاهد -صديق عبد اللطيف- إلى الجماعة، عمد تشايلدز أيضاً إلى تسجيل محادثاته، حيث يقول مجاهد في إحدى المحادثات المسجلة في مساء 21 يونيو أثناء اجتماعهم على العشاء “إذن، نحن سندخل ونقتل الجميع في المركز العسكري؟” أجابه تشايلدز “سنقتل أي شخص يلبس الزي العسكري الأخضر أو يحلق شعره على الطريقة العسكرية”، ويشير مجاهد في ذات المحادثة “هذه هي طريقتي في التكفير عن ذنوبي، لدي الكثير منها يا رجل”.
قبل إلقاء القبض على عبد اللطيف ومجاهد، أقنع تشايلدز الأخيرين أن موقع اللقاء –متجر الجزار- مملوك لشخص مسلم، ويقول تشايلدز أن مسؤولي مكتب التحقيقات وضعوا قرآناً على الطاولة داخل المتجر، لحبك القصة بشكل أكثر اتقاناً، وجعلها أقرب للتصديق.
بعد الاعتقال، يقول تشايلدز أن عملاء المكتب أثنوا على عمله الشجاع والجيد، وقيل له أن ينتظر في غرفة الاستجواب في مكتب تطبيق القانون في سياتل، ويتذكر حينها أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي كانوا يحضرون بين الفينة والأخرى لوضعه في مستجدات الأمور، مثل “مجاهد يزقزق مثل العصافير”، ورغم أن تشايلدز كان متحمساً ولكنه كان خائفاً ومتوجساً بذات الوقت، ويتوضح خوفه من سؤاله المتكرر “لا أحد سيعلم أنني كنت خلف هذه العملية، صحيح؟”.
بعد أقل من أسبوع، اتصل مكتب التحقيقات الفيدرالي بتشايلدز طالباً منه تحديد موعد للقاء، وفعلاً حضر إلى منزله أحد العملاء، وأدخله إلى سيارة مظللة النوافذ، وقال له ألا شيء يمكن القيام به حيال سجله الجنائي وأضاف “كمواطن، يجب أن تكون سعيداً أنك قمت بهذا، وهذا بحد ذاته يجب أن يكون مكافأة كافية لك”، ولكن في اجتماع لاحق، قال له عملاء المكتب أنهم يمكن أن يدفعوا له مالاً، ويشير تشايلدز أنه تم الاتفاق على مبلغ 100.000 دولار كمقابل لخدماته التي قام بها.
يقول تشايلدز إنه قبض في نهاية المطاف مبلغ 90.000 دولار على دفعات على مدى عدة أشهر، ويدعي أن هذا المبلغ سرعان ما اختفى، حيث يزعم بأن صديقه سرق منه حوالي 30.000 دولار، وأنه أضاع 20.000 دولار على متن قارب، وأنفق ما يزيد على هذا المبلغ على سيارته من ماركة فورد ولتركيب معدات صوت باهظة الثمن، “لقد ذهب جميع المال” يقول تشايلدز.
في هذا الوقت، احتفظ تشايلدز بعمله كمخبر لصالح قسم شرطة سياتل، حيث كان يجمع المعلومات حول المحتجين المحليين المناهضين للحرب الأمريكية، واستمر بذلك حتى ظهر اسمه في يوم من الأيام في صحيفة سياتل تايمز في قضية عبد اللطيف، وحسب ما أفادنا به تشايلدز فإنه يشتبه بأن هذه المعلومات سربها عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي لأن مسألة المال جعلت علاقته مع المكتب متوترة، “فجاة وبدون سابق إنذار، ظهر اسمي في كل مكان” يتذكر تشايلدز، ومع المعلومات التي بدأت وسائل الإعلام تنشرها حول ماضيه في الجرائم الجنسية، شهد تشايلدز صورة البطل الشجاع يتم اجتاثها منه ورميها بعيداً.
السياسة الاستغلالية لمكتب التحقيقات الفيدرالي
تشايلدز ليس المخبر الأول الذي يتخلى عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي، فمحمد العنسي -مواطن يمني- ساعد العملاء بالتحقيق حول العلاقة بين المحولين في بروكلين –وهم وسطاء سريون لأموال المسلمين- والشيخ محمد علي حسن المؤيد، الذي يعتقد مكتب الـFBI أنه جمع الأموال لصالح تنظيم القاعدة في نيويورك، وفي 15 نوفمبر 2004، أرسل العنسي عن طريق الفاكس رسائل إلى الـFBI في نيويورك وصحيفة الواشنطن بوست، شرح فيها أن المسؤول عنه لم يسمح له بالسفر إلى اليمن لرؤية زوجته المريضة، وأنه يخشى أن تؤدي شهادته كمخبر إلى تعريض أسرته للخطر، “لماذا لا يهتمون لحياتي وحياة أسرتي؟” كتب العنسي في أحد الرسائل، وبعد ظهر ذات اليوم، ارتدى حلة، وأغرقها بالبنزين، وأضرم بنفسه النار أمام بوابات البيت الأبيض، واستطاع حينها عملاء الخدمة السرية إطفاء النيران، ولكن ليس قبل أن تأكل أكثر من 30% من جسم العنسي.
