“إننا في طريقنا للموت في سبيل تحرير جميع أراضينا المحتلة، من جاكرتا إلى الأندلس، إن شاء الله”، هكذا خاطب داعشي إسباني، لم يكشف عن اسمه، متوعدًا شعب إسبانيا بلغته، من خلال مقطع للفيديو نشره على شبكة الإنترنت الصيف الماضي، حيث ظهر برفقة إسباني آخر والذي صرح بدوره “إن إسبانيا هي أرض آباءنا وأجدادنا، وإن شاء الله، نحن في طريقنا لتحريرها، بقوته عز وجل”، فيما نشر داعشي آخر يدعى أبو بصير الخالدي صورة على تويتر لقصر الحمراء بجانب العلم الداعشي حيث غرد ”عندما نأتي إلى الأندلس لن يكون من الصعب استرجاع أرضنا”.
من الملاحظ أنه عندما يتحدث الداعشيون عن إسبانيا فهم يتحدثون بنوع من الحنين والرومانسية عن أندلس القرون الوسطى التي حكمها المسلمون قديمًا والتي لا بد من استرجاعها مجددًا بأي وسيلة، حيث صرخ أحد المقاتلين الكوسفيين الداعشيين (لم يفصح عن اسمه)، ضمن مقطع للفيديو تم نشره على اليوتيوب، وهو يستل سيفه بغضب كبير أمام حشد من الدواعش المسلحين الذين كانوا يرددون وراءه بكل حماس ”لقد بايعنا أمير تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي وتعهدنا بالقتال والموت في سبيله، وسنسترد منكم القدس والأندلس أيها النصارى والكافرون”، هذا وقد سبق وأن تم نشر خريطة توسع الدولة الإسلامية في أكثر من مناسبة والتي احتوت على شبه الجزيرة الإيبيرية كجزء رئيس لا يتجزء من حلم التوسع الذي يراود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
”نون بوست” غاص في أعماق النشاطات الداعشية بإسبانيا لتكشف عن حقيقة حلم تنظيم داعش بـ “فتح بلاد الأندلس” ولنتقرب أكثر إلى حيثيات الجهاد الداعشي داخل إسبانيا.
داعش وحلم فتح الأندلس الأزلي
لقد أبدى العديد من أفراد تنظيم داعش اهتمامًا بالغًا بإسبانيا، بالنظر إليها كهدف شرعي خاص بهم، وذلك جلي من خلال تعقب النشاطات الرقمية لبعض الداعشيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غرد أحدهم واسمه أبو ردينة العصامي على موقع تويتر: ”يومًا ما، سيرجع الابن الضال إلى حضن أبيه”، كما علق آخر حجب اسمه بجانب العلم الداعشي الأسود ”باقية وتتمدد، فاتحة الأندلس السليبة قريبًا”، وقد قال في تغريدة أخرى ”نذر علينا تنقية الأثار الدموية بالأندلس التي تعود إلى قرون”.
تأهب السلطات الإسبانية للإطاحة بالدواعش
بعد أحداث تفجيرات مدريد سنة 2004 والتي راح ضحيتها 191 شخصًا وجرح قرابة 1.800 آخرين، كثفت الشرطة الإسبانية من عمليات المراقبة على أراضيها وفي المناطق الساخنة بكل من مستعمرتي سبتة ومليلية.
فسر مانول غارسيا بيرا لنون بوست، وهو رائد بالشرطة الوطنية الإسباني، أن خطر تنظيم داعش يلوح من منطقة شمال إفريقيا، حيث بات التهديد الإرهابي لداعش يتربص الآن بالقرب من إسبانيا، بقوله ”من المحتمل أن ينتشر هذا التهديد في جميع أنحاء شمال إفريقيا مما قد يشكل تهديدًا خطيرًا على أمننا القومي، وهو الأمر الذي استدعى من وزارة الداخلية ابتكار خطط جدية للتعامل مع هذا الوضع، حيث بدأت في التعاون مع دول شمال إفريقيا وخصوصًا المغرب من أجل احتواء وإحباط المآمرات الداعشية في المنطقة قبل أن تتحول إلى هجمات”.
