تعتبر مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية من أهم التطورات التي برزت على الساحة السياسية التركية في الفترة الماضية، لأن الحركة السياسية الكردية اعتادت في الانتخابات السابقة على ترشيح مستقلين لخوض الانتخابات ومن ثم تشكيل تكتل لهم داخل البرلمان.
ولا تعتبر مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات هو تحول في تمثيل الأكراد داخل الدولة التركية عن طريق مشاركتهم كحزب سياسي شرعي هو الأمر الوحيد الذي يعطي أهمية لهذا الحدث، بل لكون الحزب يضم تشكيلات سياسية متعددة ببرنامج تقدمي يركز على الحريات الفردية إضافة إلى أساسيات القضية الكردية قد يشكل إن فاز كتلة يسارية داخل البرلمان التركي إضافة إلى تأثير فوزه على شكل الحكومة القادمة والدستور الجديد والنظام الرئاسي الذي يطالب به حزب العدالة والتنمية.
كيف تشكل حزب الشعوب الديمقراطي HDP
رغم أن حزب الشعوب الديمقراطي أعلن عن نفسه في مؤتمره التأسيسي في شهر أكتوبر 2012، إلا أن جذور الحزب تمتد إلى ما قبل 2011 من خلال سعي حزب (السلام والديمقراطية BDP) لإيجاد طريق لدخول البرلمان التركي فتم تشكيل ما يعرف ب كتلة العمال والحرية والديمقراطية، ونجحت عن طريق المرشحين المستقلين في تكوين كتلة داخل البرلمان بـ36 برلماني وبعد الانتخابات تحولت الكتلة إلى ما بات يعرف بمؤتمر الشعوب الديمقراطي ( HDK ) وتم إنشاء المؤتمر بناء على توصية من عبدالله أوجلان القائد التاريخي لحزب العمال الكردستاني من سجنه في جزيرة إمرلي في بحر مرمرة، وكان هدف إنشاء المؤتمر هو تحويل الحركة السياسية الكردية إلى حزب سياسي شرعي داخل الدولة التركية ومحاولة التعامل مع القضية التركية على مستوى أعلى من المناطقية لتشمل الساحة التركية كاملة بالتعاون مع أحزاب سياسية أخرى.
و كان مؤتمر الشعوب الديمقراطي قد شمل الكثير من الأقليات ومن بينهم منتمون لأقليات مثل العلويين والأرمن والعرب والسريان والشركس وكذلك شمل المؤتمر الحركة النسوية وتواجد للأحزاب اليسارية والاشتراكية والحركات البيئية وتجمعات المعاقين والمثليين LTGB، وقد شكل هذا المؤتمر فيما بعد حزب الشعوب الديمقراطية الـHDP.
و للابتعاد عن حالة التبعية المطلقة للقضية الكردية، فقد اتبع الحزب نظام المشاركة الرئاسية حيث يشترك في رئاسة الحزب عضوان غالبًا ما ينتميان لاتجاهين مختلفين تعبيرًا عن التحالف، ففي انتخابات الحزب الداخلية في أكتوبر 2013 اُنتخب أورتغول كوركوتش ئيس الشباب الثوري اليساري وصبيحات تونجال – علوية كردية ونائبة سابقة عن حزب السلام والديمقراطية – لرئاسة الحزب.
وفي عام 2014 تم انتخاب صلاح الدين ديمرطاش – عن حزب السلام والديمقراطية الكردي – وفيغان يوكسكداغ عن حزب المظلومين الاشتراكيين لرئاسة الحزب.
خطاب الحزب
ظهر خطاب حزب الشعوب الديمقراطي كأكثر حزب تقدمي من بين الأحزاب الأخرى المشاركة في الانتخابات البرلمانية، حيث اتجه الحزب للتأكيد ليس فقط على حقوق الأكراد أو مسألة الحكم المحلي في المناطق الكردية بل أكد على مسألة الحقوق الأساسية والحريات وحقوق المثليين والعمال والمشاكل البيئة، وفي جانب آخر ومهم هو مسألة المساواة بين الجنسين التي تمتلك بعدًا مهمًا في تكوين الحزب ومن الملاحظ أن قضية المساواة انعكست على لوائح المرشحين حيث يشكل العنصر النسائي 50% من مرشحي الحزب للبرلمان.
