قضت محكمة مصرية بإحالة أوراق الرئيس المصري محمد مرسي إلى مفتي الديار المصرية، في إشارة إلى إقرار إعدامه بعد توجيه اتهامات له في قضية ما يسمى بالهروب من سجن وادي النطرون.
ولم يكن الحكم على مرسي فحسب، بل شمل الحكم تحويل أوراق كل من الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1996 حسن سلامة!، بالإضافة إلى الشهيد رائد العطار!، إلى المفتي لإقرار حكم الإعدام في حقهم!! ولم تقف اللائحة عند هذه الأسماء فحسب، بل شملت أربعة شهداء فلسطينيين آخرين!
استقبل الفلسطينيون الخبر بحالة من الصدمة والذهول، فلا أحد في الشارع الفلسطيني لم يسمع باستشهاد رائد العطار خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو أحد أبرز قيادات كتائب عز الدين القسام، الذي برز اسمه خلال عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وما أعقبها من عملية تحرير لجزء من الأسرى الفلسطينيين، مقابل تسليم الجندي شاليط.
أما حسن سلامة فقد أُسر في أعقاب عدة عمليات فدائية في أراضينا المحتلة، كان المسؤول عن تنفيذها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، للثأر لاغتيال مهندس القسام الأول يحيى عياش في عام 1996، وحُكِم على إثرها بـ 48 مؤبدًا.
الغريب في الأمر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعدم 250 جنديًا مصريًا في أعقاب انتهاء القتال في حرب عام 1967 في شبه جزيرة سيناء، وقد تم الإعلان عن ذلك في فيلم وثائقي، دون الاكتراث لردات فعل المصريين، ولم يحاكِم القضاء المصري قادة الجيش أو على الأقل المسؤول الرئيس عن عملية الإعدام (بنيامين بن أليعيزر).
أما الرئيس المصري محمد مرسي، فهو الذي كان يتصل بصورة يومية مع شيخ الأقصى رائد صلاح للاطمئنان على أوضاع مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية، وهو الذي أوفد رئيس وزرائه خلال الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2012، الأمر الذي عزز صمود الفلسطينيين على أرضهم وأشعرهم بوجود سندٍ قوي لهم.
ربما ينظر بعض الفلسطينيين إلى محاكمة الرئيس المصري محمد مرسي، بأنها شأنٌ مصريٌ داخلي، ولا يجوز الحديث أو التدخل فيه، إلا أن مرسي كان فلسطينيًا أكثر من كثير ممن يحملون الجوازات الفلسطينية الحمراء، ففي فترة حكمه التي لم تتعد العام الواحد، انتقلت القضية الفلسطينية نقلات متقدمة؛ ففي عهده لم يصمد الاحتلال الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة أواخر عام 2012 إلا أسبوعًا، وهو الذي يمتلك آلة البطش العسكرية، وليس خافيًا عليكم الدور المصري الرائد في تعزيز المقاومة في ذلك العدوان وفتح المعابر للمساعدات الإنسانية والتحركات الدبلوماسية والسياسية.
إن من أبرز علامات الدعم المصري لقضية فلسطين بصورة عامة ودعم صمود قطاع غزة بصورة خاصة – في عهد مرسي – هو زيارة الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لقطاع غزة، وتقديمه دعمًا لإعمار القطاع يقدر بـ 450 مليون دولارًا، والذي قال: إن تلك الزيارة لم تكن أن تتم لولا تغير النظام المصري، ووصول مرسي للحكم، والجدير بالذكر أن تلك الزيارة سبقت عدوان 2012 بأيام قليلة.
إن الحديث في رمزية مرسي للقضية الفلسطينية يطول، نظرًا لما تمثله مواقفه الشجاعة تجاه الفلسطينيين، خصوصًا تكلل الجهود المصرية بالنجاح في موضوع المصالحة بين الفرقاء السياسيين الفلسطينيين، الأمر الذي تعثر ومازال حتى الآن بعد إقصاء مرسي عن عرش مصر.
وانتقالًا لرمزية الأسر والاستشهاد في الثقافة الفلسطينية، فلا يوجد أي فلسطيني ينتمي لهذه الأرض المباركة، لا يمجد الأسرى والشهداء، فهم نتاج المقاومة الشريفة، التي تعمل ليلًا ونهارًا وتقدم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق تحرير أرض فلسطين التاريخية.
إن قرار المحكمة الأخير بحق مرسي والأسير حسن سلامة والشهيد رائد العطار وغيرهم، هو قرارٌ يعاقب من عمل لأجل قضية فلسطين، ولا يخدم إلا أهداف الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل ليلًا ونهارًا في سبيل كسر إرادة شعبنا الفلسطيني، وباقي الشعوب العربية، إلا أن هذه المسيرة ستستمر، والغلبة ستكون لمن يتمسك بحقه ويدافع عنه.