ترجمة من الفرنسة وتحرير نون بوست
أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أنه سيقوم قريبًا بزيارة إلى الجزائر، بعد زيارة وزير خارجيته، لوران فابيوس، الذي دشن الثلاثاء الماضي مصنع فرنسي – جزائري للترام في مدينة عنابة شمال شرق الجزائر، كما تم التوقيع على أربع اتفاقيات شراكة اقتصادية.
وسنقوم بتقييم العلاقات بين البلدين من خلال اللقاء الذي جمع صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية مع لويس مارتينيز، المتخصص في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، في مركز الدراسات والبحوث الدولية بباريس.
لا تريبيون: نحن نشهد تعزيز للعلاقات بين الجزائر وفرنسا، هل ذلك بدافع المصلحة الاقتصادية فقط؟
لويس مارتينيز: هناك بالفعل رغبة من جانب الرئيس الفرنسي لتعزيز العلاقات الاقتصادية الفرنسية الجزائرية، ولكن الأهم من ذلك هو الوضع في منطقة الساحل الذي يجعل هذا التعاون أساسيًا، حيث إن الجزائر تعتبر نقطة العبور لعملية سارفال التي انطلقت سنة 2013، وهي عملية عسكرية فرنسية جارية في مالي، وتهدف إلى التصدي للمتمردين، وقد وفرت الجزائر الدعم اللوجستي في الحرب ضد الإرهاب، هذا التعاون العسكري الذي يعززه حقيقة أن الجزائر لديها نفس التشخيص الفرنسي بشأن التهديد الإرهابي في المنطقة، من شأنه أن يعزز التقارب بين البلدين.
هل الجزائر بحاجة لفرنسا أم العكس؟
خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي، تراجع التعاون بين البلدين لصالح بقية بلدان شمال أفريقيا وخاصة المغرب، أما اليوم مع فرانسوا هولاند، فهناك إرادة سياسية واضحة لإعادة التوازن في العلاقات، وذلك من دون أي شك في صالح فرنسا، التي لم تستفد من الطفرة المالية التي عرفتها الجزائر خلال الخمس عشرة سنة الماضية، فمن الناحية الاقتصادية فإن الجزائر ليست في حاجة إلى فرنسا، فالجزائر شهدت تطورًا كبيرًا على مستوى بنيتها التحتية: المستشفيات والطرق، ولكن بلدان مثل الصين وتركيا هي التي تمكنت من إبرام معظم العقود، وقد أخطأت فرنسا في تقييم احتياجات الاقتصاد الجزائري، حيث اقتصر التبادل التجاري في تصدير المنتجات الاستهلاكية مثل السيارات، وفشلت في التوجه نحو المشاريع الكبرى.
هل نشهد اليوم عودة للتواجد الفرنسي في أفريقيا من خلال العلاقة مع الجزائر أم أننا أمام وضع أفريقي جديد؟
أعتقد أننا قد طوينا صفحة التواجد الفرنسي في أفريقيا، حيث يجب إصلاح الفوضى الدبلوماسية، من خلال التقارب الدبلوماسي في المسائل المشتركة، على غرار مسألة الساحل، ما سيساعد في بناء علاقات مستقرة، لكن، وبالرغم من ذلك هل يمكننا القول بإننا نشهد اليوم نهاية للريبة في العلاقات؟ لا يمكن تأكيد ذلك إلا من خلال حصول فرنسا على صفقات سلاح، ولكن لن يكون ذلك في قادم الأيام، فالجزائر، ثامن مورد للأسلحة، يورد أسلحته في المقام الأول من روسيا، وعلى عكس الألمان أو الإيطاليين، لم تنجح فرنسا في تحديد موقعها في هذا السوق.
