يناهز عدد المغاربة المقيمين بالخارج الخمسة ملايين، 70 في المئة منهم شباب دون 45 سنة. و قد هاجروا نحو الغرب بحثا عن فرص أفضل للتعليم أو الشغل “أين ما وجدتم شروط التفتح والتألق والظروف المواتية للبحث العلمي والابتكار والخلق، هناك وطنكم ..” يتحدث عالم المستقبيليات المهدي المنجرة –رحمه الله- بعد 30 سنة قضاها مسايرا لإشكالية هجرة الكفاءات في المغرب.
يحلم كثير من الشباب المغاربة بالهجرة “أعتقد أن الهجرة هي أفضل حل للخروج من هذه المعاناة المريرة التي يتخبط فيها ذوو الكفاءات في المغرب” يرى أحد الشباب. ويقصد بالمعاناة هنا ليس المال أو الوظيفة، ولكن أن يصبح أكثر شئ يشغل بال الشاب هو التفكير في المستقبل على أنه وظيفة وزاوج وأبناء وسيارة وشقة وراتب يذهب جله إلى سد الديون. هذا ما يدفع بالضبط الشباب إلى البحث عن وطن بديل من أجل التأسيس لمستقبل أفضل يسعون فيه إلى تحقيق أهدافهم الحقيقية.
أمل مفقود
يجلس أحمد (26 سنة)، بمقهى المنار (طنجة) حيث تبدو جبال أوربا واضحة. يرتشف كأسا من الشاي بينماهو مشغول بالبحث من خلال حاسوبه عن منح دراسية بالخارج “المغرب موطن للشباب ذوي الكفاءات العالية في كل المجالات شأنه شأن جل البلدان العربية إلا أن صنّاع القرار مصرّون على تهميش الشباب وتحطيم أمالهم ومستقبلهم، عبر سياسة التجهيل التي ينهجونها من خلال النظام التعليمي المتدني، ضف إلى ذلك قلة فرص التوظيف” يقول أحمد في ثقة تامة.
وصلت نسبة العاطلين عن العمل في المغرب إلى 9,9% عام 2014 بزيادة قدرها 0,7% عن عام 2013، إذ ارتفع عددهم بـ 86 ألف شخص، ليصل إجمالي العاطلين في المغرب إلى مليون و167 ألف شخص، نسبة كبيرة منهم بالمدار الحضري، وذلك حسب ما أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال العام المنصرم.
يضيف أحمد بعبارات مليئة بالحسرة وفقدان ما تبقى من الأمل الجميل”.. فى هذا الوطن ولأنني مغربي مزدوج اللغة لطالما عانيت التهميش، ولاحظت والهوة العميقة بين الغرب والمغرب فيما يخص الاهتمام بالكفاءات الشابة” لأجل ذلك تابع أحمد دراسته العليا في الترجمة بعد حصوله على الليسانس في اللغة الانجليزية أملا في أن يأتي يوم ما ويبتعد نحو الغرب ” فقدت أملي هنا بعد رحلة بحث عن وظيفة حقيقية دامت أزيد من 4 سنوات. وأرغب في العودة إلى بلدي بنفس قوي ومردودية أكبر للاقامة مشروع ذاتي مستقل يمكن أن يثير ولو القليل من الأمل لدى أجيال الصاعدة.”
حلم كوري
“لا أنفي أن رغبتي في الهجرة سببها الموسيقى والفن الكوري… أنا لست فنانة، ولكن تلك كانت البداية في تبلور حلمي نحو الهجرة الى كوريا الجنوبية والاستقرار هناك مدى الحياة” تقول شيماء 20 سنة.
وتسترسل الطالبة في كلية العلوم متحدثة عن حلمها الكوري “بدأت أبحث كثيرا وأقرأ عن كوريا الجنوبية وتاريخ شعبها وثقافتها وأيضا سياستها، فتبين لي أنها دولة تسخر جميع إمكانياتها للاستثمار في العقل البشري” تولد بذلك رغبة في نفس شيماء إلى متابعة دراستها العليا هناك. فهي تؤمن بطاقة داخلها لم تستطع تفجيرها في بلد لا يؤمن بالكفاءات ” أنا أسعى الى الهرب من العراقيل لأنني على يقين تام أنني سأواجهها هنا والتي ستحولني دون تحقيق أحلامي.. لقد واجهت الكثير منها خلال سنواتي الأولى من الجامعة”
“أمريكا أنقذتني”
يبدو أن محمد 27 سنة، حصل على فرصته لتحقيق حلمه بالهجرة، هذا الحلم الذي لم يكن سوى وليد السنوات القليلة الماضية، حسب قوله” لم أكن أفكر في الهجرة من قبل، وبعد أن استنفذت كل محاولاتي في الحصول على وظيفة مناسبة لتكويني الأكاديمي، لم يبقى لي حل غير الهجرة، ولم أنتظر كثيرا، فقد شاركت في القرعة العشوائية الأمريكية لأول مرة، ثم تلقيت خبر قبولي بالفرحة الكبيرة.. سافرت إلى هناك وقضيت بضعة أشهر، ولم يكن الحصول على وظيفة صعبا، اشتغلت في عدة وظائف كان آخرها أن اشتغلت مترجما لصالح إحدى الجرائد العربية هناك مستغلا تكويني الجامعي في الانجليزية والصحافة”
ويؤكد محمد أن “البطاقة الخضراء تمنحني نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الأمريكيون، باستتناء حق التصويت، والفرص والتي حظيت بها في هذه المدة البسيطة التي قضيتها في الولايات المتحدة الامريكية لم أكن سأحضى بها لو بقيت في بلدي” يؤكد محمد أنه سيكافح هنك في أمريكا حتى ولو اقتضى الأمر أن اشتغل بدولار واحد في الساعة لأنه “لأول مرة أحس بالمعنى الحقيقي لأن تكون إنسانا” يقول محمد.