ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
لا يمكن للناظر في الشأن الإسرائيلي الآن إلا أن يتأكد من أن كتب التاريخ ستذكر يومًا قدرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على البقاء في الصورة، غير أن ذلك لا يحيل بتاتًا على الإعجاب بأساليبه ولا تقديرها، فالفوز غير المتوقع لحزب الليكود في انتخابات الـ 17 من مارس الماضي تم بفضل الخطاب العنصري الذي تبناه نتنياهو ضد عرب 48 من جهة، وتنكره للالتزامات التي تعهد بها مع الدولة الفلسطينية من جهة أخرى، حيث تمكن رئيس الوزراء من المحافظة على موقعه في السلطة عن طريق اتباع أسلوب ساخر والاستناد على النعرات الأيديولوجية، كما سعى لضمان أغلبية برلمانية من خلال ستة أسابيع من المفاوضات المتواصلة مع اليمين القومي والشق المتطرف مما مكنه من حيازة 61 مقعدًا من أصل 120 في الكنيست.
كما أنه لا يمكن الجزم بعجز الحكومة الإسرائيلية عن الانطلاق الفعلي في العمل والنشاط، حيث يبدو أنها قد بدأت في اقتحام الساحة السياسية المحتقنة دون حصانة واضحة، مسندة عدة مناصب سيادية لشخصيات سياسية أو دينية متطرفة، ولسائل أن يسأل هنا عن مصير البرامج التعليمية بقيادة الزعيم اليميني المتطرف نفتالي بينيت، أو حجم الهجوم الذي ستتعرض له المحكمة العليا المفترض حمايتها للقوانين الأساسية، مع ترأس آيلات شاكيد لوزارة العدل، ناهيك عما سيلحق بما سعت الحكومة السابقة “المعتدلة” عن تحقيقه في ظل التنازلات غير المسبوقة التي نالها الشق المتطرف من قِبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بوادر تسليط عقوبات على إسرائيل
يبدو من خلال هذه المستجدات أن إسرائيل قد أخذت في المضي قدمًا في مسار أثار غضب أقرب أصدقائها الأوروبيين والأمريكيين، فمصدر هذا التقوقع لا ينحصر في الشق اليميني وحده، بل يضم جزءًا كبيرًا من المجتمع الإسرائيلي، ممن اتفقوا على إنكار وتجاهل المسألة الفلسطينية خاصة إثر الوفاق الذي جمع محمود عباس بحماس، حيث أمسى الرهان مرتبطًا بسبل إدارة الوضع الأمني ومواصلة العمليات الاستيطانية بالضفة الغربية عوضًا عن التباحث في سبل التفاوض.
من جهتها، شرعت السلطة الفلسطينية منذ السنة الماضية فيما أطلقت عليه “الانتفاضة الديبلوماسية”، والتي تقوم على مهاجمة إسرائيل سياسيًا وقانونيًا بهدف الطعن في شرعية الاحتلال، في حين يسعى ديبلوماسيون غربيون وعرب للدفع بقرار لدى مجلس الأمن، يمكن من خلاله تحديد معالم حل سلمي وجدول زمني مُلْزِم لا يروق لإسرائيل، يذكر أن المحاولة الأولى كانت قد اصطدمت بمعارضة أمريكية في ديسمبر الماضي، الأمر الذي دفع فرنسا للبحث في سبل إصدار قرار جديد.
هذا وقد كانت فكرة تسليط عقوبات على إسرائيل أو حتى مجرد الضغط عليها من المحرمات في الغرب الذي يعتبرها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وملاذ اليهود الأوروبيين بعد المحرقة، غاضين الطرف عن الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، التي لم تتوان هذه الدولة العبرية المحمية من قِبل الولايات المتحدة عن اعتمادها دون أن تتعرض للمساءلة.
غير أن العالم يشهد اليوم تغيرًا من هذه الناحية، بدأت معالمه تتضح إثر تتالي مبادرات الاعتراف بالدولة الفلسطينية وآخرها إعلان الفاتيكان، ويُتَوَقَّع أن يتم البت في إمكانية تسليط عقوبات على إسرائيل من قِبل أوروبا والولايات المتحدة التي أرجأت تحديد إستراتيجيتها بهذا الخصوص إلى حين انتهائها من المفاوضات مع إيران بشأن ملفها النووي في الـ 30 من يونيو القادم.
المصدر: صحيفة لوموند