كتب توماس فيولر وجو كوتشرين:
ترجمة وتحرير نون بوست
في بحر أندامان قبالة السواحل التايلاندية، شوهد يوم الخميس الماضي زورق صيد خشبي يحمل مئات المهاجرين اليائسين من ميانمار، يسير على غير هدى في المياه ما بين تايلاند وماليزيا، في إطار النزوح الجماعي الذي دفع الآلاف من الأشخاص إلى البحر في الأسابيع الأخيرة مع عدم وجود أي دولة على استعداد لاستقبالهم.
صرخات “الرجاء ساعدونا .. ليس لدينا ماء” ارتفعت من القارب بمجرد اقتراب سفينة تحمل الصحفيين إلى جانبه، وكانت أصوات الاستجداءات التي تقول “من فضلك أعطني ماء” من أكثر الصرخات المسموعة من على ظهر السفينة.
ركاب قارب الصيد الأخضر والأحمر، المتخم بالرجال والنساء والأطفال الذي يجلسون القرفصاء على سطحه، ولا يغطيهم سوى قطع بلاستيكية موضوعة فوق رؤوسهم لحمايتهم من أشعة الشمس، تم رفضهم وإبعادهم يوم الأربعاء الماضي من قِبل السلطات الماليزية، وأشار الركاب أنهم يعيشون على متن القارب منذ ثلاثة أشهر، وأن قبطان السفينة وطاقمها تخلى عنهم قبل ستة أيام، كما توفي حوالي عشرة ركاب أثناء الرحلة، وألقي بجثثهم في البحر.
“أنا جائع جدًا”، قال صبي يبلغ من العمر 15 عامًا اسمه محمد سراج، من غرب ميانمار، وتابع “أرجوكم، ساعدونا بسرعة”.
لم يكن من الواضح مدى المساعدة التي سيحصل عليها ركاب القارب، حين تم تنبيه الجيش التايلاندي إلى وجودهم من قِبل صحيفة نيويورك تايمز، وتبين فيما بعد أن تايلاند قدمت بعض الماء والطعام لهم يوم الخميس، ثم ساعدت القارب على الابتعاد إلى عمق البحر في وقت مبكر من يوم الجمعة، وفقًا لحاكم محافظة ساتون ديتشارت سيمسيري.
محنة القارب تبرز كمثال ساطع عن أزمة الهجرة التي تعصف بالمنطقة، حيث تقدر الأعداد ما بين 6000 إلى 20.000 مهاجر يعيشون في البحر هربًا من الاضطهاد العرقي في ميانمار والفقر في بنغلاديش، وفي خضم هذه الأزمة تتبادل البلدان الاتهامات ما بين بعضها البعض، وترفض تحمل المسؤولية عن هؤلاء المهاجرين.
يُعتقد أن معظم هؤلاء المهاجرين كانوا متوجهين إلى ماليزيا، ولكن بعد وصول أكثر من 1500 مهاجر إلى الشواطئ الماليزية والإندونيسية في الأسبوع الماضي، أعلن كلا البلدين عن عزمهما بإبعاد أي قوارب أخرى تحمل مهاجرين.
كما لم يقم المسؤولون التايلانديون بصياغة أي سياسة رسمية لمعالجة أزمة المهاجرين منذ بدايتها، سوى عقد مؤتمر إقليمي لمناقشة المشكلة هذا الشهر، وأشار قائد السفينة البحرية التي اجتمعت بقارب المهاجرين قبالة السواحل التايلاندية يوم الخميس، الملازم فيرابونج ناكبراسيت، أن القارب دخل إلى المياه الإقليمية التايلدنية بطريقة غير مشروعة.
ويوم الثلاثاء الماضي قامت البحرية الإندونيسية بإبعاد قارب يحمل آلاف الركاب وحثتهم على الاتجاه نحو ماليزيا، في حين قامت السلطات الماليزية بإبعاد قاربين يحملان ما مجموعه 800 راكب على الأقل يوم الأربعاء.
وقال جو لوري المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة في بانكوك “ما يجري الآن هو لعبة بينغ بونغ، إنها لعبة تراشق بحياة البشر، ولكن ما هي نهاية هذه اللعبة؟ أنا لا أريد أن أكون دراميًا أكثر من اللازم، ولكن إذا لم يتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص واستقبالهم في أحد الشواطئ في وقت قريب، فنحن سنحصل على قارب مليء بالجثث”.
