صدر بيان عن نائب رئيس الجمهورية العراقي إياد علاوي يقول فيه إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد عرض استعداده لتقديم الدعم الكامل للجيش العراقي من جهة التسليح أو التدريب، وذلك للمشاركة في حرب العراق ضد الإرهاب، كما يقول البيان.
ووفقًا للبيان الذي أصدره مكتب إياد علاوي، فقد تحدث الجانبان عن المخاطر التي تحيط بالمنطقة، لاسيما التحديات الإرهابية في العراق، حيث أكد السيسي أن مصر تضع كافة إمكانياتها مسخرة أمام الحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب، فيما اتفق الطرفان على عقد لقاء لاحق بينهما في القاهرة، لمناقشة القضايا المشتركة وتنسيق سبل التعاون بينهما.
هذا اللقاء الذي أبدى فيه السيسي استعداده لخوض غمار الحرب في العراق تم في الأردن على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، والذي حضره السيسي ممثلًا عن مصر وحضره وفد عراقي برئاسة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري المحسوب على حركة الإخوان المسلمين في العراق، بالإضافة إلى رئيس إقليم شمال العراق الكردستاني مسعود البارزاني.
جدير بالذكر أن هذه ليست المحاولة الأولى التي يقوم بها السيسي للزج بمصر داخل المشاكل السياسية العراقية، ففي العام الماضي كشفت مصادر في “التحالف الوطني العراقي” أن عبدالفتاح السيسي أرسل رسالة إلى بغداد مع وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري أثناء اجتماعه برئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وقد نقل شكري إلى المالكي طلبًا واضحًا من السيسي، يدعوه إلى عدم السماح لأي مرشح ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين في العراق بتولي رئاسة البرلمان العراقي بمن فيهم سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي الحالي الذي حضر مؤتمر دافوس ضمن وفد العراق، بعدما تمكن من الظفر بالمنصب على غير رغبة السيسي، الذي حذر المالكي في رسالته من خطر الإسلام السياسي على العراق.
هذه الأنباء تدوالتها مصادر صحفية عدة أكدت أن ضغوط القاهرة على بغداد في ازدياد آنذاك، بهدف فرض أجندة الصراع المحلية للنظام المصري مع حركات الإسلام السياسي على المنطقة ككل، وهو ما تعهدت القاهرة حيال تنفيذه في العراق بدعم سياسي وعسكري لبغداد.
فكرة السيسي التي طرحها على علاوي، يبدو وأنها تدور في رأسه منذ زمن، فقد صرح بها محلب لحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الحالي في لقاء جمع بينهما مطلع العام الجاري، حيث طُرحت فكرة تدريب عناصر من الجيش العراقي في مصر، وعلى الجانب الآخر تلقت بغداد هذه الدعوات بالترحاب قبيل ذلك، فقد عرضت هي الآخرى على القاهرة المساهمة في تدريب وتأهيل قوات الجيش العراقي النظامي لمواجهة أخطار داعش.
من المرجح أن السيسي يفكر في تقمص أدوارعدة بالمنطقة تحت مظلة وادعاء “الحرب على الإرهاب” والتي لا يكف نظامه عن ترديدها بمناسبة وبغير مناسبة، وهو ما يريد به كسب شرعية في حربه السياسية في الداخل والخارج التي يخوضها منذ قيامه بالانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو عام 2013، هذه الحرب التي يصر على جعلها صفرية ضد حركة الإخوان المسلمين في مصر، وبهذه العروض يريد السيسي أن يحول أجندة صراعه المحلية إلى أجندة إقليمية تتبناها أنظمة غيره في المنطقة.
فالسيسي بعدما ورط جيشه في الصراع الليبي، مصرًا على دخول حرب هناك ضد جماعات الإسلام السياسي التي صعدت إلى السلطة في البلاد عقب سقوط القذافي، وقد حاول مرارًا الحصول على دعم عربي أو دولي لخوض تلك الحرب، لكنه لم يفلح في ذلك إلى الآن، ولكنه لا يألُ جهدًا مع شركائه من الإماراتيين في تأجيج الصراع بين طرفي النزاع هناك، عن طريق الدعم المسلح للواء خليفة حفتر ومن خلفه برلمان طبرق الذي يخوض معارك ضد المؤتمر الوطني الليبي وكتائبه المسلحة المحسوبة على الإسلاميين في ليبيا.
وعلى صعيد اليمن أيضًا خاض السيسي عمليات “عاصفة الحزم” بجوار السعودية مع تقديم عروض بإمكانية تدخل الجيش المصري بريًا في المعارك إذا تطلب الأمر، ثم عاد النظام السيسي للتململ والحديث عن الحل السياسي في اليمن، وقد ترددت أنباء عن محاولة النظام المصري مد جسور تواصل مع الإيرانيين عن طريق الحوثيين قبيل انطلاق “عاصفة الحزم”، وهو ما نفاه النظام المصري بشكل رسمي، لكن محاولات السيسي للبحث عن دور في المنطقة بأي ثمن مستمرة.
ها هو الآن يبحث السيسي عن دور جديد في المنطقة عن طريق الجيش كعادته، ولكن هذه المرة في المستنقع السياسي “العراقي”، فلقد أصبح الجيش المصري أداة سياسية في الداخل المصري ولم يكتف الجنرال بذلك فحسب، بل بات يوظفه في مناوراته الخارجية، فالسيسي يعلم تمام العلم أن الجيش العراقي في حاجة للدعم بعد إخفاقاته في المواجهات أمام “تنظيم الدولة”، والتي كان آخرها معركة الرمادي التي سقطت على إثرها في يد التنظيم.
وعلى هذا يعرض السيسي خدمات الجيش المصري على بغداد لمحاولة كسب مآرب إقليمية، فناهيك عن المنافع الاقتصادية “النفطية” التي ربما تعود عليه جراء ذلك، فإن ذلك وبلا شك محاولة للزج بنفسه عن طريق الجيش لدخول معركة لا تخصه بالأساس، لعرض نفسه أمام المجتمع الدولي كشريك أساسي في المنطقة لما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب”، عله يستجدي بذلك استمرار دعم المنطقة والمجتمع الدولي له في صراعه السياسي مع الإخوان المسلمين وكذلك دعمه بغض الطرف عن رائحة التنكيل والقمع بمعارضية، والتي فاحت لتثير امتعاض بعض الدول الغربية.
فمن المفارقات العجيبة في عرض السيسي تدريب الجيش العراقي لمحاربة داعش، فشل الجيش المصري نفسه في مواجهة ما يحدث على أرض سيناء من نفس التنظيم الذي يريد السيسي محاربته في العراق، فبذلك تكون احتمالات توريط الجيش المصري في صراع جديد زادت احتمالًا جديدًا، فإن لم يكن التدخل العسكري في ليبيا أو غزة، فهناك احتمالية اليمن، وإن لم تكن اليمن فالسيسي أعلن عن رغبته في خوض غمار الحرب في العراق.