قصة داعشي إسباني
قابل ”نون بوست” الشاب الإسباني فرناندو الذي يبلغ 26 سنة بمدينة أليكانتي شرق إسبانيا، ليروي لنا قصة أخيه بيدرو (اسم مستعار) الذي يكبره بـ7 سنوات والذي تشبع حتى النخاع بالفكر الجهادي الداعشي، حيث غادر إسبانيا في أغسطس من سنة 2012 نحو سوريا من أجل “مؤازرة الشعب السوري المسلم وتخليصه من ظلم نظام الأسد الكافر” كما يقول، قبل أن يتورط بانضمامه للقتال إلى جانب داعش.
طفولة صعبة
أخبرنا فرناندو: لقد تررع شقيقي بيدرو مع والداي ببلدة أرتشينا ضواحي مورسيا،حيث انتقل برفقة أمي وهي حامل بي إلى بيت آخر بعدما هجرنا أبي نحو مدريد إذ كان يعاني من إدمان الهروين، كانت والدتي تغيب كل يوم للعمل ولا تأتي إلى المنزل إلا خلال نهاية الأسبوع، مما منحني المزيد من الوقت للاحتكاك بشقيقي الأكبر، والذي كان بمثابة مثلي الأعلى، نظرًا لكونه كان ذكيًا ومثقفًا ويتحدث العديد من اللغات.
بداية النضج الفكري
بعد إنهائه للمدرسة الثانوية بتحصيل علمي عالٍ، تفرغ بيدرو بشكل كامل للجلوس لمدة أطول أمام الحاسوب حيث كان يقرأ الكثير من الكتب ويشاهد العديد من مقاطع الفيديو ويتحدث إلى الكثير من الناس عبر العالم، وقد كان يعمل كفني معلوماتي غير رسمي لصالح إحدى المدارس التعليمية، وقد كان يربح لنفسه مالاً كافيًا.
البحث عن الحقيقة
لقد كان أخي دائم البحث عن الحقيقة، فاعتنى بدراسة الفلسفة والديانات والتاريخ، لقد كان بيدرو يعيش الحلم الأمريكي إلى حدود أواخر سنة 2011 حيث انقلب ليعيش حياة حلم فتح الأندلس، كان السبب وراء ذلك تأثره الكبير ببعض المسلسلات التي نشرت في ذلك الوقت على شبكة الإنترنت والتي تتحدث عن حركة العولمة والجماعات الخفية التي تحكم العالم، ثم بعد حوالي 5 أشهر أخبرني أنه اعتنق الإسلام وأصبح يعرف أين توجد الحقيقة الآن.
استقطاب ماكر
لم أعلم في ذلك الوقت أنه كان دائم الاتصال بتنظيم داعش إلا بعد سنتين، فقد كان خلال تلك المرحلة يقفل عليه الباب ليدخل في محادثات بدت لي جد مهمة بلغات مختلفة، خصوصًا وقد عرفني على أصدقائه الجدد الذين كان يدعوهم بـ ”الأخوة” من إسبانيين وأبناء للمهاجرين المغارببين الذين كانوا يزورونه كل حين من سبتة ومدن أخرى، وقد أخبرني أنهم يقومون بالتبشير والدعوة للخير من أجل الأندلس.
ثم وبعد مرور حوالي 9 أشهر، أخبرني أخي أنه سيقوم بالسفر من أجل القيام بأعمال خيرية بتركيا لصالح ضحايا سوريا، وقد كان يرسل لي رسالة إلكترونية كل شهرين يطمئنني على أنه بخير وأنه سيعود بعد انقضاء عمله، استمر الأمر على هذا المنوال إلى فبراير من سنة 2014 حيث تمكن من التحدث معي عبر السكايب وقد كانت أول مرة أراه فيها على الويب منذ أن رحل.
كشف المستور
كانت صدمتي مهولة عندما أخبرني عن تفصيل حقيقة ما قام به أثناء رحلته، حيث اكتشفت للمرة الأولى أنه لم يكن في تركيا، بل كان في أحد بلدان أوروبا الشرقية.
