في هذه الصورة يبدو أن واحدًا من أهم العناصر التي تسبب قبح المشهد العمراني هو أن المباني ليست منتهية، حيث لم يتم وضع التشطيبات المناسبة التي تظهر المبنى في شكل جمالي مقبول حيث تظل الخامة النهائية التى تظهر في الواجهات هي الطوب الأحمر، هذا السبب مع أسباب أخرى مثل عشوائية العلاقات التخطيطية بين المباني، وكذلك الارتفاعات المتباينة، مع تلوث الجو يتسببون في تحويل الكثير من المناطق التي يفترض أنها مناطق عمرانية مخططة إلى مناطق أشبه بالمناطق اللارسمية أو العشوائيات، وبالرغم من تعدد هذه العناصر إلا أننا وبالتركيز على عنصر الطوب الأحمر نجد أن التجارب التصميمية الحديثة تثبت أنه ليس بالضرورة قبيحًا.
الطوب الأحمر، هو طوب مصنوع من الطين ثم يتم حرقه بعد ذلك في أفران خاصة حتى يكتسب قدرًا من الصلابة ومقاومة الرطوبة، وقد ارتبط استخدام الطوب الأحمر في الوعي المعاصر بالمباني الهيكيلية التقليدية، حيث يستخدم في بناء حوائط مستقيمة رأسية مصمته ليتم تغطيته بالتشطيبات المناسبة بعد ذلك، حتى يكتسب المبنى مظهرًا جيدًا، إلا أن مجموعة كبيرة من المباني الحديثة صُممت بالفعل بالاعتماد على الطوب الأحمر في التشكيل بالإضافة لاستخدامه في بعض التغطيات للفراغات العامة أيضًا بما يكسب هذه الفراغات مناظر جمالية غير تقليدية.
كما ذكرنا سابقًا فالطوب الأحمر مرتبط في الوعي المعاصر بالحوائط الرأسية التقليدية، إلا أنه كذلك اُستخدم تاريخيًا في بناء القباب والأقبية بشكلها التقليدي المعتاد في المباني الكلاسيكية، إلا أن مكتبًا معماريًا إسبانيًا، “ماب 13″، دمج هذه الطريقة التقليدية مع أدوات التصميم الرقمية الحديثة لينتج بذلك فراغًا شبه عام يستخدم كمعرض في فناء ببرشلونة في إسبانيا، وأطلق عليه “بريكتوبيا”؛ وهي كلمة تتكون من شقين الأول هو “بريك” بمعنى طوب، والثاني “توبيا” وهي جزء من كلمة يوتوبيا أي المدينة الفاضلة، يرى “ماب 13” أن هذا المبنى على عكس طرق البناء المعتادة هذه الأيام يهدف إلى استعادة الخيال والمهارات البنائية اليدوية، واستخدامها في إنتاج مبانٍ حديثة، وقد تم تصميم هذا المبنى بالفعل باستخدام برنامج حاسوبي ثلاثي الأبعاد، مما ساعد المعماريين على دراسة الأحمال والإجهادات التي تقع على المبنى، وإلغاء أحمال الشد تمامًا، بحيث لا يتعرض المنشأ إلا إلى أحمال ضغط، وهي ما يسهل التغلب عليها باستخدام التكوينات المقببة.
في تصميم حديث تم الانتهاء من تنفيذه في فبراير من العام الماضي، استخدم المكتب الأيرلندي للتصميمات المعمارية “أودونيل + تيومي” الطوب الأحمر لتكوين واجهات مبنى مركز الطلاب الجديد لجامعة لندن للاقتصاد، وعلى الرغم مما يبدو من تواضع هذه المادة إلا أنهم استطاعوا استخدامها وتطويعها لكي ينفذوا تصميمًا مبدعًا، يعتمد على تشكيلات هندسة مائلة، ربما يصعب تنفيذها بالمواد المعتادة في هذه التصميمات، وفي هذا المبنى توجد جميع الخدمات التي توفرها الجامعة للطلاب.
