يبدو أن المدنيين في اليمن غير متفائلين باستمرار الهدنة مع الحوثيين، فأعمال الإغاثة متعثرة بسبب تقاذف الاتهامات بين قوات أنصار الله “الحوثيين” المسيطرة على العاصمة صنعاء وقوات التحالف العربي بقيادة السعودية التي تشن هجمات جوية على معاقل الحوثيين في اليمن، متهمين بعضهم البعض بخرق الهدنة الإنسانية.
الأوضاع الكارثية الإنسانية في اليمن هي التي اضطرت الطرفين إلى القبول بمثل هذه الهدنة، رغم أن كلا الطرفين يبدو غير محبذًا لها وخاصةً من جانب السعودية التي ترى أن الحوثيين يستغلون الهدنة لإعادة التقاط الأنفاس على الأرض، كما أن مقاتليهم يتحركون خلسة في غياب القصف الجوي لاستعادة المدن المحررة بواسطة المقاومة الشعبية عبر الاشتباك معهم.
كما يخشى المدنيون أن تستحوذ جماعة الحوثي بالاشتراك مع قوات الرئيس اليمني المعزول علي عبدالله صالح على كميات المشتقات النفطية من التي وصلت ضمن مواد الإغاثة للشعب اليمني، كما فعلوا مع المخزون النفطي الذي استحوذوا عليه منذ بدء عمليات عاصفة الحزم، واستخدم حصرًا لتزويد قواتهم العسكرية في عملياتهم ضد المقاومة الشعبية الموالية للسعودية.
“سيتارا ألجبين” المتحدثة باسم الصليب الأحمر الدولي في الشرق الأوسط، تؤكد أنه لم يكن هناك أي انقطاع للقتال حتى الآن، رغم الإعلان عن هدنة إنسانية بين أطراف النزاع في اليمن، فمن جانب المدنيين اليمنيين يؤكدون أن عناصر مسلحة من الحوثي تواصل قصف مدينة تعز، وتشتبك مع أفراد المقاومة الشعبية بها، مستغلين هدوء الأجواء في المدنية وخلوها من القصف السعودي المتواصل.
المدينة التي تقع في جنوب غرب اليمن تشهد خرقًا للهدنة يؤثر على حياة المدنيين بالمدينة الذين يقولون أن هذه الهدنة لم تعد عليهم بأي نفع، بل إنها أدت إلى اشتداد القصف الحوثي على المدينة بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة، ويعزي سكان بالمدينة هذا الأمر إلى أنه حين دخلت الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ، لم يجد الحوثيون ما يردعهم من التقدم نحو المدينة وقصفها، خاصةً مع توقف الطيران السعودي عن التحليق في سماء تعز.
سكان تعز لا يشعرون بالأمان نهائيًا بل ازدادت عوامل الخطر على حياتهم مع محاولة مقاتلي الحوثي اقتحام المدينة، فالحوثيون لديهم هدف هو استعادة المدن التي تقع تحت سيطرة المقاومة الشعبية المسلحة بأسلحة خفيفة، وذلك قبيل الإعلان عن انتهاء الهدنة الإنسانية، وهو ما يجعل سكان تعز يصرحون بأنه ليست لديهمم هدنة من الأساس كي تنتهي.
في وسط هذه الحالة التي يعاني منها السكان المحليين خاصةً مع ضعف قدرة المقاومة الشعبية على الأرض بدون وجود الغطاء الجوي السعودي، بات بعضهم ينادي باستكمال العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، فهم يأملون في إعادة السعودية ضرباتها الجوية التي تستهدف معاقل الحوثيين على أطراف مدينتهم، لمحاولة صدهم عن اقتحام المدينة ما سيشكل خطرًا على حياتهم داخل منازلهم، إذ استمرت قوات الحوثيين في الزحف نحوهم.
