يتناقل المحللون والسياسيون هذه الأيام همسات حول اقتراب الحسم في سوريا وأن أيام النظام السوري أصبحت معدودة، مع أني أرى أن كثيرًا من هذه التحليلات بعيدة عن الواقع نسبيًا، وإن كانت صحيحة فهي ليست بالسرعة التي يفترضها البعض، لكن علينا طرح سؤال جوهري وأساسي في مثل هذا الموقف، السؤال الذي يؤرقني هو هل نحن كسوريين مناصرين للثورة السورية مستعدون لإسقاط النظام، من البديهي أن الثورة لم تقم من أجل إسقاط النظام فقط بل قامت من أجل إقامة دولة العدل والمساواة والحقوق التي ما كان لها أن تقوم إلا بإسقاط النظام، والآن لنفترض جدلًا أنه سقط بالعون الدولي والعربي، هل نحن جاهزون لإقامة دولتنا أم أننا سننتظر تلك الدول التي ساعدتنا على إسقاطه لتساعدنا في تشكيل دولتنا السورية القادمة.
إن المرحلة الانتقالية لبناء سوريا الحديثة كان يفترض بها البدء منذ اليوم الأول لتشكيل المجلس الوطني السوري ومن بعده تشكيل الائتلاف أو تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، والحقيقة أن ولا أي واحدة من هذه المراحل ساهمت حقيقة في بدء المرحلة الانتقالية أو الإعداد لها كما يجب.
إن مؤتمرات جنيف الثاني والأول من قبله تعتمد بشكل أساسي على فكرة نقل السلطة من النظام الحالي (نظام الأسد) إلى الجسم الانتقالي لبدء المرحلة الانتقالية وهنالك اختلافات سياسية كبيرة لتفسيرات الجسم الانتقالي إن كان سيضم مكونات من النظام القديم أم لا، لكن لا أحد تحدث عن تفاصيل المرحلة الانتقالية، وبتتبع الأمر نجد أن هنالك بعض المحاولات لرسم معالم المرحلة الانتقالية منها رؤية المجلس الوطني في أبريل 2012 ورؤية مؤتمر القاهرة يوليو 2012 وكذلك رؤية مشروع اليوم التالي ورؤية مستقبل سوريا ومشروع خطة التحول الديمقراطي جميعها رؤى من مؤسسات مجتمع مدني لا تمتلك فرصة السيادة أو التأثير وغالبها لا يرقى إلى رؤى تفصيلية بل هي مجرد خطابات أو تتناول جزء من المرحلة الانتقالية دون أجزاء أخرى مهمة أيضًا.
لدى القوى السياسية والعسكرية في سوريا وخصوصًا السيادية منها الكثير من العمل ولا أٌبالغ إن قلت إن الجهد المطلوب في المرحلة الانتقالية هو أضعاف الجهد المبذول في إسقاط النظام السوري، وأتمنى أن يكون هذا الجهد جهدًا سياسيًا دبلوماسيًا بعيدًا عن السلاح.
إن قضايا المواطنة والدولة والدستور والقضية الكردية والأقليات والسياسة الخارجية والقضاء والجيش الوطني وأجهزة الأمن ومحاكم الثورة والمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار قضايا ملحة وضرورية ولا يمكن الانتظار طويلًا بعد إسقاط النظام للبدء في ترتيباتها، لقد قصرت القيادات السياسية الثورية في الإعداد لخطط المرحلة الانتقالية وانشغلت بالانقسام السياسي والتحاصص في الائتلاف وغيرها من مؤسسات الثورة.
والآن إلى متى سيبقى هذا الأمر معلقًا وقد اقترب إسقاط النظام كما يروج إعلاميًا، السؤال برسم الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة هل نحن جاهزون لإسقاط النظام، هذه ليست دعوة إلى عدم اسقاط النظام بل هي دعوة لاستدراك ما فات والعمل على وضع خطط لما بعد إسقاط النظام فهدفنا إقامة الدولة ولهذا قامت ثورتنا.