لا تستطيع أن تعمل بمبدأ “قياس واحد يناسب الجميع” في علاج السرطان، وإنما ينبغي تفصيل العلاج على كل مريض في بعض السرطانات، وهذا ليس أمرًا سهلًا، لكن شركة آي بي إم الشهيرة في مجال تصنيع الحواسيب والبرمجيات أعلنت مطلع هذا الشهر أن 14 معهد سرطان أمريكي وكندي سوف يستخدم نظام كمبيوتر “واطسون آي بي إم”، وهو يقوم بعمل مسح لجينات الحمض النووي لمريض السرطان المدخل إليه، ويحدد الجينات المتحورة المسؤولة عن المرض الخبيث والأخرى المتحورة التي لا شأن لها بشيء، ثم يقوم بعمل مسح على الأدوية، ويحدد أي الأدوية يمكن أن يوقف هذا التحور، حتى لو كان دواء غير معتاد للسرطانات، وهي خطوة ثورية وغير مسبوقة تفتح الباب لعصر العلاجات المفصلة لكل شخص على حدة.
تخصص الأورام هو أهم تخصص يصنع تفصيل العلاج فيه على الجينات فرقًا حقيقيًا بالنسبة للمرضى، وهو الذي ألهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإطلاق مبادرة “الطب الدقيق” في يناير الماضي، لكن المشكلة في هذا الأمر هو أن ذلك يستغرق من الأطباء أسابيعًا، نظام التشغيل واطسون وبالاستعانة بقاعدة البيانات المحملة فيه من آخر نتائج الأبحاث العلمية والتجارب السريرية والعلاجات المحتملة، يستطيع فعل ذلك فيما يجلس المريض أمامك، في دقائق فقط.
قال ستيف هارفي نائب رئيس نظام واطسون آي بي ام إن مراكز السرطان سوف تبدأ استخدام هذا النظام بحلول أواخر هذا العام 2015، ومن ضمنها عيادات كليفلاند كلينيك، مركز فريد وباميلا في أوماها، ومركز يالي، مقابل سعر اشتراك في هذه الخدمة لم تكشف الشركة عنه.
يقوم أطباء الأورام بتحميل بصمة الورم الجينية الخاصة بالمريض على قاعدة بيانات “واطسون”، وهي تكشف الجينات المتحورة المسؤولة عن هذا المرض الخبيث، يقوم واطسون بالتعرف على الجينات المسؤولة ويحدد أي دواء يستهدف هذه الجينات المتحورة بالضبط، الجزء الصعب جدًا والمعقد كان في كيفية تمييز الجينات المتحورة الجانية من الجينات المتحورة البريئة في الحمض النووي الخاص بالمريض، وهذا ما استغرق من الفريق وقتًا طويلًا، ليصبح النظام قادرًا الآن على التمييز واختيار الدواء المناسب القادر على إيقاف عمل هذه الجينات المتحورة سواء كان من أدوية السرطان المعروفة أم دواء غير معتاد، المهم أنه يعمل.
واجه واطسون مشاكل في بعض السرطانات المسببة بعدة تحورات جينية معًا، هذا الكشف الجيني والتفصيل الدوائي المبني على أساسه مهم في سرطانات مثل سرطان الجلد والرئة، لكن معظم السرطانات الشائعة يفضل فيها العلاج التقليدي الإشعاعي والكيماوي.
وقال هارفي إن نصف المرضى فقط يستفيدون بالتسلسل الجيني الذي تقوم به المراكز عادة، بسبب استحالة تعرفهم على الجينات المتحورة المسؤولة أو عدم معرفتهم بالدواء الذي يستهدفها بالضبط، لذلك سيكون هناك الكثير من المراكز الأخرى التي ستستخدم هذا النظام قريبًا في شيكاغو وكاليفورنيا وواشنطن وأماكن أخرى.
وقال طبيب الأورام نورمان شاربلس إننا لا نستطيع مواجهة هذا الطوفان من البيانات وحدنا، الحل سوف يتمثل في “واطسون” أو ما يشبهه، كما قال ستيف جولد نائب رئيس آي بي ام في مؤتمره الصحفي إن علم الجينات هو المفتاح السري لأبواب الطب الشخصي الذي يفصل الأدوية حسب احتياجات كل مريض على حدة.
ومع ذلك، فإنه ليس من الواضح عدد المرضى الذين ستساعدهم هذه الطريقة، ففي السرطانات الشائعة سوف تبقى العلاجات التقليدية الكيماوية والإشعاعية هي المعتمدة، والتحليل الجيني لن يصنع أي فرق، العلماء الذين يعملون على واطسون لا يعطوننا أية وعود، لكنهم قالوا إنهم يبنون الكثير من الأمل على كون هذه الفكرة ستغير عالم علاج السرطان ببطء، والذي لا يعطي المرضى حاليًا إلا خيارات محدودة وضيقة.