يذكر المكتب أنهم اعتمدوا على عناصر تصميمة مختلفة إلا أنها متكاملة فيما بينها، لكي توفر تصميمًا مترابطًا في عناصره وتكوينه، وقد تم اعتماد الطوب في بناء واجهات المبنى المصمتة أحيانًا، وفي أحيان أخرى اُستخدم لتكوين حوائط نصف مصمتة توفر إظلالًا للفراغات الداخلية، وتقلل من شدة سطوع الضوء داخل المبنى، وقد اعتمد مكتب معماري آخر على فكرة شبيهة للتعامل مع الطوب الأحمر، حيث استخدم “جان سيكينو” الطوب الأحمر في تصميم بيت لأحد عملائه، يحوي هذا البيت مسكنين واحد للعميل وواحد لأبويه، مع وجود فراغ شبه عام يجمع الأسرتين مع بعضهما البعض.
يقول سيكينو إن “الطوبة العادية ترغب أحيانًا أن تكون شيئًا آخر، شيئًا غير عادي”، وتعتمد رؤيته على أن إعادة ضبط تموضع الطوب في ترتيب مختلف هو السر وراء إنتاج تكوين مختلف تمامًا، هكذا قرر سيكينو تصميم تغطيات تهدف لفصل ذلك الفراغ العام عن الشارع لكن مع عدم قطع علاقته به أيضًا، من خلال خلخلة الضوء الساقط على الواجهة لكي يعطى جزء منه احساس بالتواصل مع العالم الخارجي في فراغ داخلي شبه خاص، يضم الجلسات الأسرية التي تحدث داخل البيت.
ربما تبدو هذه التصميمات مختلفة في جوهرها عن البيئة العربية أو إمكانيات البناء الفردية المعتادة، لذلك تتحول هذه الأفكار إلى صور تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ملحوقة بالإعجاب من قِبل رواد هذه المواقع إلا أن “ستوديو توجل” كان لهم رأي آخر في هذا الأمر.
في الكويت قام مكتب معماري محلي هو “ستوديو توجل” بتصميم عمارة سكنية تقليدية في ظروف مشابهة للظروف الموجودة في أغلب المناطق العربية، لكن على الرغم من ذلك كان التصميم غير تقليدي على الإطلاق، حيث اعتمد أيضًا على الطوب الأحمر باعتباره العنصر الرئيس لتكوين واجهة المبنى، وتقع هذه العمارة في حي السالمية في جنوب شرق الكويت، وتضم 20 شقة سكنية موزعة على 10 طوابق، وقد واجه المكتب تحديًا رئيسيًا في هذه المنطقة وهو أن الطراز الحديث في التصميم يهيمن بشكل كامل على تصميمات المباني، بينما يرغب المكتب في أن يكون مبناه مميزًا في هذا الوسط، مع الوضع في الاعتبار مجموعة أخرى من العوامل التصميمية مثل توفير قدر ملائم من الخصوصية للسكان، ومحاولة كسر شدة الرياح في هذه المنطقة التي تطل على البحر، لذلك قرر المكتب التخلي عن النمط المعتاد للمباني الحديثة مثل الواجهات الزجاجية، واتجه لاستخدام الطوب الأحمر، مع التلاعب في تكوين الكتل التي تشكل المبنى النهائي وتركيبها في تكوينات متراكبة مائلة تمثل عنصر التميز الرئيس في استخدام الطوب الأحمر، بالإضافة إلى أن هذه الميول تؤدي إلى تخفيف شدة الرياح التي تصطدم بالمبنى مع وضع النوافذ بشكل غائر قليلًا، ساعد التكوين المائل على توفير مساحة مناسبة لتنفيذه، لكي توفر قدرًا مناسبًا من الخصوصية.
يبدو إذن بعد الاستعراض السابق لنماذج حديثة للاعتماد على الطوب الأحمر في تكوين الواجهات وإمكانية إخراج حلول إبداعية مختلفة ومتنوعة لتصميم المباني فإننا يمكن بشكل مباشر إعادة النظر في كون الطوب الأحمر أحد أسباب قبح المباني وإنما جوهر المشكلة في كيفية معالجة تموضع الطوب وتوظيفه لخدمة التصميم النهائي للمبني.