أصدرت الإدارة الملكية الأردنية بيانًا أكدت فيه قبولها لاستقاله وزير الداخلية “حسين المجالي”، وأشارت كذلك إلى إحالة كلٍ من مدير الأمن العام الفريق أول “توفيق الطوالبة”، ومدير قوات الدرك اللواء الركن “أحمد علي السويلميين” إلى التقاعد، وذلك بحسب ما بثه التلفزيون الأردني مساء أمس، فيما تم تكليف نائب مدير الأمن العام اللواء “محمود أبو جمعة” بإدارة الأمن العام بالوكالة.
أرجع رئيس الوزراء الأردني “عبد الله النسور” القرارإلى تقصير إدارة المنظومة الأمنية في التنسيق فيما بينها وعدم قدرتها على معالجة القضايا الأمنية بالمستوى المطلوب، وتابع أن قبول الملك للاستقالة جاء حرصًا منه على: “عدم التهاون مع من تسول له نفسه العبث بالمبادئ التي قامت عليها المملكة المستقرة، أو الاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين الآمنين، أو المحرضين على الفتن”.
وسط تشكيكاتٍ في قرار الاستقالة والحديث عن أن المجالي أقيل بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في الفترة الأخيرة خاصةً في مدينة معان جنوبي المملكة، وخروج احتجاجاتٍ شعبية منددة بممارسات وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في مداهمة واعتقال مواطني معان، وتطور الأمر إلى هدم منازل عدد من المطلوبين، واقتحام الديوان لأحد أكبر قبائل المدينة، خاصةً وأن المجالي كان قد أكد في اجتماعه بالقيادات الأمنية قبل يوم واحد من القرار على استمرار العمليات الأمنية في معان.
فيما تحدث بعض المقربين من السلطة الحاكمة بالأردن عن وصول إنذار ملكي للقيادات الأمنية بضرورة معالجة الأوضاع الأمنية المتأزمة في معان خلال 10 أيام، فيبدو أن الفشل في تلك المهمة وزيادة تأجيج الوضع هو السبب الرئيسي في قرار الإقالة أو الإجبار على الاستقالة، بالتزامن مع سيطرة داعش على مدينة الردمادي بمحافظة الأنبار العراقية الواقعة على الحدود الشرقية للأردن، والحديث عن انتشار لعناصر موالية لتنظيم الدولة في مدينة معان، ما يهدد بوقوع الأردن تحت سيطرة داعش هي الأخرى وهو ما يخشاه النظام.
يعود اشتعال الأحداث في المدينة إلى سرقة سيارة تابعة للمخابرات العامة قبل أكثر من أسبوع وإضرام النيران فيها في أحد الشوارع العامة، بعد رفع علم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مقدمتها، المشهد استفز الأجهزة الأمنية الأردنية التي شنت حملة أمنية موسعة على المدينة لمحاولة القبض على القائمين بتلك العملية.
القبض على 19 من المطلوبين أمنيًا من بينهم منفذي العملية يعد مثال لفرض هيبة الدولة وبسط القانون والنظام العام، كما أوضح الجبالي في بيان سابق له، مشيرًا إلى أن الجهات الأمنية لن تسمح لأي فئة في شتى مناطق المملكة بالتطاول على القانون وسيادته تحت أي ظرف، ولم تكتف القوات الأمنية بهذه التصريحات فحسب، لتستمرالعملية الأمنية في معان على إثر ذلك البيان.
خرجت عدة تظاهرات بالمدينة في الأيام القليلة الماضية خاصةً بعد مقتل شاب عشريني أمام منزله، وشهدت المسيرات اشتباكات موسعة وإطلاق نار كثيف، زادت وتيرتها بعد رفض وزير الداخلية لقاء نواب مدينة معان واكتفائه بالجلوس مع عدد من وجهاء المدينة، الأمر تصاعد بسبب تعنت الوزير حتى طالت الهتافات الملك الأردني والحكومة وجهاز المخابرات، وانصب التركيز في الهتافات على التنديد بسياسات وزير الداخلية القمعية وشبههوه بالجنرال المصري عبدالفتاح السيسي.
تلك التظاهرات لم تقتصر على مدينة معان وحسب، بل خرجت تظاهرات في العاصمة عمان إلى الديوان الملكي على مدار يومين متتاليين، مرددين شعارات تعبر عن الغضب من الحصار الأمني لمدينة معان وآخرى مطالبة بسحب الأمن والدرك من المدينة، كما خرجت تظاهرات بنفس المطالب في محافظتي إربد وجرش، فلم يترك الغضب الشعبي للملك سبيل لإخماد التظاهرات غير قرارالإقالة لمشعلي الأزمة في الأدرن.
المدينة التي تعيش تحت حصار أمني منذ عامين، احتفت بقرار الإقالة الأخير وتفاعلت مع الحدث بفرحة كبيرة، حيث خرج الأهالي بالسيارات لتوزيع الحلوى وأشعلوا الألعاب النارية مرددين الهتافات المرحبة بالقرار، فمطلب قبائل وعشائر المدينة المتكرر بإقالة وزير الداخلية الذين لطالما اتهموه بتأجيج الوضع في المدينة قد تحقق آخيرًا.
ففي العامين الماضيين وقع نحو 15 قتيلًا من الطلاب والعديد من المنتمين للتيار السلفي خلال الحملات الأمنية التي شنتها الداخلية على المدينة، كما تكبدت المحافظة خسائر اقتصادية كبيرة وصلت إلى نحو 80 مليون دينار، بالإضافة إلى خسارة القطاع التجاري نحو 20 مليون دينار بسبب تلك المداهمات، بحسب تصريحاتٍ من رئيس بلدية معان.
شهدت المدينة صدامات كبيرة مع الأجهزة الأمنية الأردنية، كان أبرزها المشاجرة التي وقعت بجامعة الحسين في 2013 التي أوقعت 4 قتلى من صفوف الطلاب، وآخرى التي نشبت في أبريل من العام 2014 على إثر إعلان الداخلية بحثها عن مطلوبين أمنيين، وآخرها مطلع الشهر الجاري التي أوقعت بالقيادات الأمنية خارج اللعبة.
تعيش معان البالغ عدد سكانها نحو 50 ألفًا منذ تأسيس أول مجلس بلدي للمدينة منذ أكثر من 26 عامًا ظروف مزرية، فالميدنة تفتقر لمقومات الحياة الأساسية، وتعيش في أوضاع صعبة وتنتشر البطالة فيها، اتهم وجهائها الحكومة مرارًا بتهميشهم، بالإضافة للسياسة الأمنية المتبعة مع أهالي المدينة.
اضطرت الدولة الأردنية مع تراكم كل هذه الأزمات إلى الوقوع بين مطرقة وسندان، فكانت أسهل القرارات التي ذهب إليها القصر هي إقالة وزير الداخلية لأن البديل كان الدخول في مواجهة أمنية مفتوحة، مع المدينة لم يكن ليحمد عقبها.