نحن نسمع عن استخدام الأسمنت والطوب والطلاء في البيوت، لكن هل سمعت عن أحد يستخدم الماء في بناء البيت من قبل؟
المهندس المعماري المجري ماتياس جوتاي كان أول شخص في العالم يبني مع صديقه بيتًا باستخدام الماء، بعد سنوات من البحث والتطوير، بمنحة من الاتحاد الأوروبي واعتمادًا على أسس “هندسة السوائل” التي سبق وأجري فيها أبحاثًا مطولة، جوتاي يؤمن أن الماء هو أفضل مادة يمكن استخدامها لإبقاء بيتك دائمًا في درجة حرارة مريحة، وصحيح بأنه لن يستغني عن المواد التقليدية مثل الطوب والأسمنت والجص، إلا أن نظامه هذا يقدم فكرة جديدة تمامًا في الهندسة.
هيكل هذا البيت مصنوع من ألواح الماء وبعض من الصلب والزجاج، ألواح الماء هذه تحوى طبقة من الماء محبوسة بين الطبقات الداخلية للبيت، وهي التي تقوم بجعل الحرارة في بيتك لطيفة ومريحة دائمًا.
عندما تكون هناك حرارة زائدة فإن هذا المنزل يختزنها في أساساته أو في وحدة التخزين الخارجية ليعيد بثها في حوائط منزلك وقت البرد وانخفاض الحرارة، ببساطة، طبقة المياه سوف تسخن أو تبرد بيتك حسبما تريد، ودع فواتير الكهرباء العالية، يمكن لك الآن أن تمتلك بيتًا بلا مكيفات أو مدافئ، لا ميزانية مهددة ولا تلويث للبيئة بانبعاثات الكربون، لا كهرباء ولا فحم، هذا المنزل يعتمد على نفسه ليبقيك مرتاحًا دائمًا.
وقال جوتاي إن الأمر تغير بالنسبة له كمهندس معماري، فبعد أن كانت الديمومة هي هدف المهندس، بالتركيز على صنع شيء يستطيع أن يقاوم الزمن وكل الأشياء الأخرى، أصبح الهدف بالنسبة له التركيز على التكيف مع البيئة المحيطة، كما قال إن المهندسين قد بلغوا أقصى ما يمكن الوصول إليه في الهندسة الصلبة، لكن ماذا عن هندسة السوائل؟
الأمر لم يكن سهلًا، فقد استغرق هذا البحث سبع أو ثماني سنوات متواصلة، فقد بدأ جوتاي في جامعة طوكيو، واستغرق بناء البيت المائي الأول من نوعه في العالم منه ست سنوات كاملة، وكانت هناك مشاكل كثيرة كان عليه أن يجد لها حلًا، مثيرة أسئلة ملحة، كان من أهمها إيجاد حل لمشكلة تجمد طبقة الماء الموجودة في الألواح، أو مشكلة انكسار أحد الألواح.
بالنسبة لمشكلة التجمد فكر جوتاي في خلط الماء بمذيبات طبيعية لا تسبب التلوث، وفي نفس الوقت تخفض درجة حرارة تجمد الماء، كما أضاف عوازل خارجية إضافية تحمي الماء من التجمد.
أما مشكلة انكسار أحد ألواح الماء، فقد صمم مفاصل خاصة تسمح بالتدفق البطيء للماء، لكنها تمنعه إن أصبح سريعًا مثلما يحدث في حالة الانكسار، ما يعني أنها تقوم بفصل الأجزاء الأخرى عن الجزء المكسور بشكل فوري، وهذا النظام الذكي لا يعتمد على الكمبيوتر أو نظام رصد آخر، وإنما يعتمد على ديناميكية السوائل الطبيعية، مما يقلل فرص الفشل.
تعاون جوتاي مع الكثير من الجامعات والشركات المصنعة، للتأكد من أن يصبح بيته هذا قابلًا للحياة في يوم ما، ومع أن النموذج الأولي الذي بناه مايزال صغيرًا لا تتجاوز مساحته ثمانية أمتار مربعة، لكنه يدل على قوة هذه التكنولوجيا الجديدة.
وقال جوتاي، الذي يعمل حاليًا كباحث في جامعة فنج تشيا في تايوان، إن هدفه المستقبلي بهذا البيت أن يقلل استهلاك الطاقة والمواد، وينشر هذه الفكرة، ومع أن إقامة هذه البيوت تكلف أكثر من البيوت التقليدية، إلا إنها تعوض هذه التكلفة بالتوفير العظيم الذي تصنعه؛ باعتمادها على نفسها في مسألة التبريد والتدفئة دون استهلاك للطاقة، كما أن جوتاي يسعى جاهدًا لتقليل هذه التكلفة بالتعاون مع المصانع والشركات في أنحاء أوروبا، آملًا أن يصل إلى اليوم الذي يبلغ فيه زمنًا أنقى، تمتلئ فيه المدن بالبيوت المصنوعة من الماء.