على مدى عقود، حافظت الأردن على علاقة منفعة متبادلة مع الغرب، وبينما تفتقر الأردن إلى الموارد الطبيعية، فإن جيران الأردن من دول الخليج يتمتعون بالثروات الناتجة عن الموارد الطبيعية، ولكن نظرًا للاستقرار والاعتدال السياسي والموقع الجغرافي، فقد جعل ذلك الأردن حليفًا إستراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة الأمريكية وبلاد كثيرة في الشرق الأوسط.
وأسفرت هذه العلاقة المقربة بين المملكة الهاشمية والدول الغربية – في ظل التوتر الدائر بالشرق الأوسط – عن احتكاك المملكة المباشر مع الجماعات المسلحة المنتشرة على طول الحدود، وشهد الصراع السوري مؤخرًا تواجدًا مكثفًا من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، حيث سيطرت جبهة النصرة على المعبر الحدودي الوحيد الذي يربط بين سوريا والأردن، والصعود المتزايد لتواجد الدولة الإسلامية بالعراق؛ قد جعل أماكن سيطرتها قريبة من الأردن جدًا بحوالي 112 ميلًا فقط، ولكن المفاجأة أن الخطر الأكبر الذي يُشكله المتشددون ليس العنف ولا الحرب، وإنما “الاقتصاد”.
يقول بينيامين تي ديكر، المحلل الإستراتيجي: بعض آثار المتشددين على الاقتصاد الأردني يصعب تحديدها، في وقت سابق بهذا العام هددت “داعش” في بيان لها بأنها ستقوم بشن هجمات على الأردن، بعدها بثلاثة أسابيع قامت السفارة الأمريكية بتحذير الأجانب من الاقتراب من المجمعات التجارية بعمان.
ولكن هناك آثار أخرى مباشرة أكثر، فقديمًا كانت تعبر يوميًا آلاف الشاحنات المحملة بالبضائع من وإلى سوريا والعراق إلى الأردن، ولكن اليوم إن استطاعت 50 شاحنة أن تكمل رحلتها التجارية فيعتبر ذلك إنجازًا كبيرًا! وذلك بسبب وجود داعش والجماعات الأخرى الكثيرة، والتي تعرقل حركة التجارة، وتغلق العديد من طرقها الإقليمية.
والنتيجة هنا بالطبع هي خسارة لحركة الشاحنات التجارية، والتي تقدر ما بين 20 إلى 30 مليون دولارًا منذ بداية أبريل هذا العام، هذا إلى جانب نقص الموارد الطبيعية الذي تواجهه الأردن؛ بسبب هجوم مقاتلي داعش على خطوط أنابيب الغاز والبترول العابرة للبلاد، مما أجبر الأردن على زيادة الاعتماد على الواردات من دول مثل المملكة العربية السعودية والصين والولايات المتحدة الأمريكية.
الدين العام للبلاد بلغ حتى الآن أكثر من 35 مليار دولارًا، ومع عدم تغير الوضع الاقتصادي الأردني القاتم حتى الآن، فإنه من غير الواضح متى سيكون الملك عبدالله قادرًا على سداد القروض. وفي محاولته لإحياء صناعة الواردات الأردنية، يكافح الملك عبدالله للتواصل مع الدول المجاورة والحلفاء؛ لتعزيز حماية الحدود الأردنية، ومساندته في محاربة المسلحين.
وحين كانت الحكومتان العراقية والأردنية تحاولان القيام بنشر رجال القبائل السنية العراقية في المناطق الحدودية بين البلدين، قامت داعش بتفجير ثلاث شاحنات في معبر طربيل الحدودي في 25 أبريل الماضي – أقل من 20 ميلًا عن مدينة الرطبة – وهي معقل داعش في محافظة الأنبار.
وبينما كانت تحاول السلطات الأردنية تقليل تواجد مسلحي داعش بالرطبة، كانت الأنباء تشير إلى أن مقاتليها يفرضون الضرائب على أي شاحنة تجارية تحاول العبور، وتتراوح الضريبة ما بين 400 إلى 1000 دولار.
مشاكل الأردن مع المسلحين بدأت منذ وقت طويل، ومن قبل حادثة قتل وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على أيدي مسلحي داعش في بداية هذا العام، مؤسس الدولة الإسلامية هو أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الجنسية، والذي قام بتفجيرات فنادق عمان في 2005، وقد انضم إليه ما لا يقل عن 2000 مواطن أردني بنفس العقلية الجهادية، وغادروا البلاد، وانضموا إلى الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بسوريا والعراق، كما يقول دي تيكر.
