يعتبر الاقتصاد سياسةً ووضعًا معيشيًا جوهريًا أساسيًا في العملية الانتخابية للدول الديمقراطية، إذ يلجأ الناخب في العادة إلى تقييم السياسية الاقتصادية للحكومة ومدى نجاعتها في توفير الظروف المعيشية الجيدة والرفاهية الاقتصادية .
ولا غرو أن السياسة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية كانت محركًا أساسيًا للمواطن التركي وحافزًا له لانتخاب الحزب، حيث عمد حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي وتطوير القطاع المالي وإعادة صياغة القوانين الاقتصادية بما يتناسب مع اقتصاد السوق الحر، وكان لهذه السياسة الأثر الكبير في تطوير الاقتصاد ورفع معدلات النمو؛ مما جعل تركيا محطًا للأنظار عالميًا وجعل سوقها قبلة للمال الخارجي بهدف الاستثمار للاستفادة من حركة النمو السريعة وحالة الاستقرار المشجعة التي عاشتها خلال الفترة الماضية.
وتأتي الانتخابات البرلمانية التركية في ظروف استثنائية على جميع الصعد، ويشغل الوضع الاقتصادي حيزًا مهمًا في النقاشات الجارية بين الأحزاب السياسية والشرائح المجتمعية على حد سواء، وتدور النقاشات الجارية حول الوضع الاقتصادي التركي الذي شهد حالة من الارتباك منذ أكثر من عامين جراء المشاحنات السياسية الجارية التي قادت إلى تراجع في قيمة العملة التركية مع تسليط الضوء على نجاعة سياسات حكومة العدالة والتنمية في محاربة الفقر وزيادة مستوى دخل الفرد وتقليص البطالة.
حيث تشير التقديرات إلى وجود حوالي 29 مليون شخص قادر على العمل منهم 11% عاطل عن العمل بينما يعمل 70% بأجور منخفضة نسبيًا، في حين يشهد الاقتصاد ارتفاعًا مشهودًا في الأسعار في قطاعات متعددة منها قطاع المواد الغذائية وتضخمًا في العملة حيث انخفضت قيمة العملة التركية 120% أمام الدولار في السبع سنوات الماضية.
وتدور سياسة أحزاب المعارضة الاقتصادية – الحزب الجمهوري والحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي – على المشاكل الأساسية التي يعاني منها المواطن التركي، وتجمل الوعود الاقتصادية لأحزاب المعارضة في زيادة عدد الوظائف ورفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء بعض الضرائب وخفض سعر المحروقات وإعطاء معاشات إضافية للموظفين في الأعياد.
وفي حين تشهد الأسواق العالمية خصوصًا الدول الصاعدة نوعًا من عدم الاستقرار الاقتصادي بعد رفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة، عمدت الدولة الصاعدة مثل البرازيل وإندونيسيا والهند لرفع سعر الفائدة في دولهم منعًا لتدهور قيمة العملة، إلا أن البنك المركزي التركي اتجه لزيادة ضح الدولار في السوق بدلاً من زيادة الفائدة وذلك لمنع الليرة من التدهور، ويعتقد الخبراء الاقتصاديون بأن حزب العدالة والتنمية يحاول تأجيل البت في رفع قيمة الفائدة إلى ما بعد الانتخابات لأن رفع سعر الفائدة يؤثر سلبًا على العديد من القطاعات الاقتصادية.
الاستقرار السياسي أهم العوامل المؤثرة على الاقتصاد
اتجهت الدولة التركية إلى اقتصاد السوق الحر في إطار سياستها الانفتاحية على العالم وأصبحت تركيا جزاء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي المتداخل والذي يحكمه إلى حد كبير ظروف السوق من العرض والطلب جنبًا إلى جنب مع تطبيق الدولة التركية نظام تبادل العملة العائم والذي يحدده قوانين السوق مع إمكانية تدخل البنك المركزي التركي في ظروف معينة ليس كضابط أو مراقب ولكن كجزء من عملية اقتصادية يكون فيها إما طالبًا لعملة أو عارضًا لها للتأثير على قيمة الليرة التركية أو العملات الأخرى.
وبما أن الاقتصاد مرتبط بوضع السوق عرضًا وطلبًا فإن جملة العوامل التي تؤثر على وضع السوق العام تصبح متعددة ومتشابكة، إلا أن الاستقرار السياسي من أهم الأسباب التي تؤثر على الوضع الاقتصادي سواء على قيمة العملة أو على تدفق المال الخارجي إلى البلاد أو على معدلات النمو والاستثمار.
وتشهد الساحة التركية العديد من الأحداث السياسية والأمنية التي أثرت على الحالة الاقتصادية ومنها صراع الحكومة مع جماعة غولن التي يُعتقد أن لها دور في عمليات سحب الدولار من السوق والذي أثر سلبًا على قيمة العملة التركية، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب الناتج عن التراشقات الإعلامية بين الأحزاب السياسية وبعض الأعمال الأمنية التي أثرت على ثقة المستثمرين الأجانب.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015 يشهد الاقتصاد التركي نوعًا من عدم الاستقرار العائد لعدة عوامل منها: أولاً، حجم المفاجآت التي تحملها الانتخابات البرلمانية ونتائجها التي قد تكون مختلفة إلى درجة كبيرة مع أي انتخابات سابقة والتي قد تقود لحكومة حزب عدالة وتنمية ضعيفة أو تحالف حكومي والذي لربما يؤدي إلى تغير في السياسات الاقتصادية التي تقع في مهب نتائج هذه الانتخابات، ولأن التجربة الاقتصادية التركية تعتبر حديثة إلى حد ما، وقد وجدت مع تسلم حزب العدالة والتنمية للحكم فإن أي تغيير في شكل الحكومة قد يؤثر على الاقتصاد وسياساته لأنه لا يمكن القول بأن تركيا قد عززت مفهوم السوق الحر بشكل كامل لا يتأثر بتغير الأحزاب الحاكمة.
ثانيا، ستشهد الفترة التالية للانتخابات وبغض النظر عن النتائج والسيناريوهات غياب علي باباجان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية لإتمامه الفترات الانتخابية المسموح بها في اللوائح الداخلية لحزب العدالة والتنمية، ويعتبر علي باباجان العقل الاقتصادي الذي يضبط إيقاع الاقتصاد ولا يقف الحد عند ذلك إذ يشكل علي باباجان ضمانة رئيسية للمال الأجنبي لثقة المستثمرين في قدراته العالية، بالإضافة إلى التغيرات الاقتصادية الكبيرة التي ستشهدها المؤسسات الاقتصادية جراء إعادة الهيكلة وكذلك الحال مع وجود سياسات اقتصادية جديدة لتنشيط الاقتصاد ومعالجة المشاكل والثغرات التي شهدتها المرحلة السابقة حسب تصريحات حزب العدالة والتنمية.
وتبقى فترة ما قبل الانتخابات وبعد إعلان النتائج فترة مهمة جدًا بالنسبة للوضع الاقتصادي، إذ إن أي حوادث قد تقود إلى حالة من عدم الاستقرار ستؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي داخل تركيا التي تسعى بقيادة حزب العدالة والتنمية لتصبح من أقوى عشرة اقتصادات في العالم خلال العقد القادم.