ترجمة وتحرير نون بوست
في وقت ما في المستقبل القريب، محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر، قد يتم إعدامه شنقًا حتى الموت، وبغض النظر عن كون هذا الأمر يكوّن حالة من الظلم العميق، نظرًا للمحاكمة الصورية والزائفة التي خضع لها، فهناك سبب أكثر إلحاحًا لتجنب تنفيذ حكم الإعدام.
الحملة الواسعة التي تشنها مصر بلا هوادة ضد الإسلاميين، تحت مسميات ومزاعم لا أساس لها من الصحة والتي تشكل خطرًا بجوهرها، أصبحت نبوءة تحقق ذاتها حاليًا، وتنفيذ حكم الإعدام الذي صدر بحق مرسي يوم السبت المنصرم، من شأنه أن يحول رجل الدولة الفاشل السابق إلى شهيد للأمة، كما أنه سيرسل رسالة مؤسفة وغير ضرورية للمصريين الذين اختاروا الابتعاد تاريخيًا عن التشدد والعنف، مفادها أن الطريقة الوحيدة ليتم سماعهم فيها هي عن طريق حمل السلاح.
من الملاحظ تصاعد الهجمات الإرهابية في مصر خلال العامين الماضيين، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت قضاة مؤخرًا، والتي تدلل على أن العنف المسلح يتحول على نحو متزايد إلى رد مقبول؛ فبعد فترة وجيزة من إطلاق الحكم بحق مرسي يوم السبت، تم قتل ثلاثة قضاة رميًا بالرصاص في سيناء، وفي وقت سابق من هذا الشهر، نجا قاضٍ من تفجير وقع خارج منزله في إحدى ضواحي القاهرة.
تم إطلاق حكم الإعدام على مرسي إلى جانب 100 متهم آخر، بعد إدانته بالفرار من السجن خلال الانتفاضة الشعبية التي ضربت البلاد في يناير من عام 2011، وفي ذلك الوقت، كان مرسي زعيم متوسط المستوى في جماعة الإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية التي تعهدت بنبذ سياسة العنف في السبعينيات، وأصبحت القوة السياسية المهيمنة بعد الثورة المصرية، وكان مرسي من بين العشرات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين هربوا من السجن بعد اعتقالهم ظلمًا في الأيام الأولى للثورة.
خلال فترة الديمقراطية القصيرة التي عاشتها مصر إبان ثورة يناير، أثبت قادة جماعة الإخوان المسلمين أنهم ناجحون بشكل ملفت في الحملة الانتخابية، ولكنهم غير بارعين بتاتًا في الحكم، حيث فاز حزب الحرية والعدالة بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الذي تم حله في وقت لاحق من قِبل القضاء، وإثر حملة سياسية شرسة، تولى مرسي دفة الحكم ليصبح أول رئيس منتخب ديمقراطيًا للبلاد، وبعد عام ونيف على توليه الحكم، استغل القادة العسكريون السخط الشعبي المتزايد على حكومة مرسي للإطاحة به من السلطة عن طريق انقلاب عسكري.
ومنذ ذلك الحين، يشن قادة البلاد حملة لا هوادة فيها ضد الإسلاميين، الذين تم الافتراء عليهم من قِبل الصحافة التي يمتلك زمامها النظام المصري، وتم اعتقالهم بشكل عشوائي، ومحاكمتهم بمحاكمات جماعية تفتقر إلى الإجراءات القانونية الواجب مراعتها، وقادت هذه الحملة الشعواء الكثير من المصريين إلى المنفى، كما حرمت البلاد من الأصوات المعتدلة.
“هذه العقوبات هي مظهر آخر من مظاهر الطريقة المقلقة بشكل عميق، التي تعمد إلى استخدم القضاء المصري كأداة لتسوية الخلافات السياسية من خلال أكثر الوسائل قمعًا وشدة” قال عماد شاهين – باحث وأستاذ زائر في جامعة جورج تاون – في بيان له بعد أن حُكم عليه بالإعدام غيابيًا في إطار ذات القضية المرفوعة ضد مرسي، وأضاف قائلًا “الإجراءات القانونية الواجبة الاتباع، وتأسيس الحكم بناء على الأدلة، والحد الأدنى من معايير العدالة، تم تنحيتها جميعًا لصالح الظلم الوحشي”.
وفي ذات القضية تلقت أول امرأة من جماعة الإخوان المسلمين حكمًا بالإعدام، وهي سندس عاصم، امرأة شابة عملت كمنسّقة للإعلام الدولي في مكتب الرئيس المخلوع مرسي، وتسعى الآن للحصول على شهادة من مدرسة بلافاتنيك للسياسات بجامعة أوكسفورد.
المفتي المصري، وهو المرجع الديني الأعلى للمسلمين السنة، يجب أن يوافق على أحكام الإعدام قبل أن يتم تنفيذها، ولكن بجميع الأحوال سيعمل محامو الدفاع على الطعن بالأحكام، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانوا سيحصلون على فرص لأحكام عادلة في نظام محاكم مسيس للغاية ضمن الجمهورية المصرية.
وردًا على صدور الأحكام، دعت جماعة الإخوان المسلمين أتباعها لتصعيد الأنشطة الثورية كل يوم، حتى هزيمة المجلس العسكري، وإسقاط نظام الانقلاب العسكري اللاشرعي، ومن المرجح أن يُفسر بعض أتباع الجماعة هذه الدعوة على أنها حث لهم لمواصلة التظاهر السلمي، رغم أن التظاهر في مصر ما بعد الثورة أصبح نشاطًا محظورًا، أما البعض الآخر فسيحاول قراءة ما بين السطور ليخلص إلى أنها دعوة لحمل السلاح.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تمول الحكومة المصرية بمبلغ 1.3 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية، استجابت لهذه التطورات بفتور متوقع، حيث أشارت في بيان لها أنها “تشعر بقلق بالغ” حيال الأحكام القضائية، علمًا أن على الحكومة الأمريكية أن تكون أكثر اهتمامًا بالعواقب والتداعيات طويلة المدى التي ستنجم عن سياسة قمع الإسلاميين، التي اختارت حتى الآن أن تقف إلى جانبها.
المصدر: نيويورك تايمز