أحوال الأردن الاقتصادية مضطربة منذ أعوام، وفي الوقت نفسه قامت الحكومة الأردنية مؤخرًا بزيادة تعريفة الكهرباء، وزيادة الضرائب على العديد من الصناعات، وتتوقع غرفة التجارة الأردنية أن أسعار الطعام قد تزيد بنسبة 20% هذا العام.
تدفق مليون ونصف لاجئ سوري وعراقي إلى الأراضي الأردنية زاد من حجم التحديات الاقتصادية على الأردن بصورة كبيرة جدًا، وساهم في زيادة أسعار الغذاء، وارتفاع تكلفة السكن وتكاليف المعيشة بصفة عامة، وقد علق أنتونيو جوتيريس رئيس مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن على الوضع، واصفًا إياه بـ”الاستضافة المرهقة”.
وكيل الشحن الأردني في العام الماضي قال “إن الأردن مهدده بنفاذ الموارد”، وهذا ما يتردد بالفعل مرارًا و تكرارًا عن الوضع الاقتصادي الأردني، وأضاف “سيأتي وقت لن نستطيع فيه فعل أي شيء سوى أن نتعذب جميعًا، تخيل معي ماذا سيحدث لو وجدت يومًا ما في ولاية كاليفورنيا مليون لاجئ عليك الاهتمام بهم؟ كيف ستتعامل مع هذا الوضع؟”.
ومع الوضع المالي المنهك للبلاد، فإن قرارت وأفعال الملك عبد الله تزيد من سبّة أعداء الأردن أكثر، فتحالفه مع الغرب ضد داعش، وتحالفه مع المملكة العربية السعودية في حرب اليمن يزيد من أعداء الأردن، “مثلًا، الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، لا يوجد أحد سعيد بتحالف الأردن مع الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية، وهذا ما يجعل أعداء الأردن متربصين به أكثر، والمعارك تقترب بشدة من الحدود الأردنية حتى وصلت لقلب مدينة الأنبار”، على حد وصف الكاتب.
يُصنف الملك عبدالله الآن في الأوساط العالمية الرسمية أنه من الزعماء الشجعان، وذلك يظهر واضحًا جدًا من خلال خطاباته، التي ترصد جميع الإنجازات العسكرية ضد الدولة الإسلامية، وعلى جانب آخر، يقوم الملك عبدالله بحَث المجتمع الدولي على تقديم المساعدات المالية للأردن لحماية البلاد من الانهيار الاقتصادي.
ولكن إذا استمر اعتماد البلاد على الحلفاء، والذي يكون أحيانا مثيرًا للجدل مثل توقيع الأردن مؤخرًا صفقة لاستيراد الغاز من إسرائيل، بدون معالجة جذرية للأزمة الاقتصادية المتنامية بالبلاد، سيساعد على زيادة نسبة المعارضين بالمملكة لهذه السياسات، ويضيف الكاتب: مثلًا، الإخوان المسلمون الأردنيون الذين لم يكن لهم حراكات وصدامات سياسية مؤثرة في المملكة عبر العقود الماضية، ولكنهم الآن يستطيعون أن يستغلوا حالة السخط القائمة لكي يصلوا لمناصب عليا في الدولة، وسيعطي الوضع أيضًا مزيد من الجرأة للجماعات الإسلامية التي تنظم المسيرات والمظاهرات بمعان (جنوب الأردن)، وربما يرحبون بعودة الألفي مجاهد الأردنيين، الذين يحاربون مع جبهة النصرة والدولة الإسلامية.
ويختتم دي تيكر تحليله “مع ذلك تظل الغالبية الأردنية المتوسطة من المواطنين هم من يشكلون التهديد الأكبر أمام الملك عبدالله، لم يؤثر الربيع العربي الذي بدأ في 2011 في الأردن، ولكن مع ارتفاع الأسعار المتزايد، وارتفاع تكاليف المعيشة، جنبًا إلى جنب مع القرارت السياسية التي لا تحظى بشعبية لا في الداخل أو الخارج، ربما ستؤدي كل هذه الأسباب إلى امتداد الغضب الذي تفجر في شوارع الدول العربية منذ 4 أعوام لكي يصل إلى الأردن اليوم”.
المصدر: فايس نيوز / ترجمة: أردن الإخبارية