ما إن يذكر أحدهم اليوم الخلافة الإسلامية ومرادفاتها من المصطلحات والكلمات التي تعبر عن المشروع الإسلامي حتّى تتبادر إلى أذهاننا صورة الأشلاء والدماء وصور التكفير والأحكام بالردة وصور قتال الجماعات الإسلامية بين بعضها البعض وصور التشرذم الحاصل داخل الجسد الإسلامي الواحد، وما إن يذكر أحد منا مشتق من مشتقات الخلافة الإسلامية حتى يصوّر له عقله كل تلك المشاهد على شكل شريط من الصور تغطيه بعض القطرات من الدم المسلم.
بات المشروع الإسلامي اليوم – ومع الأسف الشديد – مرتبطًا إلى حد ما في أذهاننا كمسلمين بمناظر الدماء والأشلاء، بصور التشرذم والفرقة وحتى بصور أحكام التكفير والردة.
ولعل أهم الأسباب التي صنعت هذه الحالة على الساحة الإسلامية والعربية هو ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وكل من يطوف حول محرابه من الجماعات التي تعتبر نفسها إسلامية جهادية، حيث اكتسبت هذه التنظيمات الشهرة والترويج الضخم بفضل الآلة الإعلامية الغربية والعربية المعنية بتسويقها على أنها تنظيمات إسلامية جهادية لأسباب تخدم المصالح الغربية.
الآلة الإعلامية التي سوّقت إجرام هذه الجماعات وممارساتها الشاذة على أنها ممارسات إسلامية جهادية لم تكلف نفسها أن تتحرى صدق هذه الممارسات التي ربما تكون ملفقة لا أصل لها من الصحة لأن تسويق مثل هذه الأخبار يخدم أجنداتها السياسية ويمثل انبطاحها الكامل للمشروع الغربي ضد المشروع الإسلامي.
هذه الآلة لا تعاتب ولا تجادل، وليس لنا أصلًا أن نجادلها لأنها إفراز غربي من مجموعة إفرازات تمثل الحالة الغربية الهستيرية التي تهاب المشروع الإسلامي برمته – ولو لبس أصحاب هذا المشروع العباءة الغربية وتمسّحوا بها وطلبوا البركة منها -.
لكن الغريب في الأمر، أن يسوّق من يدعي أنه مناصر للمشروع الإسلامي هذه الممارسات الشاذة الإجرامية على أنها جزء من الدين الإسلامي بنية نصرة جماعة من الجماعات الإسلامية التي ربما تمارس الطريقة الإجرامية الشاذة التي يبرأ منها الإسلام وتبرأ منها الفطرة البشرية الإنسانية.
هذه الحالة الشاذة المختلة التي وجدت في واقع شاذ مختل في ظروف شاذة مختلة كوّنت تلك الصورة الدموية عن المشروع الإسلامي، بفضل الآلة الإعلامية الغربية – العربية المدلسة بمباركة لمناصرين طغى عليهم الجهل وسيطرت على عقولهم أوهام ظنوا أنها الصواب بقلة علمهم ومعرفتهم بسبب قوقعتهم داخل جماعاتهم والتي أنتجت غلوهم في جماعتهم وغلوهم ضد الجماعات الأخرى التي تعمل في الحقل الإسلامي.
ولعل هذه الفرقة المناصرة لجماعتها بغلو وتطرف وإقصاء لكل من يخالفها كانت أكبر نكسة للجماعة نفسها، وأكبر مثال على ذلك مناصرو تنظيم الدولة الإسلامية – داعش – الآلة الإعلامية العربية والغربية كان لها دور كبير في تشويه التنظيم وصناعته، لكن الدور الأكبر كان لمناصري التنظيم الذين لم يهاجروا للأرض التي تسيطر عليها داعش.
هذه الفئة المناصرة، نقلت أخبار التنظيم كلها عن الإعلام الغربي قبل العربي وحتّى قبل مصادر التنظيم نفسه وبررت له الأخطاء الشرعية والسياسية دون علم شرعي ولا فقه سياسي ولا تقدير لفقه الواقع وكونت حالة من الجهل لحقت بكل أبناء المشروع الإسلامي.
هذه الحالة الداعشية التي كونها الغرب بمساندة عربية بطريقة إعلامية بيد إسلامية مناصرة على أكتاف التنظيمات الإسلامية عكست تلك الصورة الدموية الشاذة المختلة عن المشروع الإسلامي.
اهتم العالم بالداعشية واعتبرها قضيته المركزية، وتغافل عن الداعشية الغربية وممارساتها المجرمة في كل بقاع الأرض، وتغافل هذا العالم عن داعشية ولاية الفقيه وكل من بايعها (ربما إن وصفهم بالداعشية هو ظلم لداعش والحالة الداعشية التي تخجل من ممارساتهم الإجرامية التي فاقت كل التصورات المتوقعة).
لا أعتقد أنه يوجد اليوم في العالم نظام قوي له مكانته ونفوذه لا يمارس الطريقة الداعشية، لكن كل هذه الأنظمة تمارس هذه الطريقة بغطاء يبرره لها العالم، فالديمقراطية غطاء ومحاربة الإرهاب غطاء والليبرالية غطاء والمحافظة على مصالح الشعوب غطاء.
لذلك يسمح العالم للأنظمة النافذة بممارسة الداعشية بكل سهولة دون عرقلات ومعوقات وتضييقات، فإذا جربت أمريكا مثلًا ممارسة الداعشية بغطاء إسلامي، هل سيقف العالم متفرجًا أم سيحاربها؟!