قام مكتب المخابرات الوطنية الأمريكية بالكشف عن وثائق جديدة، توصلت إليها عناصر البحرية الأمريكية بعد اغتيالها للزعيم السابق لتنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” في عملية مثيرة للجدل، تم تنفيذها في منطقة “آبوت آباد” بباكستان.
المخابرات الوطنية الأمريكية التابعة للبيت الأبيض الأمريكي حصلت على هذه الوثائق العديدة بعدما اقتحمت المجمع السكني الذي سكنه بن لادن في فترة اختفائه الأخيرة، وذلك أثناء عملية اغتياله، هذه الوثائق فسرت على أنها الرد على ما نشره الصحفي الاستقصائي سيمون هيرش، والذي أكد في تقرير له عن مقتل بن لادن أن عملية العثور على بن لادن جرت بواسطة المخابرات الباكستانية، وأن عملية اغتياله جاءت بالتنسيق معهم على عكس ما روجه البيت الأبيض آنذاك، مما أثار الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية.
أصدرت المخابرات الوطنية الأمريكية بيانًا أكدت فيه أن هذه الوثائق عثر عليها في مكان اختباء أسامة بن لادن، وهي مقسمة إلى قسمين، جزء خاص بالوثائق غير السرية التي تم العثور عليها في محيط المجمع السكني بآبوت آباد، والجزء الثاني هو مجموعة من الوثائق المنتقاة رفعت عنها السرية الآن.
فيما أوضح البيان أن ثمة مئات الوثائق الأخرى سوف يتم الكشف عنها في المستقبل القريب من قِبل المخابرات الأمريكية، التي شكلت فرقة عمل مشتركة تعمل تحت إشراف البيت الأبيض، وذلك لمطالعة جميع الوثائق التي تؤيد البرقيات المخابراتية المنشورة عن حادثة مقتل بن لادن، إضافة إلى وثائق أخرى ذات صلة عثر عليها في مكان اختبائه، وجميع هذه الوثائق سيتم إطلاقها طالما لن يتسبب نشرها بأضرار على العمليات الأمريكية ضد تنظيم القاعدة.
الرواية الجديدة لمقتل بن لادن التي نشرها هيرش أثارت جدلاً واسعًا في الولايات المتحدة، ما اضطر البيت الأبيض للخروج بتصريحات تشير إلى أن هذه الرواية “غيرصحيحة” ، ليخرج جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض ليقول “إن مقال الصحافي سيمور هيرش حافل بالعديد من المغالطات والأكاذيب”، وأشار إرنست في تصريحاته إلى رد فعل نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايكل موريل على الرواية التي أوردها هيرش، حيث أكد أن الرجل لم يكمل قراءة المقال بزعم أن كل جملة وردت فيه كانت خاطئة، ويفسر البعض توقيت نشر هذه الوثائق عن بن لادن في هذا التوقيت كرد على ما نشره هيرش.
هذه الوثائق التي تم الإفراج عنها ليطلع عليها الرأي العام تضمنت حسب موقع مكتب مدير المخابرات الوطنية قائمة بـ 39 كتابًا باللغة الإنجليزية و 103 وثيقة لمراسلات تخص بن لادن وقيادات جماعات تابعة للقاعدة وكذلك مراسلات بينه وبين أقاربه، كذلك احتوت الوثائق، على 75 ورقةً علنيةً للحكومة الأمريكية متضمنة تقرير الكونجرس الأمريكي عن أحداث 11 سبتمبر التي نفذها التنظيم، كذلك احتوت على قوائم لـ 35 إصدارًا لجماعات جهادية تتبع تنظيم القاعدة، وقائمة أخرى تحتوي على 33 مادةً إعلاميةً، بالإضافة لعدة كتب دينية إسلامية.
عثر أيضًا على قائمة أبحاث معدة من مراكز بحثية مختلفة، وقائمة البرامج الإلكترونية التي يستخدمها التنظيم، بالإضافة إلى مجموعة من الخرائط الهامة لمواقع عسكرية في إيران وعدة دول أخرى.
هذه المحتويات التي ترجمتها الإدارة الأمريكية ونشرت بعضها تُلقي الضوء على حياة زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، لتكشف عن طريقة تعاطيه مع مختلف شؤون الحياة، وليس القتال فحسب، كذلك كشفت عن كيف كان يفكر الرجل وماذا كان يريد بالتحديد؟
فالرجل وفقًا للوثائق المسربة كان حريصًا من الجهة الأمنية لأقصى درجة، يظهر ذلك في أحد مراسلاته لزوجته التي كانت قيد الإقامة الجبرية في “إيران”، حيث نصحها بن لادن بـ “ألا تثق بأحد من الإيرانيين” إذا أطلقوا صراحها، فربما كان هذا بهدف تعقبه.
حيث كتب في رسالة لها أن عليها قبل الوصول إليه أن تتخلص من كل شيء بما في ذلك الملابس والكتب، وكل ما كانت تملكه في إيران، لأنه يدرك أنه قد يتم زرع شرائح إلكترونية مطورة في أغراضها بدقة بهدف التعقب، وأضاف بن لادن وبما أنه لا يمكن الوثوق في الإيرانيين، فإنه تساءل عما إذا كانت زوجته قد زارت “طبيب أسنان” خلال إقامتها في إيران لأنه من خلال هذا الطبيب قد توضع لها “حشوة أسنان” بها شريحة إلكترونية لرصد تحركاتها.
