انطلق مؤتمر الرياض في 17 مايو الماضي، – من المفترض – بحضور القوى السياسية اليمنية، لمناقشة الأزمة التي تهدد مستقبل اليمن الموحد، انتهى المؤتمر الذي عُقد تحت الرعاية السعودية التي تعتبر أحد أطراف الأزمة في اليمن، بعدما أطلقت عمليات عسكرية بقيادتها لتحالف عربي لدعم ما أسمته “الشرعية” في اليمن ورفض انقلاب جماعة الحوثي.
المؤتمر الذي لم يحضره الحوثيون خرج بإعلان يُقال أنه “جديد” ولكنه في الحقيقة صيغة مختلفة فقط لنفس مضمون وجهة النظر السعودية في الأمر دونما أن تحمل توصيات المؤتمر حلًا حقيقيًا للأزمة اليمنية، فنفس أهداف “عاصفة الحزم” جاءت هي نفس أهداف الحل السياسي، إذ طالب مؤتمر الرياض، في النهاية بما أسماه”إسقاط الانقلاب”، ومحاسبة الضالعين فيه، وإخراج المليشيات الحوثية من كافة المدن، كما دعا إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، لتأمين المدن اليمنية الرئيسية، إذن فالسعودية تعطي مزيدًا من الشرعية بهذا المؤتمر لتدخلها العسكري في اليمن.
الحوثيون من جانبهم رفضوا حضور المؤتمر من الأساس، كما اتهموا السعودية بـ “محاولة السيطرة على اليمن وقراره”، فيما أكدت قيادات حوثية في تصريحات صحفية أن السعودية مارست ضغوطًا عليهم للمشاركة في مؤتمر الرياض، ورغم ذلك أعلنوا أن مخرجات هذا الحوار غير مقبولة أيًا كانت، ليصبح المؤتمر أحادي الجانب باستبعاد أحد طرفي الأزمة الراهنة في اليمن.
السعودية في هذا المؤتمر أتت بمن أسمتهم القوى السياسية اليمنية والمقاومة الشعبية “حركات مسلحة تابعة لبعض القوى السياسية الموالية للسعودية” للحوار حول المستقبل السياسي في اليمن، لكن حقيقة هذا المؤتمر كانت حول كيفية دعم ما تسميه السعودية “المقاومة الشعبية” على الأرض في مواجهة الحوثي، وذلك لتجنيب السعودية ويلات التدخل البري، بعدما أدركت المملكة أن الاكتفاء بالضربات الجوية على اليمن لن ينتج حسمًا كما أرادوا، في نفس الوقت يعاني حلفاء السعودية على الأرض من ضعف شديد في العتاد أمام الحوثيين الذين يتقدمون على الأرض رغم اشتداد الضربات الجوية المركزة عليهم، وما أحرزوه من تقدم ميداني أثناء الهدنة يوضح أن الضربات الجوية لم تفعل بهم ما تمنته السعودية، وإنما كانت معطل لهم لا أكثر ولا أقل.
فالسعودية في هذا المؤتمر لم تتخل عن رؤيتها للصراع في اليمن، وإنما تريد إعادة ضبطه فقط، بتقوية ذراعها الأرضي في اليمن، عن طريق ما تسميه “إعادة بناء المؤسسة العسكرية” وهي إحدى التوصيات التي انتهى بها المؤتمر، في حين يرى بعض المشاركين في هذا المؤتمر أن مخرجاته لن تكون واقعية بالشكل الكافي في ظل غياب بعض الأطراف التي تقاتل على الأراضي اليمنية، بالرغم من جهود السعودية التي أتت ببعض قيادات حزب علي عبدالله صالح إلى الرياض، رغم اعتراضه على مكان إقامة المؤتمر من الأصل.
بهذا تريد السعودية أن تكون مخرجات هذا المؤتمر القوام الأساسي للورقة التي سيناقشها مؤتمر جنيف القادم بمشاركة الحوثيين، ويكون بمثابة ورقة ضغط عليهم، إذ إن هذه المخرجات هي مجرد دعم أساسي لوجهة نظر السعودية في الأزمة دون أن يأتي المؤتمر بجديد، حتى إنه تردد أن قمة “كامب ديفيد” الأخيرة أعطت الضوء الأخضر لمثل هذا المؤتمر، فالسعودية تريد بهذا أن تذهب إلى جنيف ليس من أجل إيجاد حلول للوضع اليمني، لكن لمناقشة حلها بفرضه على الواقع اليمني مسبقًا.