ثم بمرور الوقت تواصلت مع بيدرو عبر أحد المواقع المحمية حيث أخبرني أنه كان مخطئًا في رؤيته وتفيسره لما يدور في العالم، كما عبر لي أنه لم يكن يفهم حقيقة الإسلام ودور المسلم في العالم، كما كشف لي عبر محادثات طويلة عن تفاصيل سفره وحقيقة ما يدور في ميادين القتال إلى جانب تنظيم داعش ”الإرهابي” بسوريا.
جيش داعش الرقمي
أخبرني أخي أنه تورط مع التنظيم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث كشف لي أن جل عمليات الاستقطاب التي تستهدف الشباب الإسباني تدور في الإنترنت والتي تحث على فتح واسترجاع الأندلس بأي ثمن، حيث يعمل جيش عظيم من العملاء المحترفين والمخترقين الرقميين والمترجمين المتميزين التابعين لتنظيم داعش، من أجل التواصل مع الإسبانيين الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا على وجه الخصوص، حيث يقومون بعمليات تبشيرية ثم رويدًا رويدًا يقومون بالتوسع في التآويل الدينية التي تقود إلى تبني النهج الجهادي التكفيري من أجل ”فتح الأندلس” بتنسق احترافي عالٍ.
رحلة الجهاد
لقد رحل بيدرو من مورسيا إلى برشلونة في الشمال، حيث حلق نحو إسطنبول بتركيا، ليجد بعض الأشخاص في انتظاره بالسيارة قرب المطار، الذين تم التواصل معهم في وقت سابق، حيث أخذوه على متن سيارة خفيفة إلى مدينة أدينة بالجنوب الغربي لتركيا ثم إلى مرسين، حيث تمكن بعد مكوثه هناك لمدة 30 ساعة بأحد المنازل الفارهة، من العبور بمعية شخصين آخرين إلى داخل التراب السوري، بواسطة قارب مطاطي متطور.
كما فسر لي أنه يجب عليّ أن أفهم فكرة المستهدفين، إن فكرة الجهاد أخذت الآن نطاقًا واسعًا، كما أخبرني، وقد وصل ببعضهم إلى بيع أي شيء من أجل الحصول على مال يمكّنه من السفر إلى سوريا، وذلك عن طريق عملية بسيطة، فإن أراد أحد الشباب أن يذهب للقتال في سوريا، فكل ماعليه فعله هو طلب المال من أصدقائه ومقربيه في مجتمعه، في الحقيقة قد يتمكن من السفر من العاصمة مدريد أو من برشلونة إلى إسطنبول فقط بـ 200 يورو، فيما يخولهم التقدم التكنولوجي الاتفاق مسبقًا مع الوسطاء الذين يصحبونهم إلى داخل ميادين القتال.
المهمة
بمجرد وصول شقيقي إلى المعسكر أوكلت إليه مهمة الترجمة لصالح التنظيم، بالإضافة إلى التنسيق والاتصال بكافة الوحدات العسكرية والتكلف بصيانة الأدوات الحربية الرقمية، وقد كانت مهمة السَرية مركزة على تجنيد المزيد من الرجال وتحضيرهم للتدريب لمدة 40 يومًا، قبل أن يتم إرسالهم إلى جبهات القتال، فيما تمثلت مهمة أخي كمنسق بالإضافة لانضمامه إلى بعثات استطلاع تجسسية على القوات المعادية التي تمثلت في النظام السوري أو الأكراد.
