ترجمة وتحرير نون بوست
تستعد أوروبا لمحاولة مساعدة ليبيا على كبح جماح تجارة الإتجار بالبشر المميتة، والتي تخاطر بحياة عشرات آلاف المهاجرين اليائسين الذين يعبرون البحر المتوسط بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا.
لكن سفير الأمم المتحدة في ليبيا، إبراهيم الدباشي، يقول ضمنًا “لا، ليس بهذه السرعة”.
وفي التفاصيل، وضع الأعضاء الأوربيون الأربعة في مجلس الأمن – بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وليتوانيا – مشروع قرار من شأنه منح الأوروبيين صلاحيات واسعة لاستخدام القوة العسكرية للاستيلاء على السفن المشتبه بقيامها بتهريب البشر في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية الليبية، ووفقًا لدبلوماسي مطلع على المشروع، فإن القرار الذي من المتوقع أن يصادق عليه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين في بروكسل، من شأنه أن يسمح أيضًا للقوات الأوروبية بملاحقة المهربين ضمن الأراضي الليبية.
من غير الواضح عدد القوات البحرية الأوروبية المستعدة للمشاركة في الجهود المتضافرة لحظر تهريب البشر في أعالي البحار، كما أن إرسال أي دولة أوروبية لقوات قتالية أرضية إلى ليبيا يبدو سيناريو غير محتمل البتة، بالنظر إلى الحرب الأهلية الدامية التي تمزق ليبيا.
من جهته، فإن الدباشي لم ينتظر لمعرفة التفاصيل، ففي مقابلة مع صحيفة فورين بوليسي، أعرب الدباشي عن تحفظاته العميقة حول الخطة الأوروبية، والتي وصفها بأنها انتهاك للسيادة الليبية، كما عبر عن قلقه أيضًا من قيام القوات الدولية بالقبض على الصيادين الليبيين، مدمرين بذلك قواربهم، وهي المصدر الوحيد لقوتهم ودخلهم، “سيكون من الصعب جدًا التمييز بين قوارب الصيادين وقوارب الاتجار، والنتائج يمكن أن تكون كارثية على الصيادين”، قال الدباشي.
مخاوف السفير هي ترديد للهواجس العامة والخاصة المتعلقة بالخطة الأوروبية، والتي أعربت عنها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، علمًا أن القرار الأوروبي سيصدر بالتعويل على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الفصل الذي يسمح بفرض العقوبات أو يأذن بإجراء عمل عسكري.
القرار الأوروبي، والذي سيتم مشاركته مع الأعضاء الـ 15 في مجلس الأمن في وقت لاحق من هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل، سيسمح للسلطات الأوروبية باعتقال المهربين وتخريب سفنهم، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه سيخول القوى الأجنبية شن هجمات على الأراضي الليبية لضبط أي ممتلكات قد يستخدمها المهربون لتعزيز تجارتهم غير المشروعة.
أكبر المتحمسين لهذه المبادرة هي إيطاليا ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني وهي بدورها إيطالية الجنسية، روما تحملت العبء الأكبر في استيعاب التدفق الهائل لعشرات الآلاف من المهاجرين اليائسين إلى أوروبا، وفي محاولاتها السابقة لوقف مد الهجرة المتصاعد، سعت إيطاليا لحشد الدعم الدولي لقوة دولية تعمل على تحقيق الاستقرار في ليبيا بدعم من الأمم المتحدة، ولكن جميع الجهود المبذولة في هذا المسعى ذهبت أدراج الرياح.
تؤسس القوى الأوروبية حملتها الدبلوماسية لترويج مشروع القرار بناء على الأسباب الإنسانية، إلا أن الدباشي أعرب عن اشتباهه في أن إيطاليا ودول أوروبية أخرى تسعى للحصول على شيك على بياض للقيام بعمليات عسكرية هجومية على الأراضي الليبية والمياه الإقليمية الليبية، وعلّق بحدة على هذا النهج الأوروبي بقوله “إنه يثير مشاكلًا أكثر مما يحل”.
