في الحادي عشر من كانون أول/ ديسمبر لعام 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 194 القاضي بوجوب السماح بالعودة والتعويض، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم الأصلية.
وبعد مرور 67 عاما على نكبة فلسطين المحتلة في 15 أيار/مايو لعام 1948، ما زال يتردد نفس التساؤل المتوارث من الأجداد للأحفاد، هل يتحقق حلم اللاجئين الفلسطينيين بحق عودتهم إلى ديارهم؟
نحاول من خلال هذا التقرير تقديم صورة أكثر وضوحاً للإجابة عن هذا التساؤل، عبر تتبع أهم الدراسات والبيانات والتصريحات الصادرة في السنوات الأخيرة.
أعداد اللاجئين والمساحة المحتلة
أصدر مركز الإحصاء الفلسطيني بمناسبة يوم الأرض في 30 آذار/ مارس الفائت بيانا إحصائيا، أوضح فيه أن الكيان الصهيوني يستغل أكثر من 85 بالمئة من المساحة الكلية لأراضي فلسطين التاريخية التي تبلغ حوالي 27,000 كم2، بينما يستغل الفلسطينيون حوالي 15 بالمئة فقط من تلك المساحة.
وفي ظل إجراءات الاحتلال الصهيوني لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى عدة مناطق بلغت نسبة الفلسطينيين أكثر من 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية، مما يقود إلى الاستنتاج بأن الفرد الفلسطيني يتمتع بأقل من خُمس المساحة التي يستحوذ عليها الفرد الإسرائيلي من الأرض.
وقد استعرضت رئيسة مركز الإحصاء الفلسطيني علا عوض أوضاع الفلسطينيين في نهاية عام 2014، بحيث بلغ عدد الفلسطينيين في العالم حوالي 12.10 مليون فلسطيني؛ 4.62 مليون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحوالي 1.46 مليون فلسطيني في أراضي 48، وما يقارب 5.34 مليون في الدول العربية ونحو 675 ألف في الدول الأجنبية.
وأوضحت عوض بأن حوالي 2.83 مليون في الضفة الغربية و1.79 مليون في قطاع غزة، وبلغت نسبة السكان اللاجئين منهم نحو 43.1 بالمئة من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في الأراضي الفلسطينية، موزعين 38.8 بالمئة من إجمالي اللاجئين في الضفة الغربية و61.2 بالمئة في قطاع غزة.
مشروع الوطن البديل
تشكل مسألة اللاجئين عبئاً كبيراً على وجود الكيان الصهيوني؛ ولذلك يعمل جاهدا للخلاص منه عبر تغييبه وطرح اتفاقيات ومشاريع كان من أهمها مشروع الوطن البديل لتوطين اللاجئين في بلاد إقامتهم.
وقد بدأ مشروع التوطين في شهر آب / أغسطس لعام 1948 مع تشكيل ما عرف بلجنة “الترانسفير” الإسرائيلية، وقد كان الهدف من إنشاء اللجنة هو وضع الخطط والمشاريع من أجل توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وعمل ما يمكن لتقليص السكان العرب في إسرائيل، بحسب المؤرخ الفلسطيني نور مصالحة في كتابه إسرائيل وسياسة النفي الصهيونية.
ويضيف مصالحة، تعكس مشاريع التوطين اعتبارات سياسية ودبلوماسية وعسكرية ونفسية للدولة الصهيونية، فالذكرى المرئية التي تقدمها مخيمات اللاجئين عن انتزاع الملكيات عام 1948 شكلت شوكة للحكومة الإسرائيلية خاصة بعد حرب عام 1967، ولأن المخيمات هي أيضا نقطة تركيز للهوية الوطنية الفلسطينية والمقاومة المسلحة، لذا فان المخيمات تتطلب سيطرة عسكرية دائمة من وجهة نظر إسرائيلية. هذا إضافة إلى سعي إسرائيل إلى الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية، فهذه الدولة لابد أن تحتوي على أغلبية ساحقة من السكان اليهود، وبذلك لا مجال للقبول بعودة أي لاجئ فلسطيني إلى أرضه.
وتحقيقاً لهذه الاعتبارات استمرت إسرائيل في مساعيها لتوطين اللاجئين الفلسطينيين عبر التخطيط للأهداف التالية، منع عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتذويب قضية اللاجئين وإزالتها من قلب الصراع العربي الإسرائيلي وتقليص الضغط الإنساني الدولي والدبلوماسي الغربي وضغط الأمم المتحدة على إسرائيل، تحطيم الهوية الجماعية للاجئين وحالة الاشتباك معهم، والنقطة الأهم بينها جميعاً هي إزالة المخيمات الموجودة في الضفة وغزة والتي تشكل تهديدا لسيطرة إسرائيل على الأرض المحتلة تبعاً لحركة المقاومة المرتفعة في هذه المخيمات.