انشقاق عسير
ومع مرور الأيام وتفاقم الأحداث الدموية المروعة التي ترتكب ضد البشرية تحت ذريعة الإسلام على يد تنظيم داعش المتوحش والدموي التي وصل صيتها إلى جميع أنحاء العالم، قرر أخي الهروب من هذا الجحيم وحيدًا، خصوصًا وأنه شهد عمليات التعذيب والإعدام التي يلحقها التنظيم بالأفراد الذين يعلنون انشقاقهم، أو أولئك الذين يتم ضبطهم وهم في صدد محاولة الفرار بعيدًا عن ساحات المعارك، لحسن الحظ تمكن بيدرو من الهروب بطريقة بارعة، حيث استطاع تمويه أفراد مجموعته بعدما كسب ثقتهم، على أن هناك مهمة تنتظره في الحدود التركية تتعلق باستطلاع سري، ليغادر أمامهم بواسطة سيارة عادية تابعة للتنظيم، وقد تمكن بعد ذلك من العبور والعودة إلى تركيا برًا، حيث نجح بعد 3 أشهر في الدخول إلى حدود الاتحاد الأوروبي عبر التسلل من تركيا إلى داخل اليوناني ليستقر بعد ذلك بأحد بلدان أوروبا الشرقية.
بعد تعرفنا إلى هذه التفاصيل المثيرة عمدنا إلى التقرب أكثر إلى واقع معتنقي الإسلام الجدد بإسبانيا الذين غالبًا ما تجعلهم داعش أهدافًا لعمليات استقطابها الواسعة.
معتنقو الإسلام الجدد الإسبانيون الذين تستهدفهم داعش
قابل ”نون بوست” زهيرة التادلاوي وهي مغربية تشغل عضو مجلس تنفيذي داخل الجمعية الإسلامية بمدينة فلنسية، حيث فسرت لنا أن ما يدعوها إلى القلق بخصوص تلك الحالات هو أن هؤلاء المعتنقين الإسبانيين الجدد اليافعين، أكثر عرضة لمختلف أنواع التطرف الإسلامي أكثر من غيرهم، لأنهم لا يعرفون سوى القليل عن تقاليد الدين الإسلامي المختلفة، تقول زهيرة ”إن مشكلة هؤلاء المتحولين الجدد هي عدم وجود دعم لهم كما أنه يتم التخلي عن بعضهم من طرف أسرهم، وقد لا يتم قبولهم في المساجد الرئيسية، فيتجمع الكثير منهم فيما يشبه النوادي عبر الإنترنت”، وتضيف ”يمكن لهذه العزلة أن تجعل من هؤلاء المعتنقين الجدد عرضة لدعايات داعش المنتشرة على الإنترنت، حيث يأملون أن المتحولين إلى الإسلام البيض سيضيفون مصداقية إلى قضيتهم.”
لنتقرب أكثر، تعرفنا إلى أندريه الذي ينحدر من بلدة تورينتي ضواحي مدينة بلنسية، وهو رجل إسباني خمسيني، اعتنق الإسلام قبل شهرين وسط ترحاب بهيج في مسجد السوريين بمدينة بلنسية الإسبانية.
يقول أندريه ”لقد أسلمت عن قناعة بعد معاشرة طويلة للمغاربة والجزائريين في هذه البلدة، إنني أعرف ما يحدث في العالم والإسلام بريء مما يفعله أولئك المافيا الداعشيون”، يردف أندريه ”هنا في إسبانيا الإسلام منتشر والكل يتقبله ويميزون بين الإسلام والإرهاب الديني، فإلى جانب المافيات الإسلامية هناك مافيات كنائسية وصهيونية، وهذا الأمر جلي بالنسبة إلى شخص في مثل سني، ولكن الجيل الجديد المتأثر بالتكنولوجيا قد يساق بسهولة إلى وعود وأحلام قاتلة”.
كشف لنا عمر المرابط وهو إمام مغربي بمسجد كاطاروخا بمدينة إسبانيا، أن معتنقي الإسلام من الإسبان هم في تكاثر مستمر وهذا لا يؤثر على نظرة الإسبانيين للإسلام، حيث قال ”يأتي عدد من الإسبانيين إلى هذا المسجد لإعلان إسلامهم بعد تشبعهم بتعاليم الدين الإسلامي السمحة، كما أن هناك عدد لا بأس به من النساء الإسبانيات اللواتي يسلمن بسبب زواجهم من رجال مسلمين”، وأضاف ”عمومًا، لا يتردد المتطرفون الإسلاميون في إسبانيا على المساجد بصفة عامة، لأنهم يكفرون جميع الأنشطة التي تقام بالمساجد المعتدلة داخل البلاد، حيث يقيمون تجمعات سرية خاصة بهم، ينشرون من خلالها فكرهم التكفيري عبر استقطاب شريحة المراهقين الإسبان المسلمين المتهورين، إلا أنهم لا يستطيعون تغيير نظرة الإسبانيين باتجاه حقيقة الإسلام السمحة التي يعرفونها جيدًا نظرًا للعامل التاريخي والثقافي المشترك والمتأصل في المجتمع الإسباني”.
