يعرف التسويق السياسي على أنه مجموعة من التقنيات والأساليب، تهدف إلى إقناع الناخبين بتقديم الدعم والمساندة لمشروع سياسي أو شخص، فالتسويق السياسي هدفه هو ماذا يريد الناس؟ كيف أصل إلى مجموعة من الأفراد كالشباب؟ ماهي رغباتهم؟ كيف أقنع الناخب؟ كيف يمكن أن أصل للناس بواسائل مختلفة؟
تاريخيًا التسويق التجاري سبق التسويق السياسي، فالأخير أسلوب لإدارة العلاقة التواصلية بين المنتج السياسي (المرشح)، والمستهلك السياسي (الناخب)، ويقوم على ركيزة مهمة جدًا تتمثل في المعرفة الكاملة والدقيقة للشريحة التي نريد التوجه إليها بالخطاب، ناهيك عن كونه علم يساهم في الصناعة الذهنية لدى الناخب بالترويج لفكر وشخصية المرشح.
التسويق السياسي أكثر شمولاً واستمرارية من التسويق الانتخابي، هذا الأخير يكون لفترة معينة أثناء الحملة الانتخابية في حين أن التسويق السياسي يكون قبل وأثناء وبعد الحملة الانتخابية ونجاح المرشح، الاستعمالات الأولى للتسويق السياسي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952 في الانتخابات الرئاسية، حينما نظمت حملة التواصل للمرشح الرئاسي الجمهوري أزنهاور، وبالتالي فقد نشأة تقنيات التواصل السياسي في أمريكا، وعملت من بعد إلى تصديره لمجموعة من الدول كإنجلترا وفرنسا وبلجيكا، فمجموعة من رؤساء العالم مثل أوباما يعتمدون على التسويق السياسي في حملاتهم الانتخابية، في العالم العربي مازال التسويق السياسي في بدايته، في طور التشكيل، عشوائي وغير منتظم، فهو حديث العهد بالدول العربية ولم يستخدم ويوظف بشكل أكثر إلا بعد ما يعرف بالربيع العربي في مجموعة من الدول مثل مصر تونس والمغرب.
من خلال تتبعي لعملية التسويق السياسي في تركيا استنتجت أن ما قام به حزب العدالة والتنمية التركي – أو الحزب الأبيض كما يسمى في تركيا – في السنوات الأخيرة، خصوصا قبل وأثناء وبعد الانتخابات البلدية، البرلمانية أو الرئاسية، أنه خطى خطوة جد متطورة في هذا المجال، ليس فقط مقارنة مع أحزاب العالم العربي بل حتى مع الأحزاب التركية القوية مثل الحزب الجمهوري والحزب القومي، فالتسويق السياسي عند حزب العدالة والتنمية التركي ليس هو التسويق الانتخابي بل أكثر شمولية وفاعلية، فهو يقوم على ركيزة مهمة تتمثل في المعرفة الكاملة والدقيقة للشريحة التي يريد الحزب توجيه الخطاب إليها، حيث يستعمل مفاهيم كلية مثل العدل والحرية والتنمية والاستقرار – هذا المفهوم الأخير كان شعار إحدى حملاته الانتخابية الأخيرة – التي لا خلاف حولها، وينتقل إلى جزئيات وتفاصيل تمس المواطن التركي بشكل مباشر كاستعمال الحزب وقياداته لرموز لابد من استعمالها في تركيا للوصول والاستمرار في السلطة مثل رمز أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، فالحزب يستعين بشركات مختصة في التسويق السياسي بالاعتماد على تقنيات التسويق التجاري مثل الإشهار كاستعمال اللوحات الإشهارية في الشوارع وأيضًا التلفزيون والراديو لدعايا للحزب – هذا الإشهار يسمى بالإشهار السياسي – أو الترويج لأعمال الحزب طوال فترة حكمه بواسطة مجموعة من التقنيات كالتواصل المباشر وجهًا لوجه من خلال توزيع المطويات والكتيبات، أو استخدام المجالات والجرائد والإنترنت خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، أو عن طريق الاتصالات الهاتفية أو إرسال رسائل هاتفية أو إيميلات للتذكير بأنشطة الحزب أو أعماله.
وعلى اعتبار أن التواصل خيار في السياسة وكما يقال “من لا يتواصل يموت أو على وشك الموت”، فالحزب يعتمد في تواصله السياسي على مجموعة من الوسائل لتعزيز الرأي العام أثناء محاولة ولوج السلطة أو أثناء ممارسة السلطة، وبالأخص على كاريزما قياداته خصوصًا رجب طيب أردوغان مؤسس حزب العدالة والتنمية التركي الذي يتميز بشعبية كبيرة داخل تركيا، ويسمى في تركيا بالخطيب لقوة خطاباته وإقناعه للرأي العام التركي خصوصًا في المهرجانات، المؤتمرات والملتقيات الجماهيرية التي تقام على مدار السنة في كل المدن التركية – في هذه الانتخابات البرلمانية التي تسري الآن في تركيا يستعمل الحزب بشكل آكثر رئيس الحزب الحالي داوود أوغلو – فالحزب يستعمل هذه الشخصية كعلامة تجارية للتأثير على اتجاهات وأفكار الجمهور التركي بهدف إقناعه بقوة الحزب وحضوره، وتوظيف خطاباته وكلماته في فيديوهات تسويقية للحزب ولقوته، فالتسويق السياسي عند الحزب الأبيض أو حزب المصباح يكون قبل وبعد نجاح المرشح، بالاعتماد على الإعلام والدعاية السياسية باعتبارهم جزء لا يتجزأ من التسويق السياسي، بالترويج للاسم والشعار وصورة المرشح ثم التعريف ببرنامج الحزب في البرامج الحوارية.
إذًا فالهدف الرئيسي من سياسة التسويق السياسي عند حزب العدالة والتنمية التركي على المدى البعيد هو إطالة حكمه لفترة أطول، وليس فقط كسب الانتخابات لفترة معينة وقصيرة.