الحملات الدبلوماسية الأوروبية لوقف الهجرة غير المشروعة تحفزت في أعقاب الحوادث الكارثية التي ألمت بالمهاجرين الذين فروا من الاضطرابات في أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا منذ بداية العام الحالي، ففي حادث مروع حدث الشهر المنصرم، غرق قارب يحمل أكثر من 750 مهاجرًا قبالة سواحل صقلية، مما أسفر عن مقتل معظم الركاب.
وقال بيتر ساذرلاند، الممثل الخاص للأمم المتحدة للهجرة الدولية أمام مجلس الأمن يوم الإثنين الماضي “في الـ 130 يومًا الأولى من عام 2015، غرق حوالي 1800 شخص في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهذا الرقم يمثل زيادة تبلغ 20 ضعف عن رقم ذات هذه الفترة من العام الماضي، وإذا استمرت الأمور على هذه الوتيرة، فما بين 10.000 إلى 20.000 مهاجر سوف يهلكون قبل حلول خريف العام الحالي”.
معظم المهاجرين يأتون من مناطق بعيدة مثل أفغانستان وأريتريا والصومال وسورية، حيث يعمل القمع السياسي أو الصراعات طويلة الأمد هناك على تغذية حالات النزوح الجماعي، وأكبر أعداد المهاجرين غير الشرعيين تمر عبر ليبيا، التي تعاني ذاتها من حرب أهلية دموية وطاحنة، وتبلغ أجور التهريب من ليبيا إلى سواحل إيطاليا الجنوبية من 5000 إلى 15.000 دولار أمريكي وفقًا للإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة، ويقول ساذرلاند “هؤلاء المهاجرون يواجهون خطر الموت المتصاعد، ولكن من الواضح أن الظروف التي يفرون منها هي أكثر خطورة”.
الجدير بالذكر أن الحكومات الأوروبية واجهت انتقادات حادة نتيجة لتصاعد عدم إبدائها لأي استجابة إيجابية للحول دون ارتفاع عدد القتلى من المهاجرين، وفي نوفمبر الماضي، أوقف القادة الأوروبيون عملية بحرية إيطالية، يُطلق عليها اسم مير نوستروم “Mare Nostrum”، وهي عملية تتضمن دوريات تنتشر ضمن المياه الدولية بحثًا عن قوارب التهريب، وسعيًا لملاحقة المهربين، ويعود الفضل لهذا البرنامج في إنقاذ آلاف الأرواح، ولكن قادة أوروبا اعتبروا المشروع مكلف للغاية، مما دفعهم لإيقافه واستبداله ببرنامج آخر أقل طموحًا يدعى عملية تريتون “Operation Triton”، وهو برنامج يقتصر انتشاره في حدود الـ21 ميلًا من شواطئ إيطاليا، ويمتلك فقط 6 سفن بدلًا من 32 سفينة كانت مخصصة لبرنامج مير نوستروم، وفقًا لما صرح به ساذرلاند.
تهدف الضغوط الأوروبية الساعية لاستصدار قرار من مجلس الأمن إلى إظهار تجديد العزم الأوروبي على إيجاد الحلول، ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء عن خطة الهجرة الأوروبية الجديدة، التي من شأنها أن تضاعف تمويل العمليات البحرية الأوروبية التي تهدف إلى إنقاذ المهاجرين في البحر حتى ثلاثة أضعاف، وإنشاء نظام محاصصة لتوزيع اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا، وصياغة سياسة أمنية مشتركة تهدف إلى تفكيك شبكات المهربين ومكافحة تهريب البشر.
في 23 أبريل، صادق المجلس الأوروبي على خطة طرحتها موغيريني تهدف إلى بذل جهود منهجية ومتناسقة لتعيين، والتقاط، وتدمير، المراكب قبل أن يتم استخدامها من قِبل المهربين وفقًا للقانون الدولي، وقد واجهت هذه الدعوة الأوروبية لاستخدام القوة بعض التحفظات من الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للصحفيين خلال زيارة للفاتيكان “إن تدمير القوارب بطريقة غير مناسبة، ليست طريقة مناسبة”، كما أعرب عن قلقه من أن تدمير القوارب قد يضر بالاقتصاد المحلي الليبي المتهالك أساسًا.
