اشتعلت أولى أزمات الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو بعد أن قام رئيس الوزراء بإلغاء مشروع لمنع العمال الفلسطينيين من ركوب الحافلات الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد ساعات قليلة من صدوره بموافقة وزير الدفاع موشيه يعالون، إثر بدء موجة من الهجوم من مختلف القوى السياسية على القانون العنصري الجديد وخطورته على صورة إسرائيل في الخارج، لا سيما قبل أيام من زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية فريدريكا موغريني، والتي تتعرض لضغوط لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا من إسرائيل.
كان من المفترض أن يبدأ مشروع القانون بتجربة لمدة ثلاثة أشهر يتم فيها الفصل بين اليهود والفلسطينيين في خطوط الباصات المتجهة من إسرائيل إلى الضفة الغربية، ليكون الفلسطينيون مجبرين على العودة إلى بيوتهم في الضفة فقط عبر نقاط التفتيش الأربع المعروفة لهم، والتي لا تمر عبرها باصات إسرائيلية، وكانت ستُخصَّص لها بالتبعية حافلات فلسطينية خاصة، فيما اعتبره كثيرون نوعًا من أنواع الفصل العنصري.
هذا وصرح مكتب رئيس الوزراء أن نتنياهو قرر إلغاء المشروع بعد أن رآه “غير مقبول”، إذ قال المتحدث باسم رئاسة الوزراء أن نتنياهو “تحدث مع وزير الدفاع يعالون صباح الأمس، وقرر أن يجمّد المشروع برمته،” في إشارة لأول خلاف بين أقطاب الحكومة اليمينية الجديدة، والتي اعتمد فيها نتنياهو بالكامل على اليمين المتطرف المؤيد للصناعات العنصرية.
من جانبه قال الرئيس الإسرائيلي، ريوفين ريفلين، “إنني أشعر بالخزي من كل تلك الأصوات التي سمعناها اليوم تدعم الفصل بين اليهود والعرب على أساس غير صحيح، وهي أفكار لا مكان لها بيننا، وتنافي تمامًا أسس الدولة الإسرائيلية الديمقراطية، ورغبتنا في تأسيس دولة يهودية وديمقراطية.”
من ناحية أخرى، يقول البعض أن نتنياهو، على عكس ما بدا، كان على دراية بالقانون، ولكنه تراجع بعد ضغط الرأي العام، والمخاوف من ردود الفعل في أوروبا أثناء زيارة موغريني، والمجتمع الدولي بشكل واسع، وقرر بذلك أن يحقق نوعًا من النصر السياسي لشخصه على حساب وزير الدفاع، والذي لم يدلي بأي تصريحات رسمية حتى الآن.
يقول المحللون أن الحادثة تشي باتجاه سيستمر طوال فترة حُكم الائتلاف الحالي، وستسبب الكثير من المتاعب لحزب الليكود بقيادة نتنياهو، إذ أن اليمين المتطرف الآن يملك قوة كبيرة، لا سيما وأن رئيس الوزراء قد وضع البيض كله في سلته تقريبًا، مما يعني أنه سيتعرض للضغوط من أجل تنفيذ سياساته العنصرية، وسيكون صعبًا عليه أن يلجأ للوسط واليسار في إسرائيل لدعم أي توجهات أكثر اعتدالًا في الفترة المقبلة نتيجة الابتعاد الشديد عنهم أثناء الانتخابات، والمواقف المتطرفة التي تبناها من ملفات عدة، مثل رفض حل الدولتين الذي يدعمه المجتمع الدولي.
في هذا الملف تحديدًا، على سبيل المثال، يبرز نفس التحدي، إذ أن المسؤول عن المفاوضات مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيلفان شالوم، له مواقف متطرفة هو الآخر من حل الدولتين، وأعلن في مرات عدة رفضه لتأسيس دولة فلسطينية، وهو أمر سيعرّض حكومة نتنياهو للإحراج على المستوى الدولي، لا سيما وأن ملف المفاوضات والضغط الذي تقوم به السلطة الفلسطينية حاليًا هو أبرز ما يجذب الانتباه دوليًا.
لا تأتي التحذيرات فقط من الوسط واليسار، وبل من قياديي حزب الليكود السابقين ذوي المواقف الأكثر اعتدالًا، والذين عبروا عن قلقهم من اتجاه حزب الليكود المتطرف الجديد وتهديده لإسرائيل وموقعها في التحالف الغربي وفي المجتمع الدولي، وليس أدل على ذلك مما قاله دان مريدور، الوزير السابق بحكومة الليكود، في حوار مع صحيفة هآرتز، حيث حذر من استمرار الحزب في اتجاهه الحالي، ووصف أفكاره صراحة بتعزيز “الفصل العنصري” في سابقة لأي عضو بالليكود.
“لطالما كان الليكود حريصًا على الموازنة بين الحلم الصهيوني والقومية من ناحية، والليبرالية والديمقراطية من ناحية أخرى، بيد أن هذا التوازن قد اختل تمامًا مؤخرًا، حيث نرى الآن اتجاهًا نحو القومية بشكل شديد، وتجاهلًا للقيم الليبرالية، وما إن يتحدث أي منا عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية إلا ويتم اتهامه بالانتماء لليسار.. وكل ما يهتم به الحزب الآن هو ابتلاع المزيد من الأراضي ليس إلا،” هكذا قال مريدور.