الجيل الأكثر خطورة من الإرهابيين الإسبان
تتخوف الأجهزة الأمنية الإسبانية من إرهابيي إسبانيا من الجيل الثاني لأبناء المهاجرين المسلمين، الذين أسماهم وزير الداخلية الإسباني خورخي فيرنانديس دياز بإرهابيي الجيل الثاني الأكثر خطورة على الإطلاق، نظرًا لتأقلمهم مع حياة النمط الغربية، فقد أسفرت العديد من التحقيقات أن عددًا مهمًا من الموقوفين بتهم إرهابية من اليافعين كانو يرتادون الملاهي الليلية ويعاقرون القمار والخمر ولديهم صديقات، مستحلين هذه الأنشطة مادامت في سبيل التضحية بالغالي والنفيس في سبيل ”فتح الأندلس”، حسب معتقداتهم الداعشية.
وقد أذاعت شبكة التلفزة الإسبانية انتينا 3 TVمؤخرًا، شريطًا وثائقيًا، حيث قدم شابان يبلغان حوالي 20 سنة بعض التصريحات التي أثارت صدمة لدى المجتمع الإسباني، حيث ذهب أحدهم لزيارة أصدقائه بسوريا في عام 2014، وقد كانو يرددون أنهم مستعدون للموت في سبيل الله، ولكن أحدهم سأل البقية: “لماذا تريدنا أن نذهب إلى سوريا؟ إن الجهاد الحقيقي موجود في سبتة، لدينا هنا سوريا خاصة بنا “.
في حين أخبرنا العقيد إنريكي (لم يشأ الكشف عن هويته)، وهو رئيس وحدة سرية للتدخل السريع تابعة للحرس المدني بمدينة فلنسية، أن أخطر الجهاديين الذين يتم توقيفهم في إسبانيا هم أولئك اليافعون الذين يتلقون توجيهات مباشرة من تنظيم داعش، يقول العقيد إنريكي ”إن الهدف المشترك بين هذه الجماعات التي تم توقيفها خلال هذا العام مثلاً هو استهداف معتنقي الإسلام الجدد في إسبانيا ثم تجنيدهم قبل التخطيط والتوسط لإرسالهم إلى مناطق جهادية في سوريا والعراق”، وأضاف ”ليس كما هو الحال مع بعض الخلايا الأخرى التي تم تفكيكها في إسبانيا سابقًا، فإن هذه المجموعات اليافعة على وجه التحديد يلقنون التعليمات التكفيرية بين الناس وقد كانوا على كامل الاستعداد لارتكاب هجمات إرهابية في إسبانيا وأوروبا، فيما صنفتهم الشرطة الإسبانية على أنهم على مستوى عالٍ من التطرف والخطر”.
مستعمرة سبتة: معقل الأحلام الداعشية في إسبانيا
وفقًا للتقارير الرسمية الإسبانية، يعاني معظم المسلمين في مستعمرة سبتة، التي تتموقع على الأراضي المغربية، من الفقر والعنف وامتهان التهريب بمختلف أنواعه، بحيث لا تتمكن الشرطة من الدخول إلى الحي، وفقًا لمصادر من الشرطة، فهناك نحو 80% من الناس الذين يعيشون بالمستعمرة هم من المهاجرين غير الشرعيين، حيث تشكل البطالة نسبة 90%، فيما لا تتوفر للمنازل التي يقطنونها أي سنادات قانونية، لتتعاون عصابات مهربي الحشيش مع الخليات الجهادية التابعة لداعش من أجل الإفلات من العقاب، حسب ما صرحت به الداخلية الإسبانية.