المسؤولون الروس من جانبهم، سبق لهم وأن عبروا عن أسفهم لدعم قرار مجلس الأمن في عام 2011 الذي مهد الطريق لحلف شمال الأطلسي “الناتو” للإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي، حيث قالوا حينها إنهم تعرضوا للخداع عندما اعتقدوا أن مهمة الناتو تهدف فقط لدرء المذابح الجماعية للمدنيين في ليبيا، وحاليًا لاتزال موسكو متشككة من الخطة الأوروبية الحديثة، حيث صرح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في أواخر الأسبوع الماضي بقوله “نعتقد إنها خطة تشطح بعيدًا بمآربها”.
من جهتها لم تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية الاقتراح الأوروبي علنًا، ولكن في 11 مايو وخلال الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، سألت سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سلسلة من أسئلة محددة حول الخطة الأوروبية، وفقًا لمصادر دبلوماسية لخصت أحداث الجلسة، وكان أحد أهم الأسئلة التي تم طرحها، ما إذا كانت القوة الأوروبية المزمع تأسيسها والتي تهدف إلى إنقاذ المهاجرين إلى أوروبا، قد تشجع فعلًا الأشخاص على الخوض بغمار مغامرة الهجرة المحفوفة بالمخاطر.
باور والدبلوماسيون الأمريكيون الآخرون أثاروا مخاوفًا أيضًا حول حكمة الاعتماد على قرار مدعوم بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث تخشى واشنطن أن تستخدم الحكومات في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك أسيا، هذه الرخصة باستخدام القوة العسكرية ضد المهاجرين الخارجين من بلدانهم.
ومع ذلك، يشتبه بعض الدبلوماسيين أن الولايات المتحدة غير مستعدة لرؤية مجلس الأمن يتدخل لمعالجة قضايا الهجرة، لأنها لا تريد تشكيل سابقة يمكن للحكومات الأخرى الاعتماد عليها لحث المجلس على النظر في سياسات الهجرة الأمريكية.
وفي حديثها أمام مجلس الأمن يوم 11 مايو، سعت موغريني لتهميش الطبيعة العسكرية للقرار الأوروبي، موضحة أن أوروبا لا تعتزم إرسال قوة تدخل على الأرض الليبية، ومؤكدة لأعضاء المجلس أن الجهود الأوروبية لا تسعى لإجبار اللاجئين على البقاء في ليبيا، حيث يواجه العديد منهم ظروفًا قاسية للغاية، حيث قالت “اسمحوا لي أن أؤكد لكم بصراحة أن أي لاجئ أو مهاجر يتم توقيفه في البحر لن يتم إعادته رغمًا عن إرادته، وحقوق هؤلاء بموجب اتفاقيات جنيف سيتم مراعاتها بالكامل”.
وفي ذات الجلسة المغلقة، سعى مسؤول أمريكي للتوسع في تصريحات باورز، حينما طالب بضمانات تؤكد أن العقوبات التي سيتم فرضها على المهربين وممتلكاتهم، ستتجنب وضع المهاجرين في مزيد من الخطر، ولكن ذات المسؤول – الذي طلب عدم نشر اسمه – عبّر عن دعم بلاده للجهود الأوروبية بقوله “نحن ندعم جهود أوروبا لاتباع نهج شامل لتسوية تحديات الهجرة ونؤكد عليه، ويجب أن يتضمن هذا الحل المستدام عناصرًا لتوسيع عمليات البحث والإنقاذ، وزيادة السبل القانونية للهجرة، وتوفير الحماية للاجئين، ومساعدة بلدان العبور لإدارة المهاجرين واللاجئين بشكل أكثر إنسانية، بالإضافة إلى تضييق الخناق على المهربين”.
