أتمت حكومة الحبيب الصيد المائة يوم الأولى من العمل، وهي المهلة التي عادة ما تُمنح للحكومات حتى تنطلق التقييمات في شأنها، وقد نظمت منظمة “أنا يقظ”، وهي منظمة شبابية تسعى لتكريس الشفافية وحق النفاذ إلى المعلومة، بالإضافة إلى مراقبة مردود المسؤولين السامين في الدولة، ندوة صحفية لتعرض تقريرها حول 100 يوم من عمل حكومة الصيد.
منهجية إعداد التقييم
بحسب التقرير الذي اطلع عليه “نون بوست”، قام فريق البحث، المتكون من 6 أفراد، بالعمل على تجميع المعلومات من خلال التواصل المباشر مع الوزارات المعنية وخصوصًا الملحقين الصحفيين، المواقع الرسمية للحكومة والوزارات، الرائد الرسمي، ووسائل الإعلام الرسمية وذات المصداقية.
وفي مرحلة ثانية، يتم التثبت من المعلومة ومن دخولها حيز التنفيذ، من خلال التأكد من وجود قرارات عملية انبثقت عن الوعود (عمل ميداني، مرسوم، اتفاقية، محضر جلسة، مجلس وزاري، مشروع قانون، …) حتى يتم تحيين المؤشرات في الموقع الذي تم تخصيصه لمراقبة إنجازات الحكومة، مقارنة بما التزمت به أمام مجلس الشعب: “الصيد ميتر”.
وتعتمد المنظمة في رصدها أساسًا على وسائل الإعلام كمصدر رئيسي للمتابعة، من خلال رصد ما له علاقة بالبنود المعلنة، فضلًا عما يصدر عن رئاسة الحكومة من تصريحات أو بيانات توضح تحركاتها، كما يتم الاعتماد على رصد رضا الناس عما تم بالفعل على الأرض ومدى انعكاسه على حياتهم.
هذا وقد أشارت المنظمة إلى أن غموض سياسة التواصل للحكومة، غياب طرف تتجمع لديه المعلومة كاملةً حول مدى تقدم عملها، والتفاوت في مدى التفاعل والاستجابة من قِبل مختلف الوزارات، مع عمل المنظمة ومطالبها للنفاذ للمعلومة، بالإضافة إلى ضبابية الوعود وصبغتها الفضفاضة، مثلت عوائق حقيقية لعملها المقدم.
وقال أشرف العوادي، رئيس المنظمة في توطئة التقرير، إن هدف هذه المبادرة ليس التقليل من مجهودات الأشخاص، ولا إبدائهم في مظهر التقصير أو الإخلال، كما أنه لا يتعلق بالنفخ في صورة أشخاص دون غيرهم وإبرازهم في ثوب الأبطال، على حد تعبيره، إنما هي محاولةٌ من المجتمع المدني للقطع مع ثقافة الوعود غير المنجزة، وترسيخ ثقافة المساءلة بين أصحاب القرار، ورأب صدع الثقة بين الدولة والمواطن.
وأضاف العوادي بأنه حان الأوان لأن تُحكم تونس بأناس إن وعدوا صدقوا، والمنظمة، من خلال هذا الموقع، إنما تساعد على دفع المسؤولين إلى عدم الإخلال بوعودهم.
خلاصة التقييم
بحسب موقع الـ”صيد ميتر”، بلغ عدد الوعود الذي قطعها الحبيب الصيد 168، لم ينته إنجاز أي وعد منها حتى الآن، وأغلبها تم تصنيفه في خانة “لم يتحقق بعد”.
وقد تم تقسيم هذه الوعود إلى 6 مجموعات بحسب مجالها، فبالنسبة للإجراءات العاجلة مثلًا، قطع الحبيب الصيد 28 وعدًا؛ 22 منها “جاري تنفيذها”، في حين لم يتم الانطلاق بعد في بقيتها (6 وعود).
ولئن اقتصر تقرير المائة يوم الأولى على وعود “الإجراءات العاجلة”، إلا أنه تم تسجيل تضارب في الأولويات بين رئيس الحكومة ووزرائه، بحسب التقرير الذي خلص بعد دراسة الأولويات المعلنة لكل وزارة على حدة، إلى وجود تشتت واضح بين أولويات كل وزير، وبين الخطوط العريضة التي رسمها الحبيب الصيد لحكومته.
كما تحدث التقرير عن غياب برنامج تأليفي لبرامج الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم، حيث افتقر برنامج الحبيب الصيد لمعالم التأليف بين برامج الأحزاب وحتى التنسيق بين أفراد الائتلاف الحاكم، مما انعكس سلبًا على عمل الحكومة، ومشاريع القوانين التي يقترحها مجلس الوزراء على مجلس النواب (قانون المجلس الأعلى للقضاء لم يحظ بدعم حتى نواب الأحزاب المشاركة في الحكم).
من جهة أخرى، اعتبرت المنظمة أن معظم الوعود التي قطعها رئيس الحكومة كانت فضفاضة، وغير قابلة للإحصاء العلمي، وبأن الحكومة لجأت، تحت الضغط، إلى إطلاق مزيد من الوعود في مواجهة المطلبية المتزايدة، وبأن جل هذه الوعود وصفتها الحكومة بالعاجلة بينما تعتبرها المنظمة صعبة التحقيق في آجال قريبة.
واعتبر التقرير أن السمة العامة للنشاط الحكومي كانت في عدم الالتزام بالآجال التي تم التعهد بها في أكثر من مناسبة، وقدمت في ذلك جملة من الأمثلة من بينها تاريخ 15 مايو كأجل لإصدار الميزانية التكميلية، الزيادة في منحة العائلات المعوزة من 120 دينار إلى 150 دينار قبل نهاية أبريل 2015.
بغض النّظر عن إنجازات الحكومة التي لم ترتق إلى حجم الوعود، بحسب تقرير منظمة “أنا يقظ”، يمكن اعتبار أن تكريس الممارسة الرقابية لأنشطة السلطة التنفيذية يعتبر المكسب الحقيقي الذي بات يميز تونس عن باقي شقيقاتها العربية، ورغم التعثر الذي تتعدد أسبابه، ستساهم الممارسة الديمقراطية، وهذا التقرير أحد تجلياتها، في محاصرة مظاهر التقاعس الذي طالما رافق أنظمة الحكم.