كما صرّح جيفري سافاج، وهو ضابط حماية كبير يعمل في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “لقد طلب مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من حكومات المنطقة القيام بعمليات البحث والإنقاذ ولكن دون جدوى”، وأضاف “إنها كارثة إنسانية محتملة، فالعديد من المهاجرين يتم التخلي عنهم من قِبل المهربين، ويتم تركهم مع قليل من الطعام أو الماء”.
وقال كبير المتحدثين باسم الجيش الأندونيسي، اللواء فؤاد بايسا يوم الخميس “إن الجيش سوف يبعد أي قارب سيدخل إلى المياه الإندونيسية من دون إذن، بما في ذلك لاجئي القوارب مثل الروهينجا”، وبعد إبعاد ماليزيا لقارب يضم حوالي 500 شخص قبالة جزيرة بينانج يوم الأربعاء، قال نائب وزير الداخلية وان جنيدي لوكالة الأسوشيتد برس “ماذا تتوقعون منا أن نفعل؟ لقد كنا لطفاء للغاية مع الأشخاص الذين اقتحموا حدودنا، وعاملناهم بإنسانية، لكن لا يمكنهم أن يتخموا شواطئنا بهذا الشكل، علينا أن نرسل رسالة واضحة إنهم ليسوا موضع ترحيب هنا”.
فر عشرات الآلاف من الروهينجا – وهي مجموعة عرقية مسلمة بلا جنسية – من ميانمار على مدى السنوات القليلة الماضية هربًا من الاضطهادات العرقية، وأغلب الفارين اتجهوا نحو ماليزيا أو بنغلادش، لكن النزوح الجماعي الذي حصل على مدى الأسابيع القليلة الماضية، يبدو أنه قد فاجأ الجميع.
تشير كريس ليوا منسقة مشروع أراكان – وهي جماعة لحقوق الانسان تراقب تحولات الهجرة في بحر أندامان – إلى عدم وجود سبب معين لارتفاع حالات الهجرة من ميانمار وبنغلاديش بالنسبة للسكان العاديين، أما بالنسبة للروهينجا، فإن ازدياد الهجرة ناجم عن تراكم النكسات والخسائر، كما توضح ليوا، بما في ذلك تشديد تصاريح الصيد، مما أضرّ بالجماعة ماليًا وغذائيًا، وإصرار الحكومة أن مليون شخص من سكان الروهينجا ليسوا مواطنين ولا يتمتعون بحقوق المواطنة، وأضافت “إنها مجموعة من العوامل، فحياتهم تتحول من السيء إلى الأسوأ”.
وجود الكثير من المهاجرين حاليًا ضمن البحر في وقت واحد، قد يكون نتيجة غير مقصودة لحملة القمع التايلاندية على تهريب البشر، وذلك بعد اكتشاف مقبرة جماعية هذا الشهر يُعتقد أنها تحتوي على جثث 33 مهاجرًا من بورما وبنغلاديش، حيث داهم مسؤولون عدة مخيمات التهريب في جنوب تايلاند، وتم اتهام العشرات من ضباط الشرطة وعدد من كبار المسؤولين بالتواطؤ في هذه التجارة.
هذه المخيمات كانت عبارة عن محطات طريق، حيث غالبًا ما يتم احتجاز المهاجرين في ظروف شبيهة بالسجن، حتى يتمكنوا من دفع المبالغ المالية المحددة للمهربين لتهريبهم نحو ماليزيا، ورغم سوء الأحوال في هذه المخيمات، إلا أنه من دونها، سيبقى المهاجرون في البحر كما حصل الآن، حيث يخشى المهربون أن يحضروا إلى تايلاند.
“لقد انقطعت أعمال المهربين من خلال الحملة التايلاندية الأخيرة”، قال لوري، وأضاف “المهربون سيعودون إلى تايلاند في النهاية، لأن الإتجار بتهريب البشر تجارة مربحة للغاية، لكنهم ينتظرون الآن”.
وقالت ليوا “يدفع المهاجرون عمومًا حوالي 1800 دولار لكل فرد لتهريبهم إلى ماليزيا، جنبًا إلى جنب مع وعدهم بالحصول على عمل عند وصولهم”، ولكن كثيرًا من هؤلاء المهاجرين يتم استغلالهم على طول طريق التهريب لزيادة مدفوعاتهم، وكثيرون منهم أيضًا لا يصلوا إلى ماليزيا، البلد المسلم الذي سمح – ضمنيًا – حتى وقت قريب بالهجرة المستترة للمسلمين من ميانمار وبنغلاديش.