وفي قضية أخرى، كريغ مونتيه لاعب كمال أجسام الذي تحول إلى رجل محتال، ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتجسس على المساجد مع تظاهره بأنه قد اعتنق الإسلام تحت اسم فاروق العزيز، وفي ديسمبر 2007 اتهمته الشرطة في إرفين- كاليفورنيا، بسرقة 157.000 دولار من امرأتين كجزء من عملية نصب واحتيال لبيع وشراء هرمونات تكبير العضلات البشرية، وزعم مونتيه في وقت لاحق أن عملاء الـFBI أوعزوا إليه حينها أن يقر بجرمه بغية عدم كشف غطائه التجسسي، ووعدوه بالمقابل أن يتم مسح هذه الاتهامات من سجله الجنائي، ونتيجة لحنثهم بوعدهم، رفع مونتيه دعوى قضائية ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2010، لكنه تنازل عن الدعوى في وقت لاحق بعد موافقته على ما أسماها “تسوية سرية”.
يلجأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في غالب الأحيان إلى التملص بسرعة من المتاعب أو الدعاوى التي يتسبب بها المخبرون، ومهما كانت المهمات التي يضطلع بها المخبرون في قضية تابعة للمكتب غامضة أو محرجة، فإنه نادراً ما يؤدي ذلك إلى إعاقة أو تدمير مهنة العميل أو المشرف، فمثلاً ستيف تيدول، الذي أشرف على عملية مونتيه، تقاعد من الخدمة، ويعمل حالياً كمدير للشركة الأمنية الخاصة التابعة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق لويس فريه، والعميل السابق علي صوفان، مؤلف كتاب “الرايات السوداء” حول حوادث 11 سبتمبر وتنظيم القاعدة، يدير اليوم شركة أمنية خاصة متعددة الجنسيات، وصوفان كان مشرفاً على سعيد توريس وهو أحد المخبرين الذين كانوا موضوعاً للفيلم الوثائقي الجديد ” (T)ERROR” والذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان صندانس السينمائي 2015، حيث يظهر توريس في أحد مشاهد الفيلم وهو يقول “الحكومة ستستغلك، ومن ثم سترمي بك كقطعة خردة بالية”.
بعد افتضاح أمره في الصحيفة، قرر تشايلدز مغادرة سياتل، واتجه شرقاً، وبعد توقف لفترة وجيزة في انديانابوليس لزيارة زوجة أبيه، واصل طريقه حتى وصل إلى كي ويست في أكتوبر 2013، وهناك استأجر غرفة وباشر عمله كساقٍ في خمارة، ولكن في يوليو 2014، ادعى مدير مطعم جوني روكتس أن موظفه السابق تشايلدز أجرى خمس سحوبات بقيمة 863.11 دولار من بطاقة أمريكان إكسبريس مسروقة، وحينها تذكر ضباط الشرطة بسرعة أن تشايلدز هو من مرتكبي الجرائم الجنسية ولم يسجل وجوده منذ وصوله إلى ولاية فلوريدا، وعندما تم إلقاء القبض عليه، ادعى تشايلدز أنه كان مختبئاً من قضية سابقة كان يعمل فيها مع مباحث سياتل، وفقاً لتقرير الشرطة.
بعد علمه باعتقال تشايلدز، قدم ديجيسيس التماساً للسلطات للتساهل مع تشايلدز، “بالنظر إلى مجمل نواياه ومقاصده، روبرت تشايلدز كان بطلاً” كتب ديجيسيس في رسالة بريد الكتروني أرسلها إلى النيابة العامة، وفي نهاية المطاف، اعترف تشايلدز بجرم الاحتيال في بطاقات الائتمان، وأنكر تعمده عدم تسجيل نفسه في مركز مرتكبي الجرائم الجنسية، وبعد قضاء مدة محكوميته، خرج من السجن في يناير السابق.
بعد خروجه، كان اسمه قد انتشر في مدينة كي ويست الصغيرة، وثرثرة المدينة وإشاعاتها منعته من الحصول على عمل ضمنها، كما أن غرفته التي كان يقطن بها لم تعد فارغة، لذا يقول تشايلدز أن عنوان سكنه حالياً هو أسفل جسر الطريق السريع، ويشير إلى أنه يتجه بشكل شبه يومي إلى برغر كينغ لتسجيل نفسه في مركز المراقبة.
أخيراً، يشير تشايلدز أنه عندما بدأ بالعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يظن أنه يعقد صفقة مع الفرسان البيض، ولكن الوضع لم يكن كذلك حيث يقول “إنهم يستغلون الأشخاص الضعيفين واليائسين” ويتابع بقوله” نحن يتم توجيهنا لنثق بمكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن أنا لم يعد لدي أي ثقة بهم، ويجب على العامة أيضاً ألا يثقوا بهم”.
المصدر: فورين بوليسي