وهذا ما أكده عبد القادر لـ ”نون بوست”، وهو مهاجر جزائري يحمل الجنسية الإسبانية، يبلغ 43 سنة وقد عاش بسبتة لأكثر من 13 سنة قبل أن ينتقل للعيش ببلدة كاتاروخابفلنسية، يقول عبد القادر”إن التهميش والفقر وحب المخاطرة هو ما يدفع العديد من شباب سبتة إلى براثن تطرف داعش، حيث يعمد التنظيم في كثير من الأحيان إلى اكتساح الشباب السبتاوي عبر خلاياه المتكتلة في سبتة والتي ترتبط صلات بكل هذه العصابات ولها يد في سائر أعمالها حيث تعمد على دعوتهم إلى الجهاد لفتح الأندلس أو إلى الانضمام للقتال بسوريا أو العراق، مقابل المال وتسهيل السفر حيث أصبح التآمر مع تنظيم داعش عملاً يصبو إليه كثير من الشباب اليافعين في سبتة كملاذ بعدما نخرهم اليأس والفقر والبطالة”
محنة الصحفي الإسباني الذي كان رهينة لدى داعش
تمكنا من الحديث مع الصحفي الإسباني خافيير إسبينوزا الذي حدثنا عن محنة اختطافه من طرف تنظيم داعش في سبتمبر من سنة 2013 عندما كان يقوم بمراسلة لصالح جريدة إل موندو الإسبانية، حيث أخبرنا ”من المستحيل أن يكون هؤلاء بشرًا، لقد ظللت محتجزًا لحوالي 6 أشهر بداخل السجون الداعشية بسوريا، وقد تعرضت لمختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي التي يمكن تخيلها بدون أي استجوابات ولا مبررات حيث كانو غالبًا ما يخرجونني كل صباح من زنزانتي الانفرادية ليعلقونني من قدماي إلى السقف ويضربونني بكل قوة ووحشية ويتركونني أنزف إلى وقت الظهيرة ويحرمونني من الأكل والشرب والنوم لعدة أيام، وقد كنت أتمنى الموت كل يوم، غير أن تفكيري في ابني هو من رفع من معنوياتي في كل ذلك الوقت”، وبالإضافة إلى ذلك يقول خافيير ”لقد تعرضت إلى عمليات إعدام وهمية متكررة بطرق سادية من طرف جلاد بريطاني يدعى جون اسمه الجهادي هو محمد إموازي، الذي كان يمارس عليّ أبشع أنواع التعذيب النفسي التي لا يمكن وصفها، لقد كانت أكثر التجارب إثارة للرعب في حياتي والتي تواصلت لحوالي 194 يومًا قبل أن يطلق سراحي وأعود لأهلي وأسرتي الصغيرة وأنا جد ممتن لخروجي من ذلك الجحيم الأسود.
استمرار مطاردة الحلم
يرى المراقبون أن تنظيم داعش مستمر بلا هوادة في الترويج لدعاية ”فتح الأندلس” المميتة عن طريق تسخيره لموارد مالية وبشرية هائلة من أجل خدمة المصالح الداعشية في شبه الجزيرة الإيبيرية، فيما تستمر السلطات الإسبانية في التكثيف من إجراءاتها الأمنية لتحول الأحلام الرومانسية لبعضهم إلى سنوات طويلة وراء القصبان، فبين حلم ”الفتح” والتحضير لتحقيقه على أرض الواقع يستمر الحلم في مراودة العديد من الشباب الإسباني كغيرهم من الشباب الأوروبيين ليسعوا للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل مبايعة أبي بكر البغدادي الذي يرى أن الترويع وعمليات الإعدام المتكررة هي أفضل وأنسب الطرق من أجل إقامة شريعة الله فوق الأرض، عازمًا بكل جد تحقيق حلم إقامة دولة إسلامية عنيفة ومسلحة تحكم طبقًا للشريعة الإسلامية وتمتد من أسيا إلى أفريقيا لتصل إلى إسبانيا بجنوب أوروبا.