يبدو وأن جماعة الإخوان المسلمين لن تكون وحدها في مواجهة مصير الحظر لدى الدولة المصرية، فقد لحقت بها حركة السادس من أبريل بعد أن قضت محكمة مصرية في السابق بوقف وحظر أنشطتها ، كما أمرت بالتحفظ على مقارها بجميع محافظات الجمهورية، بالرغم من تأييد الحركة في بداية الأمر لتحركات 30 يونيو ومن بعدها من انقلاب الجيش في الثالث من يوليو.
ولكن الحركة نكصت عن التأييد المطلق للسلطة الحالية، ما دفعها للدخول في مواجهة مع الواقع الجديد التي ساهمت في صنعه ولكن هذه المرة ليست كسابقتها في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، فقد تم حظر أنشطة الحركة بحكم قضائي، دفع الحركة لإقامة ذكرى تأسيسها بالتظاهر في الصحراء، في مشهد يرسم صورة واضحة لمصر التي يقودها جنرال عسكري.
فقد سبقت في الحظر جماعة الإخوان المسلمين، التي انقلب الجيش على أحد قياداتها السابقين وهو الرئيس المدني الذي انتخب في العام 2012 ليعزله وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي بعد مرورعام من ولايته، لتدخل الجماعة في مواجهة مفتوحة مع الانقلاب الذي سارع بحظر أنشطتها في سبتمبر من العام 2013.
الأمر طال المجال العام المصري كله، فقانون التظاهر حظر التجمعات والمظاهرات دون إخطار السلطات قبل تنظيمها بثلاثة أيام على الأقل من موعدها، ولوزير الداخلية الحق في أن يقرر منع المظاهرة إذا كانت تشكل “تهديدًا للأمن” من وجهة نظره، كما ينص القانون على استخدام تدريجي للقوة ليبدأ من التحذيرات الشفهية إلى إطلاق الرصاص المطاطي مرورًا بخراطيم المياه والهراوات والغاز المسيل للدموع، هذا القانون هو بمثابة خنق وحظر لحرية الرأي والتعبير في مصر، وقد صدر بشكل فوري لمواجهة موجة التظاهرات المناهضة للسلطات الحالية عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المناوئين للانقلاب العسكري.
هذا القانون لم يطبق على الإسلاميين المعارضين للنظام فقط، فقد ألقت الداخلية القبض على نشطاء محسوبين على التيار المدني أبرزهم علاء عبدالفتاح في القضية المعروفة إعلاميًا بأحداث مجلس الشورى، وتعود أحداث القضية ليوم 26 نوفمبر 2013، عندما نظم عدد من النشطاء وقفة لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى، الذى كان يشهد اجتماعات اللجنة التأسيسة للدستور المعينة بعد الانقلاب العسكري.
هذه الوقفة التى فضتها الشرطة بالقوة وألقت القبض على عدد من المشاركين بها، وقد وجهت النيابة لهم تهمًا عدة من بينها تنظيم مظاهرة بدون ترخيص، وانتهت القضية بالحكم على علاء عبدالفتاح بالسجن 5 سنوات مشددة ومراقبة مثلهم وغرامة قدرها 100 ألف جنيه، ليعلن النظام حظر أنشطة التظاهر نهائيًا على الجميع، حتى من أيدوه في انقلابه.
فعندما يصدر مؤخرًا منذ يوم واحد حكمًا من محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، يقضي بحظر جميع روابط الأولتراس الرياضية على مستوى الجمهورية واعتبارها جماعات إرهابية، يكون هذا بمثابة تأميم للمجال العام بكافة مستوياته السياسية والثقافية والرياضية منه لصالح الدولة والنظام فقط لا غير.
كان رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك الحالي مرتضى منصور قد أقام دعوى مستعجلة لحل روابط الأولتراس وإدراجها كجماعة “إرهابية”، وقدم منصور في الدعوى حافظة مستندات تتهم مجموعات من الأولتراس في أعمال شغب ذكر منها حرق مقر اتحاد الكرة واتهامها بمحاولة اغتيال العامري فاروق وزير الرياضة الأسبق، وكذلك اتهمها باقتحام نادي الزمالك وإصابة عدد من العاملين بالنادي ومحاولة اغتياله شخصيًا.
