ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تعيش مدينة إدلب في سوريا حالة طوارئ، وسط خوف من قصف قوات النظام السوري، وتساقط البراميل المتفجرة، وانقطاع للكهرباء، علاوة على الصعوبة البالغة التي يواجهها المواطنون لعلاج المصابين، فقد سجل مارس الماضي نجاح الثوار في السيطرة على المدينة، مما يعتبر انتصارًا كبيرًا لقواتها الزاحفة نحو الشمال الغربي لسوريا، الذي يشكل منطقة حدودية مع تركيا.
وشهد هذا التحول الميداني انهيار جزء من مدينة إدلب، التي يسعى تحالف قوات المعارضة إلى تسيير المرحلة الانتقالية فيها، حيث أعلن هذا التحالف، المتكون من سبعة ألوية إسلامية بالأساس، عن تقاسمه إدارة المدينة.
هذا ويعتبر الإمساك بزمام عاصمة المحافظة تحديًا هامًا للقوى الثورية المدنية والعسكرية على حد سواء، إذ من شأنه أن يفصح عن أسلوب حكم عناصر جيش الفاتح، وفي هذا الإطار، أشار الصحفي إبراهيم حامدي أصيل إدلب إلى كونها “المرة الأولى التي يتم فيها التوافق على كيفية إدارة المرحلة القادمة، وذلك عبر تأسيس مجلس محلي، يضم ممثلين عن الفصائل المختلفة ويتكون من لجان ثلاث: الخدمات العامة والأمن والشؤون القانونية”.
كما صرح إبراهيم بهيمنة سلفيي أحرار الشام على المشهد؛ نظرًا لتقديمهم لأكبر عدد من المقاتلين في هذه المواجهة المحورية – ما يعادل ضعف عناصر جبهة النصرة -، غير أنهم يطمحون إلى أن يتولى المدنيون تسيير المجلس المحلي، حيث تقتصر مهمة الثوار على السيطرة على الحواجز التي تحيط بالمدينة وحماية أمنها، غير أن الاستهداف المتواصل للبنى التحتية من قِبل طيران نظام بشار الأسد يزيد من صعوبة مهمة المسؤولين الجدد بإدلب، من جهتها، لم تتوان المعارضة بالمنفى، والتي يمثلها الائتلاف السوري، عن تقديم عبارات الدعم والتأييد، كما قامت بإرسال وفد صحي، وسعت إلى إجراء اتصالات مع موظفي القطاع العام الذين لاذوا بالفرار، لإعادة النشاط للإدارة.
ويرى إبراهيم حمدي أن نجاح المرحلة الانتقالية ممكن، خاصة وأنه لم تُسجل انتهاكات منذ دخول الثوار، فضلًا عن الدعم الإقليمي الذي يحظى به الائتلاف من قِبل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، حيث ترغب القوى المعارضة في جعل إدلب مثالًا لفترة حكم ما بعد الأسد، غير أنه تم تسجيل ارتكاب بعض أعمال العنف، كما أفاد مصدر من المعارضة دون توفير تفاصيل، كما تم رصد مقتل اثنين من المواطنين المسيحيين الذي يبلغ عددهم الألفين، على يد مجموعة من المنسوبين للثوار.
يذكر أن محافظة إدلب التي تقع بالقرب من المحور الرابط بين حلب ودمشق، كانت تضم قرابة الـ500 ألف نسمة أغلبهم سنة، غير أن معظمهم غادر المنطقة قبل انطلاق الحملة الميدانية للثوار، في حين غادر أنصار النظام السوري إلى اللاذقية، التي تعتبر معقل بشار الأسد، ليبقى في إدلب ما بين الـ 30 والـ 60 ألف ساكنًا، وأكد أحد ناشطي المنطقة، عمر الإدلبي، كونهم في تزايد مستمر.
ولكن بعض السكان الذين فروا من قصف نظام الأسد يخشون الجماعات المتطرفة، حيث أعرب عدد منهم عن عدم ارتياحهم لتواجد جبهة النصرة بالأنحاء تخوفًا من راديكاليتها، مما دفع الجيش الحر للسعي لطمأنتهم، إذ صرح أحد مستشاريه، أسامة أبو زيد، بأن “هذه المجموعة ليست سوى جزء من جيش الفاتح ولا مجال لها للسيطرة على إدلب”، ومن جهة أخرى أكد أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، على انعدام رغبة عناصره في احتكار السلطة.
هذا وقد صنفت واشنطن الجبهة ضمن الجماعات الإرهابية، حيث كانت قد أعلنت عن نيتها في تأسيس إمارة “إسلامية” سنة 2014، وتعتبر جبهة النصرة عنصرًا هامًا من التحالف الثوري شمال غرب سوريا، إذ إنها تضطلع بدور محوري في المواجهات التي تدور بالمنطقة، لكن ذلك لم يمنع تضاعف المطالبة بانشقاقها عن تنظيم القاعدة.
وفي هذا السياق، أشار زعيم أحرار الشام هاشم الشيخ، إلى تداعيات ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، مصرحًا أن هذه النقطة تعتبر “ذريعة يستغلها المجتمع الدولي لقصف سوريا”، وأكد نائب رئيس التحالف السوري، نغم الغادري، على غياب الدافع الأيديولوجي وراء انضمام السوريين للجبهة، إذ يقتصر هدفهم على محاربة بشار الأسد، قائلًا إن سقوط النظام كفيل بجعلهم يغادرون صفوفها.
الولم يتوقف عدوان نظام بشار الأسد على المنطقة، حيث سُجل يوم السبت الماضي سقوط 48 قتيلًا جراء قصف جوي استهدف محافظة إدلب وما يجاورها.
المصدر: صحيفة لوموند