في خضم جميع هذا، يسعى المسؤولون الأوروبيون لإقناع قادة ليبيا بإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تمنح بموجبها موافقتها للقيام بالأعمال الجديدة، ولكن أي جهد لتأمين الدعم الليبي سيلقى تعقيدات كبيرة بسبب حقيقة وجود فصيلين متناحرين في ليبيا – الحكومة المعترف بها دوليًا ومقرها في مدينة طبرق، وائتلاف ميليشيا الإسلاميين المقاتلين ومقره في مصراتة – والطرفان يخوضان حاليًا حربًا أهلية دامية، لذا فإن أي قرار لاستخدام القوة سيتطلب موافقة رسمية من الحكومة في طبرق، التي فرت من العاصمة الليبية طرابلس في الصيف الماضي، وسيتطلب بذات الوقت موافقة المتمردين الذين يسيطرون حاليًا على طرابلس والعديد من الموانئ الرئيسية في البلاد، ويحذر مسؤولو الأمم المتحدة أن الفشل في تأمين موافقة كلا الطرفين، قد يقوض المحادثات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة والرامية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا.
رغم أن الدباشي لم يستبعد إمكانية موافقة الحكومة الليبية في نهاية المطاف على القرار الأوروبي، بيد أنه وضع شروطًا محتملة لهذه الموافقة لا يمكن الموافقة عليها، حيث قال “إذا كان يتوجب علينا طلب المساعدة، فإننا سنطلب مساعدة مجلس الأمن لبسط سلطة الحكومة الليبية على كامل الأراضي الليبية”، ووفقًا لدبلوماسيين، فإن وضع هذا الشرط كنقطة انطلاق، سيكون متناقضًا مع الجهود التي تسعى إليها الأمم المتحدة والقائمة على التفاوض للوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة، ومع ذلك لايزال المسؤولون الأوروبيون على ثقة من قدرتهم على تأمين الدعم من الأطراف الليبية الأساسية، حيث يقول دبلوماسي من الأمم المتحدة “إننا ندرك ما يفكر به الدباشي، ولكن في المحصلة، إذا أردنا الحصول على طلب من الحكومة الليبية، فإن الرسالة لن يكتبها الدباشي”.
الليبيون ليسوا الوحيدين الذين تساورهم شكوك جدية حول الخطة الأوروبية، “لا أحد يعتقد حقًا أن خطة الاتحاد الأوروبي مقنعة لدرجة كبيرة”، قال ريتشارد غوان، خبير الأمم المتحدة في مركز جامعة نيويورك للتعاون الدولي، وأضاف “هناك عدم وضوح بالكيفية التي سيتم من خلالها تنفيذ هذه العمليات، وهناك الكثير من الخوف من أنها ستنتهي إلى حالة يؤذي فيها الأوروبيون المدنيين الأبرياء، لذا فإن أمانة الأمم المتحدة غير مقتنعة بأنها فكرة جيدة، وبان كي مون غير مقتنع بها أيضًا”.
يشير غوان أن الحكومة الإيطالية أخفقت في حشد الدعم الأوروبي ودعم الأمم المتحدة لنشر قوة لحفظ السلام في ليبيا، وأن هذه الإستراتيجية الجديدة تشكل فرصة لحشد المزيد من الدعم لتحقيق تدخل عسكري في ليبيا، حيث يقول “هذه الإستراتيجية هي في جزء منها استجابة حقيقية لأزمة الهجرة، لكنها بذات الوقت ذريعة لتدخل أوروبي حقيقي في ليبيا”، وأضاف “حتى نكون صادقين، ماتزال هذه الخطة نيئة، وهذا قد يؤدي حقيقة إلى فشلها الذريع، وأظن أن الكثير من الناس يأملون ربما أن تقوم روسيا أو الصين بقتل هذه الخطة في مهدها لحفظ ماء وجه الكثيرين”.
المصدر: فورين بوليسي