قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة أشرف .. قوم ننسى هالزمان ونحلم زمن ألطف ..
هكذا انطلق صوت حامد سنو من المذياع معلنًا عن صرخة شباب في وجه المجتمع العربي واللبناني على الأخص، فمن واقع عبثي تتصاعد موسيقى فرقة “مشروع ليلى”؛ 7 طلاب بالجامعة الأمريكية في بيروت قسم تصميم معماري وتصميم جغرافي، هجروا الهندسة من أجل مشروع ليلة واحدة فأصبح مشروعهم “مشروع ليلى”، فينضح صوتهم من قلب عاصمة مقتسَمة، وجيل ضائع، جيل ما بعد الحرب الأهلية، من حياة المدينة وذاكرتها المثقوبة، وعلاقات إنسانية وعاطفية مهددة في ظل التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع اللبناني، من الفوضى، ومظاهر العنف، من فضاء مستباح تختلط فيه المحظورات بالحريات، وتتناقص الديموقراطية، حامد وهايغ وأمية، وأندريه وفراس وإبراهيم وكارل، خرجوا من حيث يدرون أو لا يدرون ربما عن القطيع، واتخذوا من الأغنية مساحة لفهم الـ “أنا” والآخر وهدم الحواجز وطرح الأسئلة الموجعة، أغنيات مسرحها العالم والذات، ومادتها الحياة اليومية، هل أصبح الحل رومانسيًا أم أن إحساسهم بالخيبة والعجز جعلهم يساكنون الخسارة؟
فرضت الفرقة اللبنانية حضورها بأغنيات تغرف من الحياة اليومية، وتحمل همًا بديلًا، وتتأرجح بين خيبة وتمرد، تبدو الفرقة حائرة بين محاولة استيعاب الواقعية السياسية والانسحاب والمجابهة، ما يعبر عن رد فعل جزء من الشباب اللبناني على الواقع المأزوم، في الخلفية، تتراءى أسئلة المرحلة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأسئلة وجودية وفلسفية، اكتشفنا “مشروع ليلى” عام 2008 في بيروت، يوم أطلق حامد ورفاقه “صرخة” تختزل وجع جيل وشعب، فخلال مهرجان الموسيقى، وهو حدث لبناني سنوي تنظمه بلدية بيروت مما أثار الجدل لكلمات بلا حرج وحاسم على المجتمع اللبناني، وفشل الحب والجنس والسياسة.
طلاب بالجامعة الأمريكية في بيروت، دخلوا معترك الموسيقى البديلة، كأنما اختاروا أن يكون منفاهم داخل الوطن، رددنا كلمات بعض أغنياتهم، كمن يتمرى فيها، وانتقدنا أداءهم وطريقة عزفهم، لكن تظل أغنياتهم تتجاوز البساطة والجرأة والسخرية المرة في بعض أغنيات أسطوانة “الحل رومانسي” وأسطوانتهم الأعمق والموجعة حد النخاع “رقصوك” التي تحمل نفَسًا تجريبيًا، شرقيًا وغربيًا معًا، أسطوانتهم الثورية التي هزت كيان قطاع كبير من الشباب العربي أجهضت الحكومات أحلامهم الثورية.
أعضاء “مشروع ليلى” الآتون من خلفيات موسيقية مختلفة، تنقلوا بسلاسة بين البوب ـ روك والفولك الأوروبي والأمريكي والموسيقى الشرقية، وأظهروا همًا موسيقيًا “نظيفًا”، ما يستحق التوقف عنده، مع أن مشروعهم الموسيقي يكتنف رؤية جديدة ومتعدد الأوجه، فإنه لم يهتدِ إلى ملامحه النهائية، “نتشارك في تأليف التيمات، ونغوص في الارتجال، ثم نشتغل على تشذيب جملنا النغمية وتطويرها”، يقول حامد، عن ألبوم “رقصوك”، ثمة مخزون ثقافي متراكم أتى من ثقافات موسيقية عدة.
أصدرت الفرقة أسطوانتها الأولى عام 2009 تحت اسم “مشروع ليلى” تحتوي على 9 أغنيات أبرزها “فساتين”، “رقصة ليلى” و”شم إلىاسمين”، تناولت هذه الأغاني مواضيع مختلفة من واقع الحياة البيروتي الذي يعيشه أعضاء الفرقة مثلًا: الحب وخيبة الأمل من العلاقات والجنس خارج الزواج والزواج المختلط في أغنية فساتين، وكذلك أغنية شم الياسمين التي تتناول موضوع المثلية الجنسية (الممنوعة في لبنان) التي تتحدث عن شاب يحب شاب آخر الذي يتزوج ويتركه ويخاطبه ليذكره بالعلاقة ويعبر له عن حنينه للماضي وللحب الذي جمعهما يومًا.
وفي عام 2011 أصدرت الفرقة ألبومها الذي أطلق عليه اسم “الحل رومانسي” وهو ألبوم قصير (EP) يحوي 5 أغنيات مكملة للألبوم الأول فخرجَ ألبوم “الحل رومانسي” مُتحمسًا للقضايا الإنسانية، فكان بمثابة “طبطبة” على المواطن العربى المشغول بثورات الربيع العربى آنذاك، حيثُ أهدى الفريق جُملتهم المشهورة “إلى جيل الثورة، قائلين: غدًا يومٌ أفضل”، بالإضافة إلى الأغنيات التي تُعبر عن العالم العربي بأكمله وليس لُبنان فقط، ويظهر ذلك بشده في أغنية “أني منيح” بتحديد في قوله “كان بدي غير العالم، مش عارف كيف العالم غيرني”، كذلك أغنية “الحل رومانسي” تلك التي يعاني فيها شاب من ارتفاع مصاريف الزواج والمعيشة وعدم قدرته على الزواج من الفتاة التي يحبها.
