في الوقت الذي كان فيه محسن مرزوق القيادي في حزب حركة نداء تونس يحتفل بنصره على حركة النهضة على صفحته الخاصة على الفايسبوك قائلا: “إمضاء النهضة على وثيقة استقالة الحكومة هي انتصار كبير لاعتصام باردو ونساء ورجال تونس الذين أثبتوا طيلة اسابيع أنهم من فصيلة السباع”، كان عبد الحميد الجلاصي القيادي في حزب حركة النهضة يصرح للفضائيات بأن إمضاء النهضة كان مفاده أنها تقبل بالمبادرة كمبدأ للحوار وأنها تقبل بمبدأ استقالة الحكومة دون الالتزام بأي جدول زمني.
وكان الحوار الذي دعت إليه قوى مدنية ونقابية تونسية متوقفا منذ اغتيال السياسي التونسي محمد البراهمي قبل أشهر، وذلك بسبب خلاف حاد بين المعارضة التي يتزعمها حزب حركة نداء تونس وزعيمه الباجي قائد السبسي من جهة وبين الائتلاف الحاكم والذي يتزعمه حزب حركة النهضة وزعيمه راشد الغنوشي، حيث تمثل الخلاف في اصرار المعارضة على أن تقدم الحكومة التي يترأسها علي العريض استقالتها قبل أن يبدأ الحوار، في حين أصر الائتلاف الحاكم على أن الاستقالة الحكومة تكون بعد الانتهاء من الحوار والوصول إلى خارطة طريق توافقية تضمن سلامة ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
ورغم احتفال بعض قيادات المعارضة وأنصارها بنصر حققته، فإن الواقع يقول بأن المعارضة كانت تطالب قبل شهرين بإسقاط المجلس التأسيسي وحل الحكومة وإلغاء كل المؤسسة والهيئات المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي فازت بها حركة النهضة، وكانت أيضا ترفض الجلوس على طاولة الحوار قبل تحقق هذه المطالب، ولكن واقع ما حدث يوم السبت يشير إلى المعارضة قبلت بمواصلة المجلس الوطني التأسيسي لأشغاله إلى حين الانتهاء من كل المهام الموكلة إليه بما في ذلك تنصيب الهيئة المستقلة التي ستنظم وتشرف على الانتخابات القادمة، وقبلت كذلك ببقاء حكومة علي العريض إلى حين انتهاء المجلس الوطني التأسيسي من كل مهامه، وهو الأمر الذي طالب به رئيس الوزراء التونسي علي العريض.
وأما الوثيقة التي أمضت عليها كل الأطراف مساء يوم السبت، فقد كانت محل خلاف منذ لحظة الإعلان عنها صباح ذات اليوم، فالقوى السياسية المنتمية للائتلاف الحاكم والداعمة لموقفه أعلنت عدم علمها بوجود مراسم لإمضاء وثائق في أجندة يوم السبت، الأمر الذي جعل جلسة الحوار تتأجل لساعات، ساعات دارت فيها حوارات ونقاشات مطولة بعضها على وسائل الإعلام وبعضها في قاعات مفتوحة وأخرى مغلقة من مكان إقامة الحوار، لتنتهي في الأخير إلى توافق بين راشد الغنوشي وحسين العباسي (الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أهم الجهات الراعية للحوار)، توافق قال بعده راشد الغنوشي على صفحته الرسمية على فايسبوك: “بعد تأخير بسبب ابتزاز المعارضة في اللحظات الأخيرة، تنطلق الجلسة الأولى للحوار الوطني”.
خلاصة ما جاء في اليوم الأول للحوار الوطني، هو أن كل الأطراف أمضت على وثيقة الحوار، وثيقة تنقسم إلى قسمين، القسم الأول هو مبادئ الحوار، وهي إنهاء المجلس التأسيسي لمهامه بسرعة والاتفاق على رئيس حكومة جديدة وعلى حكومة كفاءات جديدة، على أن تواصل حكومة علي العريض أشغالها إلى حين الانتهاء من الدستور الجديد، وأما القسم الثاني فيتمثل في الجدول الزمني لهذه الخطوات والذي قيدته الوثيقة بأربعة أسابيع.
كلا الطرفين أعلنا قبولهما بمبادئ الحوار، في حين يكمن الخلاف ما بين الائتلاف الحاكم والمعارضة حول الجدول الزمني الذي ترى أحزاب الائتلاف الحاكم أن الاتفاق على الجدول الزمني يجب أن يكون خلال الحوار وليس في أول جلسة له.