من جانب المقاومة الشعبية في تعز التي يقودها بعض قادة حزب التجمع اليمني للإصلاح في هذه المناطق فإنهم يؤكدون أن جماعة الحوثي لا تفهم معنى الهدنة، ولن يلتزموا بأي تعهدات، فالإعلام الموالي لقوات التحالف العربي أكد صراحةً أن الحوثيين انتهكوا الهدنة في تعز مع استمرار القتال هناك.
بينما يشير متابعون للوضع الميداني في اليمن عقب الهدنة بقولهم أن هذه الهدنة ستكون في مصلحة الحوثيين لا شك، إذا لم تتحرك قوات التحالف العربي لإنجاز تدخلًا بريًا في أقرب وقت خاصةً في المناطق المحاصرة مثل الحديدة وتعز وعدن وحضرموت، بالإضافة لتحرير الموانئ وخلق مدن آمنة للسكان، لأن قدرات المقاومة الشعبية عاجزة عن صد قوات الحوثي في هذه الفترات التي توقفت فيها الغارات الجوية التي تحد من قدارت الحوثيين.
وعلى صعيدٍ، آخر أعلنت قيادة التحالف لعملية “إعادة الأمل” أنه منذ دخول الهدنة الإنسانية في اليمن حيز التنفيذ ، يستمر مقاتلو الحوثي في خرقها رغم كل التحذيرات الموجهة إليهم، فيما أكدت قيادة التحالف العربي حرصها على إنجاح الهدنة رغم كل هذه الخروقات الحوثية، وقالت إنها ستتخذ الإجراءات المناسبة في ذات الوقت لردع الحوثيين.
وبعيدًا عن تعز كانت محافظة الضالع جنوبي البلاد، ثاني مسرح لخرق الهدنة، حيث قصفت دبابات الحوثيين مواقع للمقاومة الجنوبية، كما شنوا حملة اعتقالات على مناهضين لهم في مديرية سناح، حسب ما ذكره سكان محليون لوكالة الأناضول.
كما سجلت قوات التحالف العربي خروقات في محافظة “أبين”، حيث قام اللواء ١٥ مشاة الموالي للرئيس المخلوع “على عبد الله صالح”، والحوثيين، بقصف تجمعات للمقاومة الشعبية في مديرية زنجبار بالمدفعية الثقيلة وحركوا تعزيزات عسكرية باتجاه محافظة عدن، جنوبي البلاد.
وكذلك كان الأمر في محافظتي مأرب والجوف شرقي البلاد، حيث لم تخل هذه المدن من خروقات للهدنة، وما زاد في الأمر من سوء واستفز السعودية أكثر هو الخروقات الحوثية على الجبهة الحدودية مع اليمن، إذ أكدت مصادر بالتحالف العربي أن الحوثيين أعادوا التمركز في المناطق الجبلية الحدودية وقاموا بإطلاق قذائف هاون باتجاه الأراضي السعودية، وهو ما توعدت السعودية بالرد عليه.
الحوثيون من جانبهم يتهمون قوات التحالف العربي بقيادة السعودية بخرق الهدنة أيضًا، مؤكدين أن تحركهم على الأرض هو رد على الخروقات السعودية للأجواء اليمنية، حيث أكدت قناة المسيرة التليفزيونية التابعة للحوثيين أن الطائرات الحربية بقيادة السعودية لا تزال تحوم فوق المحافظات اليمنية مختلفة.
الوضع الإنساني أثناء الهدنة لم يختلف كثيرًا عن الوضع الإنساني أثناء العمليات العسكرية، هكذا يرى السكان المحليين، حيث تواصل شبح الحرب تخييمه على المدن اليمنية في أول أيام الهدنة، وبدت الحياة شبة متوقفة في غالبية شوارع المدن المشتعلة بالقتال بين عناصر جماعة الحوثي والمقاومة الشعبية اليمنية، الأمر الذي بدا غير مستغرب حين طالب بعض المدنيين قوات التحالف باستئناف الغارات الجوية لاستهداف معاقل الحوثيين لوقف تمددهم أثناء هذه الهدنة.