المقابلات التي أجريناها يوم الأحد مع الركاب على متن القارب الذي جرفته المياه إلى الطرف الشمالي من جزيرة سومطرة التابعة لإندونيسيا، قدمت لنا لمحة عن الظروف القاسية التي يواجهها هؤلاء الأشخاص في البحر، واليأس التي دفع بهم للتجرؤ والخوض بغمار هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
يشير الركاب أنهم اضطروا للانتظار على متن القارب لمدة شهور قبل أن يبحر، لأن المهربين كانوا ينتظرون حتى تعبئة القارب بكامل قدرته بالركاب “الزبائن”، والكثير منهم اضطر للجلوس في وضعة القرفصاء بمسافة لا تزيد عن شبر واحد من الشخص الذي بجانبهم، وكل يوم كان يتم إطعامهم حفنة من الأرز والمعكرونة وكمية قليلة من الماء، ومرحاضهم كان عبارة عن حفرة في أرضية القارب مفتوحة مباشرة على المحيط.
الركاب كانوا يصلّون أو يتحدثون همسًا، ويكسر هدوء هذه التمتمات، الأصوات العرضية القادمة من الركاب الآخرين الذين يتقيؤن نتيجة لدوار البحر، “لم يكن هناك غناء، بل بكاء فقط”، قال محمد كاشيم من بنغلاديش وهو رجل يبلغ 44 عامًا.
وبعد رحلة بحرية استمرت سبعة أيام، توقف ربان القارب التايلاندي فجأة في عرض البحر، وفي اليوم التالي، وصل مسلحون على متن قارب سريع، وصعدوا لسرقة أشياء المهاجرين الثمينة، وهرب القبطان والطاقم معهم، وتركوا السفينة في عرض البحر.
يشير محمد هاشم 25 عامًا وهو روهينجا من ولاية راخين، أن مخاطر السفر في سفينة خشبية متهالكة مع القليل من الطعام أو الماء، أقل خطرًا من تلك التي تواجه من تبقى في ميانمار، وأضاف “نحن كنا ندرك أننا مقدمون على خطر لا محالة، ولكن لم يكن لدينا أي وسيلة أخرى، فنحن كنا نعيش في بلد أشد خطورة من البحر”.
ولكن ركاب هذا القارب كانوا محظوظين، فبعد يوم من هذه الحادثة، رسى بهم القارب على الأراضي الإندونيسية، التي تتبع سياسة عدم إعادة السفن بعد أن تصل إلى اليابسة، وبذلك فإن ركاب القارب الـ 584، بما في ذلك 59 طفلًا و86 إمرأةً، ستتاح لهم الفرصة لطلب اللجوء من وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهي عملية من المتوقع أن تستغرق شهورًا، وفي الوقت الحالي، يقيم هؤلاء في مجمع حكومي في إقليم آتشيه، حيث ينامون على أرضيات خرسانية، ولكن لديهم بطانيات ومواد غذائية ومياه.
يوضح سافاج من الأمم المتحدة أن الروهينجا عديمي الجنسية سيكون لديهم حظوظ كبيرة في قبولهم كلاجئين، ولكن القادمين من بنغلادش البالغ عددهم 208 شخص ضمن هذه المجموعة، من المحتمل أن يعتبروا مهاجرين لأسباب اقتصادية، مما لا يعطيهم الحق في العمل في إندونيسيا، وسوف يكون لديهم الخيار في نهاية المطاف بالعودة إلى ديارهم.
ولكن بالنسبة لمحمد جهانكير حسين، وهو بنغلاديشي يبلغ من العمر 32 عامًا، العودة إلى الوطن ليست خيار، فوالده باع المنزل والأراضي الزراعية لتجميع مبلغ 3250 دولارًا ليدفعها ثمنًا للرحلة والعمل الذي وُعد به في ماليزيا، حيث يقول “إذا منعتنا الحكومة الإندونيسية من العمل، فجميع الرجال هنا سيقولون دعونا نعمل في بلد آخر، لن نعود إلى الوطن لأنه لم يعد لنا شيء هناك”.
وردًا على سؤالنا حول مستقبله، لوّح بذراعيه باتجاه تجمع للمهاجرين من حوله، وأشار إلى البناء الذي يقطن فيه وقال “هذا هو مستقبلي”.
المصدر: نيويورك تايمز