أصدرت المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية “دائرة أمن الدولة”، أحكامًا مشددة بالسجن والإبعاد بحق خمسة ضباط قطريين ينتمون إلى جهاز أمن الدولة القطري، وذلك بعد اتهامهم بالإساءة إلى رموز دولة الإمارات، الأحكام صدرت حضوريًا بحق المتهم الأول الملازم أول “حمد علي محمد علي الحمادي” الذي حُكم عليه بالسجن عشر سنوات، مع تغريمه مبلغًا قدره مليون درهم، بالإضافة إلى إبعاده بعد قضاء العقوبة، كما حكمت المحكمة الإماراتية بالمؤبد على أربعة ضباط آخرين متهمين في القضية نفسها.
هذه الأحكام صدرت في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “بوعسكور”، حيث تعود القضية إلى إلقاء الأمن الإماراتي القبض على ضابط قطري واتهمته السلطات الإماراتية بالعمل في جهاز أمن الدولة القطري، هو وأربعة ضباط آخرين مستهدفين نشرمعلومات وأخبار وبيانات وإشاعات وصور على المواقع الإلكترونية، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى السخرية والإضرار بسمعة وهيبة ومكانة رموز الدولة الإماراتية، باستخدام حسابات وهمية تحت اسم “بوعسكور”.
النيابة الإماراتية اتهمت الضابط القطري أثناء جلسات المحاكمة بالدخول إلى الإمارات عبر أحد المنافذ الحدودية البرية، ومن ثم شراء أربعة هواتف نقالة و5 شرائح تليفونية، وتعبئتها بمبلغ قدره 25 ألف درهم، لاستخدامها في أغراض تشويه سمعة دولة الإمارات عبر الانترنت، لكن النيابة العامة لم تستطيع إظهار ما تقوله، حيث ذكرت أن الضابط المتهم قام بتسليمها إلى أمن الدولة القطري قبيل القبض عليه.
الإمارات تتهم جهاز أمن الدولة القطري بمحاولة إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام أجهزة تليفيونات وأرقام إماراتية، لإيهام الرأي العام بأن ما يروج من خلال هذه الحسابات يتم من داخل الإمارات.
الضباط القطريين الخمسة الذين اتهمتهم الإمارات في القضية ينتمون إلى جهاز أمن الدولة القطري، وهم الملازم أول حمد علي محمد علي الحمادي وهو المقبوض عليه، والمقدم جاسم محمد عبدالله مساعد رئيس الجهاز لشؤون العمليات، والنقيب أحمد خميس الكبيسي مدير الإدارة الرقمية بالجهاز القطري، والملازم أول راشد عبدالله المري، والملازم عامر محمد الحميدي.
يشار أن أحكام “دائرة أمن الدولة” لديها درجة تقاض واحدة، بمعنى أنها أحكامًا نهائية غير قابلة للطعن أو الاستئناف، وقد أصدرت هذه المحكمة في السنوات الأخيرة عدة أحكام مثيرة للجدل وصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها محاكمات سياسية.
“قضية بوعسكور” تعد قضية سياسية بالأساس، طرفيها أبوظبي والدوحة، نشأت على خلفية التوترات السياسية بين الدولتين خاصةً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، والتي تشهد تباينًا واضحًا منذ اندلاع الربيع العربي، فالموقف القطري جاء مساندًا لكافة دول الربيع العربي حتى النهاية، عكس الموقف الإماراتي الذي اتهمته أطرافًا داخلية في بلدان الربيع العربي بقيادة الثورات المضادة.
كما تحدثت أطراف داخل دولة مصر بالتحديد وتونس وليبيا، وظهرت تجليات هذا الخلاف الحاد مؤخرًا في موقف كلا الدولتين من الانقلاب العسكري في مصر، إذ دعمت الإمارات الانقلاب العسكري وقائده عبدالفتاح السيسي بكافة أشكال الدعم المادي والسياسي، وكونت جبهة إقليمية لمحاربة خصومه السياسيين “جماعة الإخوان المسلمين”، بينما أدانت الدولة القطرية الانقلاب العسكري، وآوات قيادات من جماعة الإخوان عقب الانقلاب العسكري.
قطر تتهم الإمارات هي الأخرى بالتعرض لها بالإساءة الممنهجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر حسابات وهمية يديرها الأمن الإماراتي تتعرض بالإساءة لكافة القطريين حكومةً وشعبًا، وهو الأمر الذي كشفته عدة تقاريرأمنية قطرية تؤكد أن ثمة عناصر على مواقع التواصل الاجتماعي تتلقى مبالغ مالية من الإمارات، لتقوم بالإساءة فقط إلى قطر وأميرها ووالدته عبر حملات شائعات ممنهجة.
هذا الحدث بالطبع يأتي على هامش العلاقات القطرية الإماراتية المتوترة منذ فترة طويلة من الزمن، فقد سحبت الإمارات سفيرها من الدوحة في مارس 2014 في خطوة موحدة من لأبرز دول مجلس التعاون الخليجي ضد قطر، بعد اتهامها بارتكاب أعمال تهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الخطوة كانت بتعاون إماراتي سعودي ضد قطر.
قطر تؤكد أن الإمارات تستخدم شركات العلاقات العامة في العالم لنشر مبالغات حول مستويات رعاية قطر للإرهاب في وسائل الإعلام، وقد ظهر ذلك في بريطانيا بالتحديد قبيل زيارة أمير قطر إلى لندن، حيث اتهمت الإمارات بدفع أموال للصحافة البريطانية، لمهاجمة الزيارة، ووصف قطر بأنها دولة راعية للإرهاب.
وبالرغم من إعادة السفراء الخليجيين إلى الدوحة، إلا أن العلاقات بين قطر والإمارات لا تزال متوترة إلى حدٍ كبير، ويرجع البعض السياسة الإماراتية ضد قطر بأنها هي غريمها الوحيد في مجلس التعاون الخليجي، لأن قطر أصبحت الدولة الثانية من حيث قوة النفوذ الخارجي بعد السعودية، وهو دفع الإماراتيين للعبث في العديد من الدول العربية محاولين إبطال هذا النفوذ القطري، لمعادلة القوة الخارجية بين البلدين.
هذه الأحكام التي صدرت بحق الضباط القطريين من شأنها أن تزيد من حالة الاحتقان بين الدولتين، خاصةً مع إصرار كل منهما على المضي قدمًا في مواقفه الخارجية التي هي أحد أهم أسباب الشقاق، كما يشير البعض أن المخرج الوحيد من هذه القضية التي ستشعل الأزمات بين البلدين مجددًا هو إصدار عفو رئاسي عن المتهمين في القضية، لأن الحكم الصادر بحقهم نهائي، وهو أمر مستبعد في الفترة الحالية على حد وصف البعض، وإنما سيظل خيارًا مطروحًا في أي تسوية مستقبلية بين البلدين.