وقد اتجه حزب الشعوب الديمقراطية لخوض الانتخابات البرلمانية بعد النتيجة التي حصل عليها ديمرطاش الرئيس المشارك للحزب في الانتخابات الرئيسية والتي حاز فيها على نتيجة 9.8% من أصوات الناخبين، ويحتاج حزب الشعوب الديمقراطي إلى 600 ألف صوت إضافي عن تلك التي حاز عليها ديمرطاش في الانتخابات الرئاسية ليعبر عتبة العشرة في المئة، ويسعى حزب الشعوب الديمقراطي إن فاز لتشكيل حزب يساري معارض داخل البرلمان وليس فقط حزبًا ذي أجندات كردية.
تأثير نجاح الحزب على المشهد السياسي التركي
يعتبر أداء حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية القادمة هاما للغاية، لأن نجاح الحزب قد يكون له تأثير في غاية الأهمية على المشهد السياسي التركي، فحصول حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة 10% أو 72 نائب قد يعني بشكل أو بآخر انهاء حقبة الحزب السياسي الواحد في تركيا ( حزب العدالة والتنمية) ، حيث إن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي قد يؤدي إلى إنتاج حكومة ضعيفة لحزب العدالة والتنمية أو إلى تشكيل حكومة ائتلاف بقيادة حزب العدالة والتنمية، ومن جهة أخرى فإن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي سيكون له تأثير كبير جدًا على مسألة النظام الرئاسي والدستور الجديد لأنه سيمنع حزب العدالة والتنمية من امتلاك النسبة اللازمة لإحداث هذه التغييرات.
ومن جانب آخر فإن انتصار الحزب في تجاوز عتبة العشرة في المئة قد يشكل فصلاً جديدًا للقضية الكردية، إذ إن انخراط الحزب في العملية السياسية عن طريق حزب شرعي له تمثيله الجيد داخل البرلمان قد يؤثر على التكوين السياسي الداخلي للأكراد ويعزز إيمانهم بالحل السلمي ومن جانب آخر سيؤثر بشكل أو بآخر على صناعة القرار في الدولة التركية خصيصا فيما يتعلق بالمسألة الكردية.
الوضع العام لحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات القادمة
يعتبر انتصار حزب الشعوب الديمقراطي في المناطق الكردية ضد حزب العدالة والتنمية من شبه المؤكد وخصوصًا بعد قضية كوباني الأخيرة ونجاح الأكراد في السيطرة على المدينة رغم رفض الحكومة التركية التدخل لصالح الأكراد والاكتفاء بعد فترة طويلة نسبيًا من إدخال قوات بشمركة من كردستان العراق إلى المنطقة.
ولكن تبقى القضية الأساسية في الانتخابات القادمة هي الطريقة التي سيجذب فيها حزب الشعوب الديمقراطي الناخبين سواء من اليساريين أو من الطبقة المتوسطة في المناطق الساحلية خصيصًا إن كانوا سيتخذون موقفًا لدعم الحزب على أساس غير قومي ولكن على أساس أجندة الحزب والموقف السياسي في البلاد لمنع حزب العدالة والتنمية من الحكم منفردًا أو من الإسلاميين الأكراد الذي يصوتون في الغالب لحزب العدالة والتنمية، وخصوصًا بأن الأغلبية من الأتراك اعتادوا خلال الانتخابات السابقة ولعقود طويلة التصويت لأحزاب وسط اليمين.
وقد عبر رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرطاش عن ثقته بكون حزبه قادر على تجاوز عتبة الـ 10% اللازمة لدخول البرلمان وأكد في الوقت نفسه في حديث للصحفيين – حول ما إذا كان فشل الحزب سيعني اللجوء للفوضى أو العنف – بأن الحزب سيتبع الطرق الديمقراطية ويدفع من أجل عقد انتخابات مبكرة والسعي لتقليص عتبة دخول البرلمان، إلا أنه وفي حالة فشل الحزب في الدخول للبرلمان سواء لعدم حصوله على الأصوات الكافية أو لإمكانية التزوير كما يرى بعض مناصري الحزب قد تؤول إلى حالة من عدم الاستقرار التي ربما تشهدها الساحة التركية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.