ولا يجد مشروع التوطين على ما فيه أخطار على الهوية الفلسطينية بالدرجة الأولى استنكارا فلسطينيا فحسب، فهو يلقى حالة ممانعة واسعة في ديار اللجوء، من قبل شعوب الدول المستضيفة.
اتفاقيات سلام بدون لاجئين
ترى الباحثة الفلسطينية سلمى نزال في دراستها (مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين: بين حلم العودة والإنكار الإسرائيلي) المنشورة في جريدة حق العودة العدد 58، أن موضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج وداخل فلسطين يرتبط بشكل مباشر بحق العودة، فإسرائيل سعت دائماً إلى التغاضي عن قرار الأمم المتحدة رقم 194 والذي يقضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم في حال رغبوا بذلك وتعويضهم، علماً بأن قرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة تم تحت شرط تنفيذها للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة رقم 181 و194.
ولذلك اتسمت التسويات السياسية التي تم طرحها لحل الصراع العربي الإسرائيلي برفض قاطع من الجانب الإسرائيلي لحق الفلسطينيين في العودة، وكان الاقتراح الدائم من جانب إسرائيل هو توطين اللاجئين في الدول التي تستضيفهم.
وفي كتابه “اللاجئون الفلسطينيون: جوهر الصراع وعقدة التسوية” يرى الباحث في الشؤون الفلسطينية حمد موعد أن قيادة منظمة التحرير وتحت ضغط أمريكي شاركت في مؤتمر مدريد بدعوة تضمنت تقديم تنازلات من أهمها استبعاد مشاركة اللاجئين من الشتات في عضوية الوفد الفلسطيني-الأردني والمشاركة في المؤتمر على أساس القرارين 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، من دون أي ذكر للقرار 194 أو التأكيد عليه بوصفه المرجعية السياسية والقانونية الأساسية لقضية اللاجئين وحق العودة، وقد جاءت هذه الخطوة ضمن ما عرفته قيادة المنظمة بسياسة التكيُّف.
ويقرر موعد أن لاتفاقية أوسلو آثارا سلبية على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في محاولة لإلغاء هذا الحق من خلال تحويل جوهر القضية إلى مشكلة لاجئين بحاجة لمساعدات إنسانية، في تغاض عن القضية الفعلية والمتمثلة في لاجئين يسعون للحصول على لى حق عودتهم إلى وطنهم الأصلي.
فلسطينيو الداخل يتجاوزون اليهود
ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقرير له بنهاية عام 2014 أن المجتمع الفلسطيني في أراضي 48 مجتمع فتي وأن خصوبة الفلسطينيين أعلى من خصوبة اليهود، مما يشير إلى أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية سيتخطى عدد اليهود عبر الزمن.
وقد وصل عـدد الفلسطينيين في الداخل حوالي 1.46 مليون فلسطيني نهاية العام 2014، وبلغت نسبة الأفراد دون الخامسة عشرة من العمر حوالي 35.4%، مقابل حوالي 4.3% للأفراد 65 سنة فأكثر.
وأوضح التقرير أن معدل الخصوبة الكلي للمرأة الفلسطينية في إسرائيل 3.4 مولودا وذلك للعام 2013، ويعتبر هذا المعدل مرتفعاً نسبياً قياساً بمعدل الخصوبة في إسرائيل البالغ 3.1 مواليد لكل امرأة لنفس العام، وبلغ متوسط حجم الأسرة الفلسطينية في إسرائيل 4.8 أفراد، وبلغ معدل المواليد العام حوالي 23.5 مولوداً لكل 1000 من السكان.
ويبلغ العدد الإجمالي للفلسطينيين في فلسطين التاريخية حوالي 6.08 مليون نهاية عام 2104، في حين بلغ عدد اليهود 6.10 مليون بناء على تقديرات دائرة الإحصاءات الصهيونية نهاية عام 2013، وسيتساوى عدد السكان الفلسطينيين واليهود مع نهاية عام 2016 حيث سيبلغ ما يقارب 26.4 مليون، وذلك فيما لو بقيت معدلات النمو السائدة حالياً، وستصبح نسبة السكان اليهود حوالي 49.0% من السكان وذلك بحلول نهاية عام 2020 حيث سيصل عددهم إلى نحو 6.87 مليون يهودي مقابل 47.1 مليون فلسطيني.
تغير في النظرة الغربية
لعبت الآلة الإعلامية الغربية طوال العقود الماضية دورا هاما بتغييب الصورة الحقيقية للصراع الفلسطيني الصهيوني.
ولكن، في السنوات الأخيرة بدأت تتكشف خيوط المؤامرة لدى بعض الساسة والشعوب الغربية، وبات من الملموس تعالي أصوات غربية في مناهضة الكيان الصهيوني والتعبير عن حق الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم المغتصبة، عبر المشاركة في الفعاليات والمسيرات الاحتجاجية وصولاً لقوافل العودة.