هذه الاتهامات التي دفعها مرتضى منصور إلى المحكمة، معروف أسبابها الحقيقية، فرابطة الأولتراس الخاصة بمشجعي نادي الزمالك، دخلت في خلاف حاد مع منصور على خلفية العديد من الأحداث آخرها كان “حادثة الدفاع الجوي”، حيث اتهم أولتراس الزمالك مرتضى منصور بتدبير المذبحة بالاشتراك مع الشرطة والتي راح ضحيتها قرابة 40 مشجعًا من مشجعي نادي الزمالك أمام استاد الدفاع الجوي.
كما أن للحكم دوافع سياسية أيضًا، فقد مثلت هذه الكيانات الشبابية وقودًا لتظاهرات عدة مضادة للنظام بجانب كونها روابط رياضية بالأساس، فالهتافات المضادة للداخلية انطلقت من مدرجات التشجيع في الملاعب، حتى ضاقت الداخلية بهم زرعًا وكثرت الصدامات بين الطرفين على مدار السنوات التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقد مثلت حادثة مقتل 74 من مشجعي النادي الأهلي في بورسعيد حجر زواية لازدياد هذا العداء، بعد اتهام رابطة مشجعي النادي الأهلي النظام بقيادة المجلس العسكري حينها، بالضلوع في هذه المجزرة، كما حاولت بعض أبواق النظام الإعلامية ترديد شائعات تربط بين هذه الكيانات وجماعة الإخوان المسلمين لإيجاد مبرر لقمعها والتنكيل بها.
حيثيات الحكم لم تختلف عن أي حيثيات أخرى لكلمة الحظر التي يتسخدمها النظام عبر القضاء لتبرير قمع أي تجمعات معارضة، فقد أرجعت المحكمة قرار الحظر إلى عدم وجود كيان قانونى للأولتراس فضلاً عن اتهامها بالتورط في العديد من أعمال الشغب واتهامها في قضايا شروع في قتل وتحولها من رابطة رياضية إلى العمل في السياسة، وذلك بدعوى انتماء مؤسسيها لجماعة الإخوان المسلمين، الحيثيات نفسها لم تختلف كثيرًا حين حظرت الدولة حركة 6 أبريل بعد اتهامها بنشر الفوضى وتهديد الأمن الوطني، كذلك لم يختلف الحال عن مبررات حظر جماعة الإخوان المسلمين.
فالنظام المصري يساوي بين مشجعي كرة القدم والحركات السياسية والاجتماعية وكل حراك في المجال العام، مادام ليس على خط التأييد الأعمى لكل ما يقوله أو يفعله النظام، فالآن تتم عسكرة كافة نواحي الحياة المصرية، فمع الاتجاه لمنع جمهور كرة القدم من حضور المباريات لتجنب الاحتكاك بشباب الأولتراس، صدرت تصريحات من الدولة أن ثمة جمهور سيحضر ولكنه من المجندين التابعين للقوات المسلحة، فكل ملمح من ملامح الحياة المدينة سوف يتم الاستيعاض عنه بالزي العسكري، لأن تشجيع كرة القدم من وجهة نظر النظام أصبح خطرًا على الأمن العام، ومن يشجع الكرة أصبح ناشرًا للفوضى يجب حظره، ووصمه بالإرهاب إذا لزم الأمر.
فالآن بات محظورًا عليك انتقاد الرئيس العسكري في الصحف والا واجهت صحيفتك الحظر، ولا تستطيع أن تنزل في الشوارع لتعبر عن رأيك فالتظاهر محظور، وبالتأكيد لن تتمكن ممارسة أي نشاط سياسي دون أن تأخذ الإذن من الدوائر الأمنية للنظام، وستجبر أن تسير في فلك النظام وإلا واجهت مصير الحظر، وإذا مللت من كل ذلك وقررت الذهاب إلى مدرجات كرة القدم، فستجد مجندين يجلسون مكانك ويؤدون دورك لأن تشجيع كرة القدم بات أيضًا محظورًا على المدنيين في مصر.