أعلن تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته الكاملة على مدينة “تدمر” السورية الواقعة في ريف حمص، بعد معارك عنيفة خاضها التنظيم مع القوات التابعة للنظام السوري، والتي استمرت نحو أسبوع كامل.
حيث صرح التنظيم في بيان على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أنه يسيطر بالكامل على مدينة تدمر السورية بما في ذلك المطار العسكري والسجن بعد “انهيار” القوات الموالية للنظام بالمدينة، وأضاف البيان أنه بعد انهيار قوات النظام فروا بعد وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوفهم.
عناصر التنظيم المسلحة التي خاضت المعارك كانوا قد استولوا على جزء من المدينة يقع على طريق إستراتيجي يوم السبت الماضي، لكن الاشتباكات مع القوات النظامية أجبرتهم على الانسحاب تكتيكيًا، حتى تمكنوا اليوم من خوض معركة فاصلة مع بقايا القوات النظامية في المدينة، حتى أجبروهم على الفرار إلى غربي تدمر حيث مدينة الفرقلس.
التليفزيون الحكومي السوري الموالي لنظام بشار الأسد، أكد هذه الأنباء عن طريق إعلانه أن قوات الدفاع الشعبي الموالية للحكومة انسحبت من أحياء تدمر، مدعين تأمين خروج معظم سكان المدينة، مرجعين ذلك لإنقاذ حياتهم من وحشية مسلحي داعش الذين دخلوا إلى المدينة بأعداد كبيرة والذين يحاولون الدخول إلى المواقع الأثرية والتحصن فيها، بحسب ما أورد التليفزيون السوري الرسمي.
بينما كذبت بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان ما ادعاه النظام، حيث أفاد المرصد أن القصف النظامي على المدينة والاشتباكات في شمال تدمر مع عناصر تنظيم الدولة، أجبرت السكان على النزوح عن مناطقهم إلى بلدات مجاورة، كما أن بعضهم في حالات صعبة للغاية لعدم توفر مآوٍ لهم بعد الخروج من المدينة، إذ ينامون بالعراء، وذكر المرصد أيضًا أن هذه المناطق تعاني من انقطاع دائم في الماء والكهرباء والخدمات بسبب القصف.
الأنباء الواردة من المدينة تؤكد سيطرة التنظيم على سجن تدمر وفرع البادية ومستشفى تدمر الوطني ومطارها، وفرع الاستخبارات العسكرية بالمدينة، كما أكدت المصادر الصحفية سيطرت التنظيم أيضًا على المحطة الثالثة الواقعة في شمال شرقي المدينة.
التنظيم كان قد شن هجومًا شاملًا على المدينة وحاصرها منذ أسبوع تقريبًا دارت خلاله معارك دامية بين الطرفين، أعلن التنظيم عن مقتل أكثر من 300 عنصر من القوات النظامية خلال هذه المعارك.
للمدينة أهمية إستراتيجية عند التنظيم، فبعيد عن أنها أولى السبل لاستعادة السيطرة على مدينة حمص من قوات النظام السوري، فهي طريق أيضًا لمد الفتح إلى البادية المتصلة بالحدود مع محافظة الأنبار العراقية التي سقطت عاصمتها “الرمادي” في أيدي التنظيم منذ أيام قليلة، كما أن تدمر المدينة السورية المدينة الواقعة في محافظة حمص وسط سوريا، تتميز بأنها ممر إستراتيجي مهم لأنها تربط شرق سوريا بغربها، وذلك يقرب تنظيم الدولة من المعارك في دمشق.
المدينة الآن محط أنظار العالم كله، بعد اقتحام التنظيم لها والسيطرة عليها، نظرًا للأهمية التراثية التاريخية التي تتمتع بها المدينة، فهي تعد مدينة مدرجة على لائحة التراث العالمي، نظرًا لضمها آثارًا تعود للعصر الروماني من بينها معابد وأعمدة ومسارح عتيقة.
فقد سيطرت حالة من القلق على المنظمات المعنية بالآثار، من بينها منظمة اليونسكو والتي أعبرت عن بالغ قلقها إزاء توارد الأنباء عن دخول مسلحي التنظيم للمناطق الأثرية بمدينة تدمر، وللتنظيم سابقة سيئة بخصوص المعالم الأثرية في العراق، حيث دمر عناصر التنظيم آثارًا ومعالم قديمة في العراق.
سيطر التنظيم أيضًا على سجن تدمر سيء السمعة لدى الشعب السوري، بعدما أدلى ناشطون بمعلومات عن نية النظام نقل مئات السجناء من سجن تدمر إلى فرع الأمن العسكري، خشية وقوع السجن في قبضة عناصر التنظيم، وهو ما قد كان.
هذا السجن العسكري له رمزية خاصة في التاريخ السياسي السوري، وسقوطه يعد هزة لنظام آل الأسد، بعدما حرر التنظيم مئات السجناء السياسيين بعد اقتحامه للسجن يعود بعض هؤلاء السجناء إلى عهد حافظ الأسد الرئيس السابق لسوريا والد بشار الأسد، حيث تمت به كبريات المجازر بحق جماعة الإخوان المسلمين السورية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، واحدة من أبرز تلك المجازر التي يتذكرها الشعب السوري راح ضحيتها قرابة الألف مواطن سوري غالبيتهم محسوبين على تيار الإخوان المسلمين، وذلك بعد إعلان النظام السوري برئاسة حافظ الأسد آنذاك عن محاولة اغتيال فاشلة له، اتهم النظام بها جماعة الإخوان بسوريا لمحاولة تصفيتهم.
ولسيطرة التنظيم أيضًا على المدينة أهمية اقتصادية كبرى بالنسبة له، إذ تمكن التنظيم من السيطرة على مناطق قريبة من المدينة بينمها حقلان للغاز، حيث سيطر عناصر التنظيم على “بئر الحفنة” وقرية “أرك” شمال شرق مدينة تدمر، بعد معارك عنيفة مع قوات النظام، إضافة إلى القرى المحيطة بشركة “آراك” للغاز، وحاصر التنظيم قوات النظام الموجودة داخل الشركة، كما أعلن عن سيطرته على حقل “الهيل” النفطي بشكل كامل، بالإضافة إلى أن تدمر تعد منجمًا للثروات الطبيعية الهائلة في سوريا، حيث تتواجد بها ثروات من غاز طبيعي وفوسفات ونفط، ومن ثم فإن سيطرة التنظيم على تلك الموارد سيمكنه من رفع مستوى العائدات الاقتصادية لديه، بعد هزائم مني بها في مرحلة سابقة.
ويؤكد خبراء أن منطقة “خنيفيس” القريبة من مدينة تدمر تعد من أهم مناطق الفوسفات الإستراتيجية في سوريا، لذلك يعتقد أن التنظيم سيحاول إدارة شركات استخراج هذه الثروة من خلال عناصر، وإذا لم يتمكنوا من ذلك بسبب نقص الخبرة فإن هناك مئات من العاملين، حاليًا، في معملي “خنيفيس و”الصوانة الشرقية” قد يتم إجبارهم على مواصلة الإنتاج.
سيطرت التنظيم على مدينة تدمر نتيجة القتال المباشر مع القوات النظامية السورية، احتفى به أنصار تنظيم الدولة بعدما وجهت لهم الاتهامات بالتواطؤ مع نظام الأسد في قتال الفصائل السورية المسلحة، خاصة بعد أحداث مخيم اليرموك، ليبرز مناصرو التنظيم الحدث، مؤكدين أن تنظيم الدولة يستهدف نظام بشار الأسد بالقتال كما يقاتل غيره على الأراضي السورية.