جون دوغارد، مقرر سابق لدى لأمم المتحدة بحقوق الإنسان في الأرض المحتلة، يعبر عن تغير في النظرة الغربية في مقال نشرته جريدة حق العودة في عددها 38 ويبرر الإجحاف بحق اللاجئين الفلسطينيين، بقوله: إنه “في عام 1948؛ كان كل من قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي غير متطورين، وبالتالي تم الحكم على التطهير العرقي لفلسطين بصورة عامة من خلال مفاهيم سياسية”.
ويضيف دوغارد، جرى ذلك على الرغم من أن محاكمات نورمبيرغ كانت قد انتهت لتوها، وقد جرت محاولة محدودة لتوصيف النكبة الفلسطينية استنادا إلى القانون الجنائي الدولي باعتبارها جريمة ضد الإنسانية أو جريمة إبادة جماعية.
وبأثر رجعي، أو بالعودة للوراء؛ يبدو أن المجتمع الدولي وجد من الصعوبة أن يصدق أن الشعب اليهودي الذي كان للتو خاضعا لجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، يستطيع عن طريق أجهزة المشروع الصهيوني أن يرتكب جرائم مماثلة.
ولكن بعد 62 عاما من النكبة، تغير الوضع، وحدثت تطورات كبيرة على قانون حقوق الإنسان وعلى القانون الجنائي الدولي، وفوق كل ذلك، وجدت بعثة للأمم المتحدة التي قادها قاض وفقيه قانوني يهودي جنوب أفريقي؛ بأن إسرائيل قامت بارتكاب جرائم حرب خطيرة في سياق عدوانها على قطاع غزة في نهاية عام 2008 إلى بداية عام 2009. وبالتالي؛ أصبح المجتمع الدولي أكثر ميلا للحكم على سلوك إسرائيل وفقا لمعايير القانون الدولي الجنائي.
وينهي دوغارد حديثه بقوله: إن من الضروري في مثل هذه الظروف، العودة إلى الوراء للنكبة وإعادة تقييمها والتدقيق في أحداثها وفقا لمعايير القانون الجنائي الدولي، وقد قدم مفكرون مثل إيلان بابيه الحقائق العارية، وقد أصبح لزاما على المحامين والقانونيين دراسة هذه الحقائق وتدقيقها من منظور القانون الجنائي الدولي. نعم، إنها كانت كارثة! ولكن، هل كانت أكثر من ذلك؟ هل كانت حملة إبادة جماعية؟ وهل ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في سياق التطهير العرقي الذي حدث؟ هذه الأسئلة يجب طرحها والإجابة عليها، على حد تعبيره.
المقاومة: العودة حق مقدس
تولي أغلبية اللاجئين الفلسطينيين في بلاد الشتات حركات المقاومة الاهتمام الأبرز لحل قضيتهم، واستعادة حقوقهم المغتصبة، بعد استنفاد كافة سبل القرارات الدولية الاتفاقيات والتسويات التي نحتهم جانباً، ولم تحقق لهم إنجازات تذكر.
من جانبها، لا تتوقف حركات المقاومة الفلسطينية الفاعلة على الساحة عن التذكير بثبوت حق العودة في كل مناسبة وذكرى تاريخية، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 وحققت انتصارات بصد عدوان الكيان الصهيوني والوصول إلى عمقه بمساعدة بعض الفصائل.
في الذكرى التاسعة والثلاثين لذكرى يوم الأرض، جاء في بيان مكتب شؤون اللاجئين التابع لحركة حماس، ان “حق العودة ثابت لا يسقط بالتقادم ولا بالتنازل، ولا يحق لأحد أن يفاوض عليه”.
ودعت الحركة شعبها في فلسطين المحتلة عام 1948 لمواصلة المقاومة ضد كل مخططات المساومة والمهادنة، وجددت في البيان تأكيدها على أن حدود فلسطين من البحر إلى النهر ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش، هي حدود ثابتة وأساسية لشعبنا.
وأوضحت إن :”يوم الأرض الذي جرت أحداثه في قرية سخنين وعدد من القرى، يؤكد على هوية فلسطينيي الداخل تحت الاحتلال، وأنهم لا يمكن أن يتأسرلوا، وأنهم ثابتون باقون بانتظار العائدين”.
وقالت الحركة في بيان لها في ذكرى استشهاد الشيخ أحمد ياسين الحادية 14 كانون أول / ديسمبر 2014 إن “المقاومة بكل أشكالها بما فيها العسكرية حق مشروع لا تراجع عنه لتحرير فلسطين”.
وشددت على أن “أن القدس كاملة لنا، ولا يحق لليهود مجرد التواجد فيها، وكل إجراءات الاحتلال بحقها باطلة ولن يسكت عليها، ولا تنازل عن ذرة تراب منها، مضيفة أن حق العودة حق مقدس ولا يملك أي شخص أو أي جهة إلغاؤه”.
نُشر هذا المقال لأول مرة في شبكة أردن الإخبارية