وفي جانب طريقة تفكير بن لادن في الفترة الأخيرة من حياته، تشير الوثائق إلى أن الرجل أراد لتنظيم القاعدة أن يخطط لعمليات كبرى ضد الولايات المتحدة، مثل عمليات 11 سبتمبر 2001، وليس ضد الأنظمة في الشرق الأوسط، كما نصح جماعات مبايعة له في إحدى الرسائل أنه يجب “التخلي عن مشروع إعلان دولة إسلامية (دولة خلافة)، وأن عليهم إعداد خطط لاستهداف سفارات الولايات المتحدة في سيراليون وتوجو واليمن”، وقد كتب بن لادن نصًا حول موضوع إعلان الخلافة أن “إعلان الدولة الإسلامية قبل استنزاف الكفر العالمي يشبه وضع العربة قبل الحصان”، حسب ما ورد في الوثائق.
حيث أضاف في رسائل أخرى توضح تأكيده على هذا الأمر: “علينا وقف العمليات ضد الجيش والشرطة في كل المناطق، وخصوصًا في اليمن”، وأضاف بن لادن: “إن الأولوية الحالية يجب أن تكون ضرب أمريكا لإجبارها على التخلي عن أنظمة الشرق الأوسط وترك المسلمين وشأنهم”.
تطرقت الوثائق المنشورة أيضًا إلى وجهة نظر الرجل في الربيع العربي، إذ كشفت إحدى الوثائق المنشورة أن بن لادن كاد أن يأمر تنظيمه بالتدخل في الثورة المصرية لتيقنه أن مبارك لن يتخلى عن الحكم بسهولة، وسيكون هذا التدخل حماية للثورة والثوار من بطش الأمن المصري، وأكد أن ثمة ضرورة لتحفيز شعوب العالم العربي والإسلامي للقيام بثورات، وأن الحالة المتردية التي وصلت إليها الشعوب يجب أن تستغل للتثوير.
وفي رؤية الرجل للإخوان المسلمين، تطرقت الوثائق إلى حديث بن لادن عن فرعين من فروع الجماعة أحدهم باليمن، وهو حزب الإصلاح اليمني، والآخر بفلسطين وهي حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، حيث رأى أن ثمة بادرة لانتشار المنهج السلفي بين إخوان اليمن، وهي مدعاة بشارة بالنسبة إليه، إذ يراهم الأنسب لقيادة تظاهرات شعبية ضد حكم علي عبدالله صالح آنذاك، وهو ما أفصح عنه لأحد قادة القاعدة في اليمن في أحد مراسلاته.
وعن حماس دافع بن لادن عن النموذج الذي فرضته بغزة ضد الانتقادات الموجهة إليه من أعضاء بالقاعدة، حيث أكد أن المطالبة بإعلان دولة إسلامية في غزة غير واقعي، معلقًا على هذه الدعوات: “يجب أن نضع نصب أعيننا أن ترتيب العمل لقيام الدولة يبدأ بإنهاك الكفر العالمي صاحب النفوذ الكبير على دول المنطقة التي تفرض حصارًا على حكومة حماس التي لا يشك عاقل في أنه لا خيار أمامها سوى السقوط، أو الرضوخ لما يُطلب منها”، حسب ما ورد في الوثائق.
وتطرقت الوثائق إلى جوانب إنسانية لدى أسامة بن لادن وأسرته، حيث نشرت وثائق بين نجل أسامة بن لادن وزوجته، وهو يوصيها بالصبر والثبات، ويحثها على العناية بأبنائه.
هذه الوثائق من الأهمية بمكان دراسة محتواها، لأنها تبين جوانب خفية من حياة مؤسس تنظيم القاعدة، وتبرز كيف كان يدير هذا التنظيم، بينما تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الوثائق بعين من الحذر أثناء إخراج بعضها، حيث جاء إخراج هذه الوثائق وفق دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أكد أن الشفافية يجب أن تتواءم مع ظروف الأمن الوطني، لذلك أعلنت المخابرات الوطنية أنها أظهرت تلك الوثائق تبعًا لقانون تخويل المخابرات الأمريكية لعام 2014 والذي يتطلب أن يقوم مكتب مدير المخابرات الوطنية بدراسة للوثائق جيدًا قبيل إعلانها للنظر في ما إذا كانت ستضر بالمصالح الأمريكية أم لا.
إذ يشير الصحافيون والباحثون الأمريكيون أن اطلاعهم على تلك الوثائق سيكون مفيدًا جدًا، وهي خطوة بالاتجاه الصحيح، بهذا يصل العدد الإجمالي للتقارير السرية التي خرجت في هذه القضية إلى 120، وتقول الأوساط الصحفية الأمريكية أن ثمة جهود جارية لرفع السرية عن مئات الوثائق المتبقية من تقارير”آبوت آباد”.