في فبراير 2011 أصدرت الفرقة أغنية “غدًا يوم أفضل” وهي نسخة عربية لأغنية (Clint Eastwood) إهداء إلى جيل الثورة، وفي عام 2013 أصدرت الفرقة ألبومها الأخير وأفضل ألبوم لها على الإطلاق “رقصوك” الذي يُعد صرخة ثورية بعد أزمة الربيع العربي وإجهاض كل أحلام الشباب العربي في التغيير، أبرز أغنياته أغنية “للوطن” التي تتناول أكاذيب الحكومات وسياسة التخدير العقلي للشعوب وترديد الشعارات الرنانة عن المؤامرات التي تتعرض لها البلاد كلما طالب أحد بالتغيير واتباع سياسة التخوين مع كل من يعارض أو يناقش الأوضاع الحالية، وكذلك أغنية “يا بحر” تلك التي نرثي فيها كل من حلم بحياة أفضل في أوربا لكن البحر لم يعطه فرصة فابتلعه في جوفه العميق قبل أن تطأ قدماه البر الآخر، فسلامًا على إخواننا الذين لم يقترفوا خطأ سوى الحلم بحياة أفضل من الحياة، وأغنية “لا تتركني هيك” التي تعد ترجمة للأغنية الفرنسية الرائعة “Ne me quitte pas” التي غناها الأسطورة Jacques Brel، وغنتها من بعده العملاقة Edith Piaff والجميلة Nina Simone بالإضافة إلى أغنيات رومانسية بطابع خاص، مثل أغنية “عبدو” بائع الورد المُنكسر والذي يُحب أرملة حزينة على وفاة زوجها.
أحيت الفرقة حفلات في الخارج وفي الوطن العربي كان أبرزها حفلة القاهرة – مسرح الجنينة في مايو 2011، وحفلتين في جبل القلعة بعمان في نفس العام، رغم إحياء الفرقة لحفلة أخرى في مارس 2013 في القاهرة، وحفلة أخري في أبريل الماضي ضمن مهرجان “london sound” إلا أن حفلة مسرح الجنينة في 2011 تعد الأقوى على الإطلاق بعد ثورة 25 يناير، بعدها جاء ظهورهم مع د. باسم يوسف في برنامجه “البرنامج” والذي زاد من شعبيتهم عند الجمهور المصري كونهم شباب عربي أتي بكلمات وموسيقي مختلفة عما تعودناه من قبل.
إضافة لكلمات الأغاني التي تعبر عن واقع الشباب، فإن الأسلوب الموسيقي الخاص بالفرقة ساهم في نجاحها واستطاع أن يخاطب الشباب بشكل ناجح جدًا، فموسيقاهم عصرية ويمكن إدراجها – على الأغلب – ضمن خانة موسيقى الروك ويميزها دمج آلة الكمان بشكل بارز وتوليفات موسيقية جديدة أخرى مثل إدخال التصفيق إلى الأغاني، كما تحتوي أغنياتهم على بعض الموسيقى التجريبية، بالإضافة إلى أن أغنياتهم تجمع ما بين الموسيقى الصاخبة الراقصة والموسيقى الهادئة، أغنيات الفرقة المشرعة على التنوع والاختلاف، تشكل نواة لموسيقى شبابية عربية في طور التكون، كنتيجة طبيعية لتأثيرات العولمة وما تتيحه من أشكال التلاقح.
لكن عيوب النطق عند حامد (مخارج الحروف تحديدًا) تضعف أداءه في بعض المحطات الغنائية، هل هذا خيار وأسلوب؟ العمل الذي يتأرجح بين البوب والروك والموسيقى الأرمنية والشرقية في ارتباطها بالظواهر الاقتصادية، ومقولات فريديريك أنجلز، وكالعادة هناك علاقة خفية، غير مباشرة بين حامد سنو ورفاقه، وتراث عمر الزعني (1898 ــ 1961)، في ألبوم الحل رومانسي، تأتي أغنية “إم الجاكيت” بمثابة تحية إلى روح الفنان الشعبي اللبناني والمونولوجيست الراحل وتعيد إحياء الفولكلور المديني بما يواكب متطلبات الموسيقى المعاصرة، كما حدث في أغنية “تك تك” فهي أغنية للأطفال لكن الفرقة طورتها ووضعتها في إطار ثوري وله علاقة بالوضع الأمني ببيروت فكانت أغنية “عبوة”، وعن الاقتباس من الأغنيات المصرية، كما حدث في أغنية “عالحاجز” بإضافة مقطع للفنانة وردة الجزائرية من أغنية “بتونس بيك”، صرحَت الفرقة باقتباس جديد في ألبومهم المُقبل مصرحين بأن الألبوم الجديد سيكون به مقطع من أغنية “تخونوه” للفنان عبد الحليم حافظ.
الشباب اللبناني الثائر بموسيقاه الذي يحلم بالغناء على الأراضي السورية ويناقش في أغانيه معاناه الهجرة، الزواج بين الطوائف المُختلفة، العبوات المُتفجرة في الشارع اللبناني، يُعد تجربة تحتل موقعًا متقدمًا على خريطة أغنية الاحتجاج اللبنانية.