هل تعزيز العلاقات الفرنسية الجزائرية سيكون كافيًا لجذب المستثمرين؟
شهدت العلاقات الفرنسية الجزائرية فتورًا في التسعينات، عندما كان الإرهاب يعصف بالبلاد، وخلافًا لما حدث مع المغرب وتونس، لم تكن الجزائر جزءًا من الترتيب الإستراتيجي للدولة الفرنسية ولفترة طويلة، وتدريجيًا فقدت فرنسا صلتها بالجزائر ولم تكن العلاقة مبنية على نظرة استشرافية، على سبيل المثال، فقد قمت بإجراء مشروع بحثي حول الوضع الجزائري بتمويل دنماركي، فكندا والدنمارك يستثمران في مثل هذه المسائل، مع غياب فرنسا! هذا الجهل بالوضع الداخلي الجزائري له تأثير على الصعيد الاقتصادي، لأنه عندما تريد الشركات أو المستثمرين الفرنسيين معرفة ما يدور في السوق الجزائرية، فلن يجدوا سوى رؤية سياسية عفا عليها الزمن، فبقائنا أسرى للماضي بسبب العلاقات التاريخية التي جمعتنا، منعتنا من إنشاء علاقات اقتصادية مباشرة مع الجزائر، وها أننا ندفع عدم الاهتمام الذي مارسناه خلال الخمس عشرة سنة الماضية، ومع ذلك فإن الجزائر يعتبر بلدًا غنيًا، مع نمو اقتصادي قوي، ولديه 179 مليارًا من احتياطيات العملة الصعبة.
ومع ذلك، فإن البلد يواجه صعوبات هامة؛ ارتفاع معدلات البطالة لأكثر من نصف السكان الذين تقل أعمارهم عن 29 عامًا، مع عدم الاستقرار السياسي، الجزائر تواجه هذه الصعوبات منذ ستينات القرن الماضي، ولكن أكثر الصعوبات لها علاقة بالجوانب القانونية والمالية، فالحماية التجارية محدودة للغاية في الجزائر مع عدم تحديث للقطاع المصرفي، فالحكومة، التي هي اليوم تحت الضغط، لا تعمل لأجل الصالح العام، هذا مع إضافة عامل المحسوبية، فمنذ ثلاثين سنة والحكومة تطبق سياسة تهدف إلى الحفاظ على السلم الاجتماعي، علمًا أن الشباب يمكن أن يكون رصيدًا هامًا للمستقبل، ولكن فقط مع إجراء إصلاحات في مجالي الصحة والتعليم، ولكن هذا ليس هو الحال في الجزائر اليوم، إذ يتم الحكم على الشباب بغطرسة في حين يمكنه أن يكون قوة وطنية للتنمية.
تواجه الجزائر تراجع أسعار النفط، هل يعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الجزائري؟
لا، لن يكون لذاك عواقب خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، إلا أنه خلال هذه الفترة سنشهد تراجع لاحتياطيات النقد الأجنبي مع زيادة الديون، وإن لم تقم الجزائر بفعل شيء لتعويض هذه الخسائر، فإن الوضع سيصبح حرجًا للغاية، ويبدو أن الجميع نسي أن الجزائر شهدت فترة إفلاس مالي سنة 1994، ما دفعها لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي.
تم استقبال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، من قِبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال إنه “راض” عن هذا اللقاء، ولكن الوضع الصحي الحرج للرئيس الجزائري، الذي يتولى السلطة منذ عام 1999، والذي يمنعه من الاضطلاع الكامل بمهامه، ألا يعقد تقوية العلاقات بين البلدين؟
منذ بضعة أيام، رأينا فرانسوا هولاند، الذي كان في زيارة إلى كوبا، مع الزعيم الكوبي السابق فيدل كاسترو، وفيما يتعلق بعبد العزيز بوتفليقة، فالجميع يدرك أن دوره رمزي، فمراكز صنع القرار الحقيقية لا تتركز في الرئاسة، من وجهة نظر دبلوماسية، فالوضع الحالي يعتبر واضحًا جدًا، ففرنسا لا تؤدي سياسة دعم لمرحلة انتقالية، بعد بضعة أشهر من انتخابه، زار فرانسوا هولاند الجزائر، وتم التخلي عن ليبيا، لأنه ليست لفرنسا مقاربة أخلاقية ولكن مقاربتها أمنية وواقعية، والدليل على ذلك صفقة بيع الطائرات الفرنسية المقاتلة “رافال” لمصر.
المصدر: صحيفة لا تريبيون الفرنسية