ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
لا يمكن رؤية هذه المعركة ولا حتى تحديد معالمها، لكن يمكن التأكيد أن لها علاقة بالنظام السوري، حيث تتشكل داخل قصور دمشق بهدف السيطرة على جهاز المخابرات السوري، ويتنافس في هذه الحرب كل من بشار الأسد وشقيقه الأصغر ماهر، ومن الواضح أن الخسائر الفادحة التي سجلتها القوات الموالية للنظام السوري، التي فقدت مؤخرًا اثنين من المدن الهامة وهما إدلب وجسر الشغور التي تفتح الطريق إلى منطقة اللاذقية الحيوية للسلطات السورية، كانت وراء هذه التوترات الأخيرة.
أتاحت هذه الحرب داخل النظام السوري لكل من إيران وحليفها حزب الله تعزيز نفوذهما ليس فقط على أرض المعركة ولكن أيضًا على رأس الدولة، فلا بشار الأسد ولا شقيقه ماهر، الذي يرأس الحرس الرئاسي، لهما إمكانية أخذ القرار من دون الرجوع إلى حلفائهم الإيرانيين واللبنانيين.
ومن دون فيلق القدس، وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني والمسؤولة عن التدخل في مناطق النزاع الخارجية، وأيضًا من دون حزب الله اللبناني، فربما يكون النظام السوري قد انهار، ولا تتردد طهران في تأكيد دورها في سوريا وخاصة من خلال تصريحات الجنرال حسين حمداني، قائد قوة التدخل السريع الإيرانية، الذي أعلن في مايو 2014 لوكالة الأنباء الإيرانية فارس أن “بشار الأسد يقوم بالحرب في سوريا بالوكالة”، ولكن ما يظهر حاليًا أن إيران باتت تفضل شقيق الرئيس السوري، على الرغم من أن النظام الإيراني ينوي استغلال هذا النزاع بين الشقيقين.
لماهر الأسد، ذي الشخصية المزاجية والمتشددة، علاقات وطيدة مع حزب الله وبالتالي مع طهران، ونحن نشهد اليوم بناء الخريطة المستقبلية لسوريا، فوفقًا لمعلومات موثوقة، يتجه النظام العلوي الآن لفكرة التخلي عن جزء كبير من الأراضي التي استولت عليها المعارضة مع تركيز قواته على دمشق والمناطق العلوية، وهو ما يعني ساحل البحر الأبيض المتوسط وجبال العلويين، وهكذا سيركز النظام السوري سيطرته على “سوريا المفيدة”.
وبحسب مسؤول سوري فإن “نقطة التحول هي المعركة الأخيرة في حلب التي فشل فيها الموالون للنظام وهو ما أقنع القيادة السورية أنه لم يعد بإمكانها استعادة المناطق السنية، وأنه من الأفضل التركيز على المناطق العلوية، فما الداعي للموت من أجل مدن لن يعيش فيها العلويون، وهكذا يجب تركيز قوات الدفاع على الأرض العلوية بدلاً من المخاطرة وخسارة كل شيء”، ويبدو أن طهران لها نفس وجهة النظر، فالهدف الأساسي لإيران هو أن يكون لها منفذ على ساحل البحر الأبيض المتوسط، لتكون قادرة على تزويد ميليشيات حزب الله، هذا إلى جانب إدراكها بأنها غير قادرة على السيطرة على المناطق السنية.
كما أصبح النزاع السوري مكلف وعلى نحو متزايد بالنسبة للإيرانيين، فقد لقي خمسة جنرالات من الحرس الثوري الإيراني حتفهم في سوريا والعراق، كما دفع حزب الله ثمنًا باهظًا جراء مشاركته في هذا النزاع حيث خسر نحو 600 مقاتل على الجبهة السورية، وفقًا لتقديرات الخبراء الإسرائيليين الذين يتابعون بكل دقة كل ما له علاقة بحزب الله، ويساعد فيلق القدس في هذه الحرب الميليشيات التي انضم إليها الآلاف من المقاتلين من البلدان ذات الأقليات الشيعية أو الهزارة الأفغانية الذين يعملون في إيران، والذين أرغموا على خوض القتال في سوريا.
لكن الهيمنة الإيرانية لا تلقى بالتأكيد كل الدعم من النظام السوري وهو ما تسبب في هذا النزاع الداخلي، وأول الضحايا هم ضباط أول دائرة آمنة، الذين بالرغم من أنهم من السنة، إلا أنهم ظلوا موالين لسلطة العلويين خاصة مع مشاركتهم في سفك دماء السوريين، ويعني تراجع النظام السوري نحو الأراضي العلوية نهايتهم، وفي أحسن الأحوال تهميشهم، وهو ما يجعلهم يعارضون هذا الموقف.
ما يؤكد ذلك ما حصل لعلي مملوك، الذي فقد جميع وظائفه وربما يكون قد وضع تحت الإقامة الجبرية، بالرغم من أنه كان محل ثقة بشار الأسد، ومنسق لأعمال المخابرات، ورئيس مكتب حماية الرئيس، ويعتبر هذا الرجل السني، البالغ من العمر 69 عامًا، واحدًا من الثلاثة أشخاص الرئيسيين في النظام، وسببت الإطاحة به الكثير من الإزعاج في الدوائر الحكومية، ما دفعها لنشر صورة له بمعية كل من بشار الأسد والمسؤول الإيراني علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسیاسة الخارجیة الإيرانية في البرلمان، وذلك لإظهار أن كل شيء على ما يرام بين الجنرالات السنة في النظام وبين الإيرانيين.
وقبل الإطاحة بعلي مملوك، توفي رستم غزالة، أحد أهم شخصيات أجهزة الأمن السورية، ورئيس إدارة الأمن السياسي السوري سابقًا، مسمومًا في عيادة خاصة في دمشق، وذلك يوم 24 أبريل، وقد اقتيد إلى المستشفى بعد تعرضه لتعذيب المخابرات.
وما يجمع كل من غزالة ومملوك، إلى جانب انتمائهما لجهاز المخابرات، عدائهما لهيمنة إيران وحزب الله اللبناني، وهو ما يجعلهما، وخاصة مملوك، محوريين للدول الغربية التي تسعى للتقرب من دمشق، والأهم من كل ذلك، أن مملوك كان الرجل الذي راهنت عليه المخابرات الغربية، وخاصة المخابرات الألمانية والفرنسية عندما كانتا في دمشق في محاولة لاستعادة الحد الأدنى من العلاقات الأمنية، كما أنه استقبل عضو من الوفد البرلماني الفرنسي الذي زار دمشق، وهكذا فإن إزاحته ستمكن طهران من مزيد بسط نفوذها على النظام السوري.
المصدر: صحيفة ليبراسيون الفرنسية