ووفقًا لما أُعلن عن الملفات الرئيسية التي ناقشها المؤتمر، فقد تحدث الحاضرون عن الملف السياسي وتطبيق قرارت مجلس الأمن بشأن اليمن، والملف الاقتصادي المتمثل بإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب وهو ما لم يتم حتى الآن ولكن السعودية تريد أن تظفر به وحدها للسيطرة على الأوضاع في الداخل، والملف الأمني الذي يشمل كيفية تشكيل جيش يمني وطني لا يدين بالولاء لأشخاص أو فئات، وهو ما قال عنه البعض إنها مجرد شعارات لا مجال لتطبيقها، لأن المستهدف هو تكوين قوات يمينة تخضع لأوامر السعودية في حربها ضد الحوثي.
فيما أكد محللون سياسيون يمنيون أنه لا يوجد شيء يجعل مؤتمر الرياض متميزًا أو يحمل جديدًا بالنسبة لليمن لكونه يحمل لونًا واحدًا من الرؤى مع اختلاف الانتماءات، ولكي تصدر الرياض صورة عنه المؤتمر بأنه سيكون له صدى على أرض الواقع أكدت الهيئة الاستشارية لمؤتمر الرياض، أن هذا المؤتمر ليس مؤتمر للحوار، بل مؤتمر قرارات، وأن اليمنيين تحاوروا كثيرًا، وحان الآن تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني.
الحوارات اليمنية والمؤتمرات المتعاقبة معروف عنها عدم النفاذ إلى أرض الواقع، فلا المبادرة الخليجية نفذت في السابق، ولا وقرارات مجلس الأمن نفذت، فدائمًا ما تعاني اليمن من انفصال الواقع الميداني عن الواقع السياسي، وهو ما تحاول السعودية تجاوزه هذه المرة، عن طريق محاولات لفرض رؤيتها على المجتمع الدولي عن طريق مخرجات هذا المؤتمر.
الرياض تعلم جيدًا أن الحوثيين لن يزعنوا لأي قرارات دولية على الأقل في الفترة المقبلة، وتعلم أن الهدنة التي عُقدت مؤخرًا لم تحترم من كافة الأطراف، والدوائر الأمنية السعودية أدركت أن توقف الحرب يعني استقرار الأمر للحوثي وصالح، ومن ثم إعادة تنظيم صفوفهم في اليمن والعودة بقبضة أشد من سابقتها، بالتزامن مع عدم ثقة الغرب في أن السعودية قادرة على إنهاء مثل هذه الحرب بطريقة إيجابية، فالولايات المتحدة تضغط على السعودية للتوصل إلى حل سياسي، والسعودية لا ترى حلًا سياسيًا يرضيها بعد انغماسها لأبعد حد في المستنقع اليمني.
لذا تريد السعودية أن تسحب غطاءً شرعيًا دوليًا على تحركاتها العسكرية في اليمن إذا ما فشلت مفاوضات جنيف التي سيشارك فيها الحوثيين، وإذا كان إعلان الرياض هو الذي سيناقش في جنيف فإن إمكانية فشل مفاوضات جنيف زادت، والبديل أن تُكمل السعودية ما بدأته ولكن مع إدارك المجتمع الدولي أهميته هذه المرة، وهو بيت القصيد الذي تريد أن تصل السعودية إليه.
إن ما جاء من قرارات في إعلان الرياض قرارات سعودية بامتياز، تدعمها حلفاء السعودية في اليمن الذين جاءوا لإضفاء شرعية على التدخل السعودي في اليمن تحت شعار مؤتمر القوى السياسية اليمينة، والحقيقة أن السعودية عاجزة عن إنفاذ حل سياسي في اليمن في الوقت الراهن أو قل إن الأمر ليس على أولوياتها بسبب تمسكها بوجهة نظر واحدة إزاء الأوضاع في اليمن، ونفس وجهة النظر تلك لم تغير من الوضع الميداني لليمن منذ المضي فيها.